يبرز التوجه نحو إعادة تقييم المظهر الإسمي للعملة الوطنية عبر حذف صفرين من قيمتها، كأحد أكثر الملفات الاقتصادية إثارة للجدل في الأوساط المالية والشعبية، وتأتي هذه الخطوة في سياق رغبة السلطات النقدية في معالجة التشوهات الحسابية التي أفرزتها سنوات من التضخم المتراكم، والتي أدت إلى تضخم الكتلة النقدية المتداولة وصعوبة التعامل بالأرقام الكبيرة في السجلات المحاسبية والأنظمة المصرفية
المفهوم التقني والغاية التنظيمية
وفقاً للرؤية التحليلية التي طرحها الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور حسام عيسى خليلو، فإن هذا الإجراء يندرج ضمن العمليات “المحاسبية البحتة” التي لا تمس الجوهر الاقتصادي للعملة بقدر ما تستهدف تبسيط التداول اليومي ، مبيناً أن حذف الأصفار يسهم بشكل مباشر في خفض التكاليف التشغيلية المرتبطة بطباعة ونقل وتخزين الفئات الورقية الكبيرة، كما ينسجم مع التوجهات المعاصرة نحو التحول الرقمي، حيث تصبح الأنظمة البرمجية للدفع الإلكتروني أكثر كفاءة وسلاسة عند التعامل مع وحدات نقدية ذات قيم إسمية منخفضة وواضحة.
العلاقة بين الشكل الإسمي والقوة الشرائية
وأكد خليلو لصحيفة ” الحرية ” أن من الأخطاء الشائعة في الفهم الشعبي ربط عدد الأصفار بالقوة الشرائية للعملة، وهو ما ينفيه المنطق الاقتصادي الرصين، مضيفاً أن قيمة العملة تظل انعكاساً لمعدلات الإنتاج المحلي الإجمالي، وحجم الاحتياطيات الأجنبية، ومستوى الاستقرار السياسي والمالي ، لافتاً إلى أن تجريد العملة من بعض أصفارها لا يعني بالضرورة تحسناً في مستوى المعيشة أو انخفاضاً في أسعار السلع، بل هو “مرآة” جديدة لواقع قديم ، أيضاً يكمن الخطر في أن غياب السياسات المالية الانضباطية التي تسيطر على العجز وتكبح جماح التضخم قد يؤدي إلى ارتداد الأصفار المحذوفة مجدداً في فترة زمنية وجيزة، ما يفقد الإجراء قيمته وهيبته النقدية.
شروط النجاح وإدارة المرحلة الانتقالية
ولفت الخبير الاقتصادي ” خليلو”إلى أن نجاح هذا التحول النقدي يتوقف على توقيت التنفيذ ومدى ترافقه مع حزمة الإصلاحات الهيكلية الشاملة، مبيناً أن التطبيق في ظل استقرار نسبي لسعر الصرف يمنح الخطوة مصداقية لدى الفاعلين الاقتصاديين والجمهور، ورأى أن النجاح الفعلي يتطلب وجود رقابة صارمة على الأسواق خلال الفترة الانتقالية لمنع “التضخم النفسي” أو استغلال عمليات تقريب الكسور لرفع الأسعار بشكل غير مبرر.
وفي ختام حديثه بين الدكتور خليلو أن حذف الأصفار يبقى أداة تنظيمية ناجعة لتهيئة البيئة النقدية نحو الحداثة، لكنها لا تشكل بأي حال من الأحوال بديلاً عن الإصلاح الاقتصادي الحقيقي ، مشيراً إلى أن العملة القوية هي نتاج لاقتصاد منتج وسوق منضبط، وهذا الإجراء ليس سوى وسيلة تقنية لإدارة المشهد المالي بفعالية أكبر، شريطة أن يقترن بتحفيز قطاعات الإنتاج بالإضافة إلى تحسين الدخل الحقيقي للمواطن، لضمان استعادة الثقة في النظام النقدي الوطني.
