اقتصاد الظل.. تحدٍّ كبير يتطلب تدخلات استراتيجية

الثورة السورية – ميساء العلي:

برز اقتصاد الظل كأحد المظاهر الاقتصادية التي شهدت توسعاً ملحوظاً في سوريا خلال السنوات الماضية.

ويعرف اقتصاد الظل بأنه نشاط يُمارس خارج إطار القانون والرقابة الرسمية للدولة، بمعنى آخر، هو كل نشاط اقتصادي غير مسجل ولا يخضع للضرائب أو اللوائح الحكومية.

ورغم أن اقتصاد الظل قد يسهم أحياناً في توفير فرص عمل للأفراد، لكنه يضر بالاقتصاد الرسمي ويزيد الفساد والتهرب الضريبي.

تقديرات اقتصاد الظل

استخدمت طرق إحصائية مختلفة لتقدير حجم نشاطات اقتصاد الظل، بينها طريقة قياس الفرق بين الدخل والإنفاق على المستوى القومي، وقياس الفرق بين دخل الأسرة وإنفاقها.

وفي سوريا، على سبيل المثال، تشير تقديرات إلى أن دخل الأسرة يبلغ نحو 1.2 مليون ليرة شهرياً، بينما يصل الإنفاق إلى خمسة ملايين ليرة، ما يعني أن الفارق بين الرقمين يبلغ نحو 76 بالمئة، وهذا الفارق غالباً يُغطى من مصادر غير رسمية، ما يعكس حجم اقتصاد الظل.

وتتراوح تقديرات أخرى عن حجم اقتصاد الظل بين 30 بالمئة و50 بالمئة من اقتصاد البلاد، ما يعني أن ما يقارب نصف النشاط الاقتصادي في سوريا يحدث خارج النظام الرسمي.

ويرى المحلل الاقتصادي سامر مصطفى، أن حجم اقتصاد الظل تجاوز 70 بالمئة من مجمل النشاط الاقتصادي في سوريا.

آثار واسعة

يقول المحلل الاقتصادي سامر مصطفى، إن أبرز الآثار المترتبة على اقتصاد الظل تشمل التهرب الضريبي، الذي يُقدّر بالمليارات، ما يعني تراجع الإيرادات العامة وزيادة عجز الموازنة، الأمر الذي يترتب عليه زيادة العبء الضريبي على النشاطات الرسمية لتعويض النقص الحاصل في الإيرادات، وكذلك زيادة الضرائب غير المباشرة التي تصيب الفقراء أكثر من الأغنياء.

وأضاف مصطفى لصحيفة “الثورة السورية” أنه مع انتشار اقتصاد الظل على نطاق واسع تصبح الضرائب تنازلية وليس تصاعدية، حيث يرتفع العبء الضريبي على الدخول المنخفضة، لكن الأثر الأخطر لاقتصاد الظل هو دفع وحدات الاقتصاد الرسمي باتجاه اقتصاد الظل كي تصبح منافساً.

ويشير مصطفى إلى أن لاقتصاد الظل جوانب إيجابية أيضاً، حيث يساهم في امتصاص جزء من قوة العمل من خلال مساهمة النشاطات غير المنظمة المشروعة في خلق الكثير من فرص العمل، وبالتالي المساهمة في تخفيف حدة البطالة، إضافة إلى ذلك، يولد دخولاً لبعض شرائح المجتمع ويزيد من دخول شرائح أخرى، ويسهم في الحد من الفقر لدى البعض، كما يزيد من حجم الإنفاق الكلي، ما يحفز النمو الاقتصادي بشكل عام.

تحدٍّ كبير

يرى مصطفى أن الحد من اقتصاد الظل يبدأ بحصر أنشطته وتبويبها وتصنيفها من أجل دمج النشاطات المشروعة في الاقتصاد الرسمي، وإنشاء جهاز خاص لمكافحة اقتصاد الظل، ووحدة للاستخبارات المالية (مثل تجربة الدانمارك والاتحاد الأوروبي).

ويضيف أن اقتصاد الظل في سوريا بعد التحرير يمثل تحدياً كبيراً أمام الحكومة والاقتصاد الوطني، لكن يمكن التغلب على هذه الظاهرة من خلال إعادة بناء الاقتصاد، مع التركيز على إعادة بناء البنية التحتية الاقتصادية وإعادة تأهيل المصانع والمشاريع الزراعية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ما يسهم في إدماج الاقتصاد غير الرسمي في النظام الرسمي.

وتشمل الحلول الأخرى، بحسب مصطفى، تحسين التشريعات وتطوير آليات جديدة للرقابة، فإذا تمكنت الحكومة من فرض ضوابط أكثر فاعلية فقد يتم الحد من التهرب الضريبي وتعزيز الشفافية، إضافة إلى تشجيع الاستثمار؛ فتوفير بيئة آمنة ومستقرة يساعد في جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، ويقلص اقتصاد الظل، مع زيادة الوعي بالآثار السلبية لاقتصاد الظل على المدى الطويل، وتشجيع الشباب على الانخراط في وظائف قانونية وداعمة للاقتصاد الوطني.

شارك