ضبط إيقاع العمل السياسي بأشكال منتجة، تطويع العلاقات للخروج من المآزق لحلول تلجم عثرات الانتظار، عبر علاقات مختلفة تجعل البرامج الاجتماعية والتنموية الأساس لعمل هذه القوى، هو مبدأ قيام مجالس الإدارة المحلية المُنتخبة بشكل عام وسرّي ومباشر ومتساوٍ وفق ما ورد في الدستور، الذي كرّس سُلطة المجالس المحلية بصفتها ركناً من الأركان الثلاثة للسلطة التنفيذية في سورية، ضمن مبدأ اللامركزية وبصلاحيات إستراتيجية، لكن ثمّة نوعاً من التشاركيّة التي لابدّ أن تتم وفق منظور العمل مع المجتمع المحلي، الذي يحمل صبغة هذه المجالس، فما مدى التعاون والتشبيك بينه وبين هذه المجالس؟ وهل ما تقوم عليه القوانين النافذة يدعم هذه الاتجاه بما يضمن العمل وفق صورة موحدة أم مازالت الرؤية مجتزأة؟!
دور محوري
تنبع أهمية قيام مجالس الإدارة المحلية بوصفها الجهة المعنية بالتنمية في المجتمعات، صفةٌ لم تكن بعيدةً عن أسس قيامها بالأصل، فالحكم في مجتمعات التنمية المُستدامة مركزي للشؤون العسكرية والسياسية والإستراتيجية، وغير مركزي في إدارة الشؤون المحلية للمجتمع وفق رؤية الأستاذ في علم الاقتصاد جامعة دمشق الدكتور عابد فضلية، حيث إن السلطات المحلية تُدير مجتمعاتها التي هي بالأصل مُنتخبة من قبل أفرادها، وبهذه المقارنة يمكننا القول إن المجالس المحليّة في كل محافظة هي سلطة محليّة، تعمل وفق الإمكانات وضرورات الواقع، وبما يتناسب مع حجم السكان وطبيعة الموارد والأنشطة الاقتصادية.
فضلية: التشاركية شعار نظري لا تعترف به المجالس المحلية وربما لا تعلم به والعمل اليوم قائم على شعار حاكم محلي وجمهور محلي
دورٌ يفرض على القائمين به العمل وفق نظام التشاركيّة باعتبار أنهم تشكيلة من مختلف المناطق والكفاءات والاختصاص، ولهم نظرياً وبموجب أحكام قانون الإدارة المحلية صلاحيات واسعة واستقلالية بالقرارات والتشريعات المحلية التي لا صلة لها بتشريعات وقرارات المجالس الأخرى وفق فضليّة، وهنا لابدّ لنا من السؤال حول هذه التشاركيّة مع المجتمع المحلي التي هي للأسف شعار نظري لا تعترف به هذه المجالس وربما لا تعلم به، حتى إن أغلبية المجتمع المحلي لا دراية لها به برأي الدكتور فضلية، لنجد بأن إطار العمل هو فقط ضمن علاقة حاكم محلي وجمهور محلي.
تعميق الثقة
جهود تستحق النظر إليها والتعاون معها، هي الجمعيات الأهلية القائمة بشكل رئيس على جهود المجتمع المحلي، لا بل تتخطى ذلك عبر فاعليتها ونشاطها ودورها واحتكاكها المباشر معه واطلاعها على همومه بشكل مباشر، تلك أبرز صفات هذه الجمعيات وفق توصيف الخبير الاقتصادي وأمين سر جمعية حماية المستهلك المهندس عبد الرزاق حبزة لهذا العمل، الذي يُحتّم النظر إليه من زاوية الاهتمام. فالمجالس المحلية وجدت لخدمة المجتمع وما نراه اليوم لا يندرج تحت مسمى الجفاء بالعلاقة بقدر الانقطاع الذي ترجمته المجالس بعدم التجاوب أو التواصل مع هذه الجمعيات بمختلف مسمياتها (خيرية، خدمية)، إضافة للفوقية في التعامل أيضاً وفق رؤية حبزة، فما تمثله جمعية حماية المستهلك اليوم من فئة كبيرة لدى المجتمع يفرض التعاون معها، والاستفادة منها لعلاج هموم المستهلك اليومية، إلّا أن الواقع لا يعكس مبدأ التشاركية التي تدعم التنمية ضمن أفكار وطروحات تستحق النظر إليها والوقوف عندها، نابعة من أشخاص ذوي خبرة وكفاءة عالية لم تسنح لهم الفرصة الوجود ضمن هذه المجالس.
حبزة: علاقتنا مع المجالس المحلية لا تسمى جفاءً بقدر الانقطاع والواقع لا يعكس مبدأ التشاركية لخدمة التنمية
ما نفتقده اليوم أيضاً هو تطبيق القانون وتعليماته التنفيذية بشكل صحيح، وعدم التعامل مع الأمور بشكل فردي مع أشخاص بعينهم، والعمل على تفعيل مبدأ اللقاءات الدورية بين الطرفين لدعم التشبيك بينهما برأي المهندس حبزة، إضافة لتحديد الجمعيات الأهلية وتوثيقها بأرقام والتعاون معها لحل المشكلات.
رؤية أكدها الدكتور عابد فضلية ضمن مقترحه لتوثيق عُرى الثقة بين المجالس المحلية والمجتمعات الأهلية، عبر لقاءات دورية ثلث سنوية ولجان مختصة تلعب دور الوصل بين الفريقين، فالقانون ينص على ذلك، وهذا نوع من المشاركة والتشاركية.
فمن المُلاحظ فعلياً بأن هناك نوع من الجفاء. بالعلاقة بين طرفي المسؤولية برأي دكتور إدارة الأعمال جامعة دمشق زكوان قريط، لدرجة أنها مُغيّبة على أرض الواقع أيضاً باستثناء بعض المناطق، ليبقى تحديث قوانين الإدارة المحلية وإصدار صكوك تشريعية مُشابهة للدول المُتقدمة التي قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال الحل الأفضل لزرع الثقة بين الجهتين، وللبدء بزرع ثقافة التشاركية التي ستصب في مصلحة الجميع.
الوعي والمسؤولية
لا ينهض المجتمع من دون إدراك أبنائه لمسؤولياته، قاعدة أثبتت قدرتها على تغيير الواقع للأفضل، ضمن خطة التشاركية القائمة بشكل رئيس على الثقة، التي لابدّ أن تنبع بدايةً من وعي المواطن لحقوقه وواجباته وفق تصريح رئيس مجلس محافظة ريف دمشق الدكتور إبراهيم جمعة لـ “تشرين”، انطلاقاً من القانون رقم 107 لعام 2011 الذي حدد هيكلية المجالس المحلية، إلّا أن المواطن هو من يختار أعضاء المجالس ومن حيث المبدأ يتوجب عليه الاطلاع على القانون ومعرفة صلاحيات الأعضاء وعلاقته معهم.. هل يمتلك حق الرقابة عليه في حال تقصيره؟ وهل له حق الشكوى في حال لم يؤدِ المجلس مهامه؟!
قريط: التشاركية مغيبة على أرض الواقع ولإصدار صكوك تشريعية دور في زرع الثقة بين الطرفين
فالثقة تأتي بعد الاختيار الصحيح، ليأتي بعدها التواصل بوضوح وشفافية وصدق واحترام مع المواطن من قبل المسؤول نفسه برأي الدكتور جمعة، ليبقى الحرص باستثمار الاعتمادات المرهونة وتوظيفها في المكان الصحيح حقاً للمواطن وواجباً لدى الأعضاء ينص عليه القانون، لتأتي بعدها الرقابة بشقيها الرسمي والشعبي بصفتها الضامن الوحيد لضبط الأمور.
أما عن فاعلية المجتمع المحلي في التواصل مع المسؤول، يعود الدكتور إبراهيم جمعة ليؤكد بأن التعاون هو لمصلحة الطرفين، نظراً لصعوبة الإمكانات الحكومية والموازنات المعتمدة من الوزارات وحتى الموازنات المستقلة فهي غير كافية لتحقيق 20% من الاحتياجات والمهام المنوطة بها بأحسن الأحوال، كما أن للوحدات الإدارية تحصيلات مالية خاصة عبر جباية أموال من الرسوم وإعانات الوزارة، وأمام كل ذلك يكون التقصير نتيجة عدم المتابعة ويأتي دور المحاسبة وتفعيل ثقافة الشكوى بالإشارة لمكامن الخطأ وتصحيحها، فالمجالس التنفيذية حكومات محلية بصلاحيات مستقلة مالياً وإدارياً ولهم حرية التصرف وفرض التكاليف واستثمار وإبرام عقود تشاركية للنهوض بالمجتمع ككل.
تطبيق فعلي
علاقة وثيقة تجمع مجالس الإدارة المحلية مع المجتمع المحلي، من خلال تمثيل العمال والفلاحين والحرفيين وصغار الكسبة في مختلف المجالس بنسبة لا تقل عن 60% وفق رؤية المحامية فاتن ديركي، التي أكدت امتلاكهم الحق في مراقبة هذه المجالس ونقدها عن طريق توجيه مذكرات تتضمن الملاحظات والآراء، من منطلق لامركزية هذه السلطات وتطبيقاً لمبدأ الديمقراطية التي جعلت الشعب مصدر كل سلطة.
جمعة: إدراك المواطن لحقوقه وواجباته يعزز الثقة التي تأتي بعد الاختيار الصحيح للأعضاء والتشاركية لمصلحة الطرفين
هذه السلطة تحتاج إلى الكثير لتفعيل مهامها بشكل مباشر، ابتداءً بتوسيع وتحديد غير واضح وغير مزدوج لسلطات وصلاحيات مجالس الوحدات الإدارية لتمكينها من تأدية اختصاصها ومهامها في تطوير الوحدة الإدارية اقتصادياً واجتماعياً وعمرانياً، لذا ينبغي أن تكون الجهود مضاعفة من قبل المجالس نفسها والجهات المعنية برأي المحامية ديركي، لتحقيق أهدافها للنهوض بالمجتمع وتحقيق التشاركية بتكريس ثقافة العمل المشترك بين الإدارة المحلية والمجتمع الأهلي.
لكي تنجح المجالس المحلية في عملها والوصول لخدمة التنمية يجب الأخذ بمبدأ الرقابة القضائية الإدارية بديلاً عن الرقابة الإدارية وفق رؤية المحامية فاتن ديركي، بحيث يحق للسلطة المركزية مخاصمة التصرفات القانونية للمجالس أمام القضاء الإداري، مع تمتع السلطة المركزية في هذه الحالة بحق طلب وقف تنفيذ التصرف القانوني، يضاف لذلك نقل المزيد من الصلاحيات المركزية إلى مجالس المحافظات والمدن والبلديات وذلك فيما يتعلق بشؤون المحافظة، مع إخضاع المؤسسات والشركات ذات الطابع الاقتصادي والخدمي وخططها السنوية لرقابة مجلس المحافظة ومكتبه التنفيذي.
ديركي: لكي تنجح المجالس المحلية في عملها لخدمة التنمية يجب أن تأخذ بمبدأ الرقابة القضائية بديلاَ عن الإدارية
فالقانون أُقرّ بمبدأ المشاركة برأي ديركي من خلال الانضواء في عضوية المكاتب التنفيذية بما لا يتجاوز الثلث من خارج المجلس، والسماح بتشكيل لجان دائمة ومؤقتة للقيام بمختلف المهمات المتعلقة بأعمال المجالس المحلية، فضلاً عن إمكانية تشكيل لجان شعبية في المناطق والقرى والأحياء، وبالتالي فإنّ لكل مواطن الحق في رقابة المكاتب التنفيذية وأجهزة السلطة ونقدها وذلك عن طريق شكوى أو تظلّم، وإلزام هذه الجهات بدراستها والتحقيق فيها والرد عليها بصورة عادلة وعاجلة .
تشرين