في إطار الدورة 41 للجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة التعاون الإسلامي “كومسيك”، استضافت إسطنبول الأسبوع الماضي اجتماعاً وزارياً خصص لبحث إعادة إعمار سوريا، بمشاركة وفد سوري رسمي رفيع المستوى.
وتُمثل عودة سوريا إلى منصة “الكومسيك” بعد سنوات من الغياب، إعادة إدماج سياسية واقتصادية ضمن المنظومة الإسلامية، كما تفتح الباب أمام شراكات تنموية واستثمارية متعددة الأطراف.
أشار الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي، في تصريح لـ”الحرّية” إلى أن اجتماع “الكومسيك” الذي جرى مؤخراً في إسطنبول يُشكل نقطة تحوّل استراتيجية في مسار إعادة إعمار سوريا، ويتيح فرصاً اقتصادية ملموسة عبر التعاون الإسلامي، والدعم التركي، والاستفادة من التجربة التنموية التركية.
عودة سوريا إلى “الكومسيك” بعد سنوات يُمثل إعادة إدماج سياسي واقتصادي ضمن المنظومة الإسلامية
المكاسب
ويستعرض الخبير قوشجي المكاسب المترتبة على مشاركة سوريا في الاجتماع المذكور بالتالي:
• المكاسب المباشرة: إطلاق برنامج دعم خاص لسوريا يشمل التدريب المؤسسي، الدراسات الميدانية، الدعم الاستشاري وفتح قنوات تمويل جديدة عبر صناديق التعاون الإسلامي، خاصة في قطاعات الطاقة والبناء والصناعة.
•المكاسب غير المباشرة: تعزيز الثقة الدولية في جدية سوريا بالانخراط في إعادة الإعمار وتحسين صورة سوريا كموقع استثماري محتمل ضمن بيئة إسلامية داعمة.
آليات الدعم
وحول كيفية دعم “الكومسيك” للاقتصاد السوري، لفت الدكتور قوشجي إلى آليات عدة في هذا السياق منها :
•تفعيل صناديق التمويل التنموي المشتركة لدعم مشاريع البنية التحتية.
•منصة تبادل الخبرات الفنية والتشريعية بين الدول الأعضاء.
• تحفيز القطاع الخاص الإسلامي عبر ضمانات استثمارية وتسهيلات جمركية.
•إدراج سوريا ضمن مبادرات الاقتصاد الحلال الذي يشهد نمواً متسارعاً.
حجم الفجوة التمويلية
وبيّن قوشجي أنه لا يوجد حتى الآن دعم استثماري كافٍ لإعادة إعمار سوريا، رغم وجود مبادرات عربية وإسلامية متزايدة، إلا أن حجم الفجوة التمويلية لا يزال كبيراً.
وحول حجم الفجوة التمويلية، تُشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن تكلفة إعادة الإعمار تتراوح بين 250 و400 مليار دولار، وحسب نطاق الجهود المطلوبة وحتى الآن، لا توجد تعهدات استثمارية أو تمويلية تغطي سوى نسبة ضئيلة جداً من هذا الرقم، ما يعني أن سوريا لا تزال في بداية الطريق من حيث تعبئة الموارد.
لذلك يقترح الخبير الاقتصادي الاعتماد على مصادر التمويل من خلال الموارد الوطنية مثل النفط والفوسفات وخصخصة بعض صناعات القطاع العام على شكل شركات مساهمة تدرج في سوق دمشق للأوراق المالية، لكنها محدودة بسبب العقوبات والبنية التحتية المتضررة.
ولفت قوشجي إلى أنه بالرغم من أن منظمات التعاون الإسلامي مثل “الكومسيك” والبنك الإسلامي للتنمية، تقدم أدوات تمويلية واستشارية، لكنها لا تزال في مرحلة التخطيط والتنسيق، أي لا يمكن أن تقدم عملاً ملموساً وإسعافياً للواقع السوري.
من المكاسب تعزيز الثقة الدولية في جدية سوريا بالانخراط في إعادة الإعمار وتحسين صورتها كموقع استثماري محتمل
بين المعوقات والمطلوب
ويرى الدكتور قوشجي أن التحدّيات التي تعيق تدفق الاستثمارات هي:
• غياب بيئة تشريعية جاذبة: لا تزال القوانين الاستثمارية بحاجة إلى تحديثات جوهرية.
•مخاطر سياسية وأمنية: تؤثر على ثقة المستثمرين، خاصة من القطاع الخاص، بالإضافة إلى العقوبات الدولية التي لم ترفع بعد والتي تُعيق التحويلات المالية وتوريد المعدات.
..لذلك المطلوب لتفعيل الدعم الاستثماري:
•إصلاحات تشريعية عاجلة: تشمل قانون الاستثمار، قوانين الشركات، وآليات فض النزاعات.
•ضمانات سيادية للمستثمرين: مثل التأمين ضد المخاطر السياسية.
• تحديد أولويات قطاعية واضحة: مثل الطاقة المتجددة، الإسكان، الزراعة، والصناعات التحويلية.
•شراكات مع دول إسلامية وعربية: ضمن أطر مؤسسية مثل “الكومسيك” و”الصندوق العربي للإنماء”.
رغم وجود بوادر دعم استثماري من دول عربية وإسلامية، إلا أن التمويل المتاح حالياً لا يغطي سوى جزء بسيط من احتياجات الإعمار، وفقاً لقوشجي، من هنا فإن المطلوب هو تحوّل استراتيجي في البيئة الاستثمارية السورية لجذب رؤوس الأموال، مع التركيز على الشراكات المؤسسية طويلة الأجل.
ونوّه الخبير إلى أن اجتماع “الكومسيك” في إسطنبول ليس مجرد حدث دبلوماسي، بل يُمثل فرصة استراتيجية لإعادة تموضع سوريا اقتصادياً ضمن الفضاء الإسلامي، ولبناء شراكات تنموية مستدامة، خاصة مع تركيا التي يمكن أن تكون شريكاً محورياً في نقل الخبرات وتوسيع الاستثمار، مع ضرورة وجود إرادة إصلاحية واضحة، ومأسسة التعاون الدولي ضمن رؤية اقتصادية شاملة.
