تحتاج القرارات والبرامج الحكومية إلى قياس متواصل وفحص دائم لمدى فاعليتها وقدرتها على تحقيق الأهداف المرجوّة والغايات التي وضعت لأجلها، وذلك لمنع حدوث هدر أو إنفاق في غير مكانه في ظل الظروف الاقتصادية الحالية التي تمر بها البلاد، فلو تحدثنا عن برنامج إحلال بدائل المستوردات الذي تعمل به وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية منذ عام 2018، يجب طرح السؤال التالي إنه بعد مرور عدة سنوات على العمل به ماذا كانت ثماره وماذا حقق؟ وهل أدى وظيفته المتمثلة بالتخفيف من فاتورة الاستيراد؟
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة حلب الدكتور حسن حزوري، أفاد في تصريحه لـ«الوطن»، بأن برنامج إحلال المستوردات بالتجميع والتصنيع المحلي، استلهم مبادئه من نظرية النمو المتوازن بعد الحرب العالمية الثانية من خلال تطبيق إجراءات دعم وإجراءات حمائية تفرضها الدولة على الواردات من السلع الأجنبية بقصد رفع القوة التنافسية للسلع الوطنية في السوق المحلية، وتحقيق عدد من الأهداف الأخرى في مقدمتها إغراء المستثمرين في القطاعات الأخرى بالانتقال إلى قطاع الصناعة الإحلالية الذي يستهدفه البرنامج، فتزداد بذلك الدخول المتحققة في هذا القطاع ويرتفع معدل الادخار والاستثمار، لافتاً إلى أن تنفيذ مجمل النشاطات المستهدفة يؤدي إلى إقامة قاعدة صناعية متنوعة الأنشطة من جهة وإلى توفير عملة صعبة تسمح باستيراد السلع الوسيطية اللازمة لتوسيع القاعدة الصناعية.
واعتبر حزوري أن تنفيذ هذا البرنامج من شأنه سد الفجوة بين الصادرات من جهة والواردات من جهة أخرى، وبالتالي تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات المحلية الوطنية، وهذا يتطلب القيام بحصر سلعي شامل للسلع والمنتجات التي يمكن تصنيعها محلياً بناء على دراسة جدوى اقتصادية تبين مدى الوفر بالقطع الأجنبي الذي سيتحقق من خلال التصنيع أو التجميع المحلي وعدد فرص العمل التي ستوجد، وأثر ذلك في تعزيز الاستثمار في القطاع الصناعي سواء كان بمشاريع حكومية أم مشتركة بالتعاون مع القطاع الخاص أو مشاريع قطاع خاص من دون أي مشاركة حكومية.
وتابع: «استهدفت الحكومة السورية من خلال البرنامج دعم 242 نشاطاً اقتصادياً في مختلف القطاعات، نفذ منه فعلياً نحو 71 مادة ومنتجاً، أي بنسبة تنفيذ 30 بالمئة تقريباً، شملت الصناعات الغذائية والنسيجية وقطاع الدواجن والصناعات التحويلية والهندسية والصناعات الكيميائية والطبية (الأدوية النوعية والمستوردة والأدوات والأجهزة الطبية) إضافة إلى العديد من المواد الزراعية».
وأشار إلى أن سياسة إحلال الواردات قد تسمح بتحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات الصناعية والزراعية، ولكنها غير قادرة على إحداث الانطلاق الاقتصادي المأمول وذلك لعدة أسباب منها: ارتفاع حدة عدم العدالة الاجتماعية من خلال تعميق التفاوت في الدخل بين طبقة العمال والفلاحين وطبقة الملاك وأصحاب رؤوس الأموال، حيث إن هذه الأخيرة انصب استهلاكها على السلع الاستهلاكية المعمرة المستوردة من الخارج مما دفع بالإنتاج الصناعي الإحلالي إلى إنتاج هذه السلع، معتبراً أن ذلك من دون جدوى لأن نمط الاستهلاك لدى هذه الطبقة لم يسمح برفع الطلب المحلي على المنتجات الوطنية من هذه السلع، بسبب رغبة تلك الطبقة في شراء ما هو مستورد، إضافة إلى إهمال القطاع الزراعي مما نجم عنه عدم قدرته على تلبية احتياجات القطاع الصناعي من الغذاء ومن المواد الخام، رغم أن برنامج إحلال الواردات يشمل عدداً من الصناعات الزراعية والغذائية.
وأشار حزوري إلى وجود عقبات أخرى منها عدم حل مشكلة حوامل الطاقة وعدم التكامل بين السياستين المالية والنقدية، وتناقضهما في الكثير من المجالات وعدم تعديل مراسيم منع التعامل بغير الليرة السورية التي تعيق عمليات الاستثمار.
من جهته اعتبر الخبير الاقتصادي محمد كوسا، في تصريحه لـ«الوطن» أن هذا البرنامج مهم جداً وتعمل به أغلبية الدول، فعندما يتم استيراد سلعة ما فهذا يعني التخلي عن استيرادها خارجياً والتخلص من عدة قضايا منها تأمين قطع أجنبي للاستيراد أو استيراد حالات تضخّمية معيّنة من دول المنشأ، متسائلاً: «لكن هل تم دراسة آلية تنفيذ هذا البرنامج بشكل صحيح؟ وهل تم تحديد الأنشطة الاقتصادية الداخلة فيه بشكل صحيح؟ وهل تم ربط المشروعات والمستثمرين الذين تم استقطابهم مع السياسات الاقتصادية المستقبلية؟»، موضحاً أن الاقتصاد السوري قد يحتاج مستقبلاً إلى تغيير بعض الاستثمارات الأخرى، أو من الممكن أن يكون من الأفضل اقتصادياً استيراد المادة مستقبلاً بدلاً من تصنيعها داخلياً.
وأشار إلى أن العقبات التي تواجه البرنامج مشابهة لكل العقبات التي تواجه الاقتصاد السوري بشكل عام والتي تصادف أي مستثمر، من جهة صعوبة تأمين مستلزمات الإنتاج، ففي حال كانت هذه المستلزمات متوفرة كلها أو بعض منها في سورية فبالطبع يعد البرنامج مرحّباً به، ولكن في حال احتاج الأمر إلى استيرادها والتعرض مجدداً لضغوط الحصار الاقتصادي والحرب الاقتصادية، أو صعوبات في تأمين قطع غيار للآلات مستقبلاً وما إلى ذلك، فإن الفائدة ستكون شبه معدومة، فمن غير المنطق تخفيض الواردات من جانب ورفعها من جانب آخر.
ورأى الخبير الاقتصادي أن هذه السياسة لم تكن في وقتها الصحيح ويجب أن تؤجل قليلاً، ريثما يكون الوقت قد أصبح أكثر فاعلية لجذب الاستثمارات لتكون مضاعفة في الاقتصاد، سواء بالزراعة أم الصناعة، مقترحاً أن يتم تخفيض الواردات التي تستنزف القطع الأجنبي كتلك التي تعد فائدتها قليلة بالوقت الحالي، واستبدالها باستيراد المحاصيل الإستراتيجية التي يتم استيرادها، وليس بالضرورة أن يؤسس استيراد هذه المواد لمشروعات صناعية ضخمة أو ما شابه.
وفي سياق متصل، أشار كوسا إلى «أنه كان من المفروض إجراء دراسة موسعة بشكل أكبر قبل البدء بهذه السياسة، فكان من الممكن استبدال هذه السياسة بإجراءات أخرى تتمثل باستغلال أراض لزيادة الإنتاج الزراعي، أو استغلال مصانع أو منشآت وشركات قطاع عام وتجهيزها بما هو موجود لإعادة إقلاعها».
هذا وقد أكد وزير الاقتصاد محمد سامر الخليل خلال اجتماع عقد منذ أيام مع وزارة الإدارة المحلية والبيئة، أهمية هذا البرنامج من ناحية تخفيض عجز الميزان التجاري وتخفيف فاتورة الاستيراد وتنشيط الإنتاج المحلي في ضوء ما يتضمنه من مزايا وحوافز تشجيعية للمستثمرين الراغبين بالعمل في إطار هذا البرنامج، مشيراً إلى أن مثل هذه الاجتماعات ستكون دورية بهدف تقييم البرنامج ومراجعة المشاكل التي تظهر أثناء العمل على أرض الواقع ومعرفة مكامن الخلل من أصحاب العلاقة أنفسهم، والبحث في سبل تلافيها مما يعطي دفعاً لجهة تحقيق الأهداف المرجوة من البرنامج.
على حين أشار وزير الإدارة المحلية حسين مخلوف إلى أن البرنامج يلقى دعماً حكومياً خاصاً ولاسيما أنّه يركز على المشاريع الاستثمارية في المجال الصناعي التي تستفيد من مجموعة من المحفزات ومنها بشكل خاص المزايا المقدمة ضمن المدن والمناطق الصناعية، وذلك لجهة منح الأولوية في تخصيص المقاسم لمشروعات بدائل المستوردات مع تأمين الخدمات اللازمة وتقسيط الدفع لمدة 20 عاماً مع منح مهلة للبدء بالدفع مدتها عامان وذلك لغاية البدء بالإنتاج، مشدداً على أهمية وصول هذه المشاريع إلى مرحلة الإنتاج لتحقيق أهدافها في تأمين المنتج المحلي.