يتواصل العمل على إعداد موازنة عام 2026، التي وعد وزير المالية، محمد يسر برنية، بأنها لن تكون مجرد أرقام للجباية والإنفاق، بل موازنة تعكس معايير السياسة الاقتصادية والاجتماعية.
حتى الآن، لم تُعلن أرقام الموازنة رسمياً، إلا أنه من المتوقع أن تمنح الأولوية للإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم، وتحسين رواتب العاملين في الدولة، إضافة إلى الاستثمار، وفق تصريحات برنية، الذي أكد أن الوضع المالي في سوريا يسير نحو التحسن مع حرص حكومي على مكافحة الفساد.
تحول في الأولويات
يؤكد الخبير المالي والتنموي محمد إبراهيم، أن هناك تحولاً في أولويات الإنفاق بعد التحرير وسقوط النظام المخلوع، من التركيز على الدفاع والأمن إلى القطاعات الخدمية، ما قد يخفف من الأعباء الاجتماعية، لكنه تساءل عن كيفية تأمين الإيرادات اللازمة لتغطية هذه الأولويات، خصوصاً مع تركيز الموازنة على الإنتاج وتحسين الوضع الاجتماعي للمواطن.
وأضاف إبراهيم لصحيفة الثورة: إن الحديث عن هيكل الإنفاق يجب أن يترافق مع توضيح مصادر الإيرادات، خاصة أن الحكومة لن تلجأ إلى أي زيادات ضريبية تثقل كاهل المواطن أو تعيق نشاط القطاع الخاص.

وأشار إلى أن الإصلاح الضريبي سيكون الركيزة الأساسية لتأمين إيرادات موازنة 2026، من خلال الحد من التهرب الضريبي، وتوسيع القاعدة الضريبية عبر دمج القطاع غير الرسمي في الاقتصاد الوطني، وتنشيط الإيرادات الإنتاجية بدل الاعتماد على الرسوم الاستهلاكية.
وأوضح أن الموازنة العامة هي أداة للتنمية والتخطيط وليست مجرد إيرادات ونفقات، ويجب أن يشعر المواطن بأثرها على حياته من خلال زيادة الإنفاق على البنود ذات الأبعاد الاجتماعية.
ملامح موازنة 2026
تشير تصريحات سابقة لوزير المالية إلى أن موازنة 2026 ستشكل نقلة نوعية في إدارة المال العام بما يخدم السياسة الاقتصادية للبلاد، وستمنح الموازنة الأولوية للإنفاق على الصحة والتعليم، وتحسين الرواتب والأجور للعاملين في الدولة، كما تتضمن اهتماماً خاصاً بالإنفاق الاستثماري، مع نقاش مستمر مع الوزارات والجهات الحكومية لإعداد مشروع موازنة “مجد وفعال” يقلل من العجز المالي.
وأكد برنية أن الحكومة لن تلجأ إلى الاقتراض من مصرف سوريا المركزي، إذ تم وضع قيود على وزارة المالية لعدم تمويل الموازنة بالعجز، بل من خلال مصادر تمويلية حقيقية، أما موارد الموازنة، فتأتي من إيرادات الضرائب والرسوم، وأيضاً من بعض عوائد التصدير مثل الفوسفات.
وتشهد إيرادات الضرائب والرسوم الجمركية ارتفاعاً مستمراً بدعم من الإصلاحات ومكافحة الفساد، ما يضع سوريا في وضع مالي جيد.
في السياق نفسه، أشار مستشار وزير المالية لسياسات الموازنة، شفيق الحسيني، إلى أن موازنة 2026 ستسهم في تحقيق مستهدفات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفق ثلاثة مرتكزات: رفع كفاءة العمليات الحكومية، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتحقيق رفاهية المواطن والأسرة، مع التركيز على ترسيخ الاستقرار وتمكين القطاع الخاص من دعم إعادة الإعمار وتعزيز الاستدامة والتنمية.
وكانت نقاشات مسؤولي صندوق النقد الدولي أثناء زيارتهم الأخيرة إلى دمشق قد ركزت على موازنة 2026، التي تهدف إلى توسيع الحيز المالي لتلبية الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك دعم القطاعات الاجتماعية للشرائح الأكثر هشاشة، مع ضمان استناد الموازنة إلى افتراضات طموحة وواقعية فيما يتعلق بالإيرادات والتمويل.
موازنة 2025
اعتمدت الحكومة السورية الموازنة الاثني عشرية للعام المالي 2025.
والموازنة الاثني عشرية هي إجراء مالي يُعمل به عند عدم صدور الموازنة العامة في موعدها، ويتيح للجهات الحكومية الإنفاق شهرياً بمقدار جزء من اثني عشر جزءاً من اعتمادات موازنة السنة السابقة، بما يضمن استمرار صرف الرواتب والنفقات الأساسية إلى حين اعتماد الموازنة الجديدة.
وبحسب برنية، ستنتهي موازنة عام 2025 إما بفائض قليل أو بعجز قليل، وربما يكون عجزاً مقبولاً يمكن تمويله بدون أي ضغط اقتصادي.
وكان مجلس الشعب التابع للنظام المخلوع قد أقر مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2025، وحدد اعتماداتها بمبلغ إجمالي قدره 52.600 تريليون ليرة.
وفي عام 2024 بلغت الموازنة 35.5 تريليون ليرة، وشكلت زيادة كبيرة للغاية على موازنتي 2022 و2023 بقيمة 16.550 تريليوناً و13.325 تريليون ليرة على التوالي.
لكن هذه الزيادة في القيمة الاسمية للموازنة ترتبط بالانخفاض الكبير في قيمة العملة الوطنية، بنسبة وصلت إلى 315 بالمئة حينها.
أما القيمة الحقيقية (بالدولار الأميركي)، فقد تراجعت قيمة مشروع موازنة 2024 من 5.52 مليارات دولار في 2023 إلى 3.1 مليارات دولار في 2024، أي انخفاض بنسبة 45 بالمئة في عام واحد.
