معرض دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد.. دلالات اقتصادية وسياسية لعودة النشاط

يمثل انطلاق الدورة الـ62 من معرض دمشق الدولي هذا العام محطة فارقة في تاريخ سوريا الحديث، إذ يأتي كأول دورة تُقام بعد سقوط نظام الأسد، لتتحول الفعالية من مجرد حدث اقتصادي وتجاري إلى مناسبة تحمل أبعاداً سياسية واجتماعية عميقة، تعكس صورة سوريا الجديدة ومساعيها لإعادة التموضع على خريطة المنطقة والعالم.

عودة المعرض كرمز للاستقرار

يُنظر إلى عودة معرض دمشق الدولي بوصفها مؤشراً عملياً على عودة الاستقرار إلى البلاد، بعد سنوات طويلة من الحرب والفوضى والانهيار الاقتصادي، فالمعرض الذي توقف طويلاً بفعل سياسات نظام الأسد البائد وظروف الحرب، يستعيد اليوم مكانته كمنصة كبرى لتلاقي الاستثمارات والشركات، وهو ما يمنح رسالة بأن سوريا بدأت مرحلة جديدة عنوانها إعادة البناء والانفتاح.

الأبعاد الاقتصادية:

منصة لإعادة الإعمار يشكل المعرض فرصة حقيقية لجذب الاستثمارات الأجنبية والعربية، وخاصة في قطاعات الطاقة والإعمار والزراعة والتكنولوجيا، فمشاركة نحو 800 شركة، بينها شركات عربية وأجنبية، تؤكد أن هناك اهتماماً ملموساً بالانخراط في مشاريع إعادة الإعمار، ما قد يفتح الباب أمام تدفق رؤوس الأموال والخبرات، ويسهم في تحريك عجلة الاقتصاد السوري.

كما أن تخصيص مساحات للقاءات بين المستثمرين والجهات الحكومية يعكس نية واضحة في جعل المعرض منصة للتفاوض حول عقود ومشاريع مستقبلية، بما يرسخ دوره كبوابة اقتصادية لسوريا ما بعد الحرب.

الأبعاد السياسية:

سوريا ما بعد الأسد لا تنفصل أهمية المعرض عن بعدها السياسي، فإقامته بعد سقوط نظام بشار الأسد تحمل رسالة قوية بأن سوريا قادرة على تنظيم حدث دولي واسع، يشارك فيه ممثلون من أكثر من 20 دولة، هذا الحضور يرمز إلى عودة البلاد للتواصل مع محيطها الإقليمي والدولي بعد عزلة طويلة فرضها النظام السابق وسياساته العدائية.

كما أن حضور شركات من دول مثل السعودية وتركيا والأردن وقطر يعكس بداية تحولات في العلاقات الإقليمية، قد تعزز فرص التعاون الاقتصادي والسياسي، وتفتح الطريق أمام انخراط أوسع في إعادة إعمار سوريا.

البعد الاجتماعي والثقافي إلى جانب النشاط الاقتصادي، يحمل المعرض أبعاداً اجتماعية وثقافية، إذ يتضمن فعاليات ترفيهية وثقافية تعكس ملامح سوريا الجديدة، وتؤكد أن المجتمع يسعى للتعافي من آثار الحرب وإعادة بناء الهوية الوطنية على أسس أكثر توازناً، وحضور الأسر والشباب والطلاب لهذه الفعاليات يساهم في ترسيخ شعور عام بأن البلاد تدخل مرحلة حياة طبيعية بعد سنوات القمع والصراع.

تحديات ومعوقات

رغم الأهمية الكبيرة للمعرض، تبقى هناك تحديات واقعية، أبرزها تأمين بيئة استثمارية مستقرة، وإعادة الثقة للمستثمرين في ظل البنية التحتية المتضررة والحاجة إلى إصلاحات اقتصادية وقانونية واسعة، كما أن نجاح المعرض في جذب استثمارات فعلية يتطلب سياسات واضحة وشفافة من الحكومة الانتقالية، تضمن حماية مصالح المستثمرين وتحفزهم على الدخول بقوة إلى السوق السورية.

ومما لاشك فيه بإن الدورة الـ62 من معرض دمشق الدولي ليست مجرد حدث اقتصادي دوري، بل هي إعلان سياسي واجتماعي عن بداية مرحلة جديدة في تاريخ سوريا، مرحلة ما بعد نظام الأسد البائد، فهي منصة لتثبيت الاستقرار، وجذب الاستثمارات، وتعزيز العلاقات الإقليمية والدولية، بما يضع البلاد على طريق إعادة الإعمار والانفتاح، ويمنح السوريين بارقة أمل في مستقبل مختلف عن عقود القمع والعزلة التي عاشوها.

شارك