كشف الخبير والمستشار الاقتصادي الدكتور فادي عياش أن المرسوم التشريعي رقم 5، للعام 2024، يؤكد على منع التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات، أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري، وهذا الإجراء ضروري، ولاسيما في ظروفنا الاقتصادية المعقّدة الناتجة عن حرب إرهابية ظالمة وإجراءات أحادية الجانب وعقوبات وحصار جائر لما يزيد عن عقد من الزمن، مبيناً أن المرسوم الجديد حافظ على العقوبات المتعلقة بالحبس، وهذا ما كان موجوداً فعلاً في المرسوم السابق، لكن جزّأها المرسوم الحالي إلى ثلاثة مستويات.
ميزات
وأضاف المستشار في تصريحه لـ “البعث” أن الأهم في المرسوم أنه أضاف ميزة مهمّة، حيث أتاح للمدّعى عليهم إمكانية التسوية أمام القضاء لتسقط عنهم عقوبة السجن التي قد تصل في بعض الحالات إلى أكثر من سبع سنوات، وهذا كان مطلباً أساسياً لقطاع الأعمال، موضحاً أن التسوية تجري أمام المرجع القضائي الناظر في الدعوى، فإذا تمّت التسوية قبل صدور حكم قضائي مبرم فإن مبلغ التسوية يحدّد بما يساوي قيمة المدفوعات والمبالغ المتعامل بها، المضبوطة والمدوّنة في القيود الورقية والإلكترونية، وبالتالي تسقط الدعوى العامة بحق المتعامل، ويُعفى من التعويض المدني، أما إذا تمّت التسوية بعد صدور حكم قضائي مبرم فإن مبلغ التسوية يُحَدّد بالغرامة المتمثلة بضعفي قيمة المدفوعات أو المبالغ المتعامل بها إضافة للالتزامات المدنية والتعويضات المحكوم بها.
وتابع عياش أن المرسوم 5 أضاف ميزة أخرى، وهي إمكانية استفادة المدّعى عليه والمحكوم عليه من أحكام التسوية المنصوص عليها في هذا المرسوم التشريعي عن الجرائم المقترفة في ظل نفاذ المرسوم التشريعي رقم /54/ لعام 2013 وتعديله بالمرسوم التشريعي رقم /3/ لعام 2020، أما الميزة الأهم من وجهة نظر الباحث فهي تتعلّق بالأجنبي غير المقيم والمستثمر الأجنبي في سورية، حيث إن المرسوم رقم 5 لا يسري عليهما، وهذا جانب مهمّ جداً لتيسير الاستثمار الخارجي، مؤكداً أن المرسوم اعتبر أن أعمال التجارة الخارجية لا تعدّ جرماً معاقباً عليه في تطبيق أحكام هذا المرسوم، وأن حيازة القطع الأجنبي والمعادن الثمينة لا يعدّ جرماً يعاقب عليه القانون.
أما في شأن الصرافة وتحويل الأموال للخارج، فقد قال عياش: إن المرسوم 6 للعام 2024 قد أظهر تشدداً في عقوبات مَن يزاول مهنة الصرافة دون ترخيص، ومَن يقوم بنقل أو تحويل العملات الأجنبية أو الوطنية بين سورية والخارج دون ترخيص، إذ يعاقب المرسوم على ذلك بالسجن المؤقت من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة، وبغرامة مقدارها ثلاثة أمثال المبالغ المصادرة على ألا تقلّ الغرامة عن خمسة وعشرين مليون ليرة سورية، مع مصادرة المبالغ المضبوطة نقداً، وأية مبالغ مدونة في القيود الورقية أو الإلكترونية، ولا يجوز إخلاء السبيل في هذين الجرمين.
مطلب الفعاليات الاقتصادية
بدوره أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد في حديث لـ “البعث” أن المرسوم رقم 5 أعطى المزيد من التوضيح لبعض المفاهيم والأنشطة الاقتصادية التي لا يعاقب عليها القانون، وهذا التوضيح كان بطلب من الفعاليات الاقتصادية، ولاسيما العاملين في قطاع التجارة الخارجية (الاستيراد والتصدير)، مبيناً أنه كان هناك تخوف من المستوردين والمصدّرين من المرسوم رقم 3، على الرغم من التوضيحات التي كانت تصدر من مصرف سورية المركزي أو من اللجنة الاقتصادية حول أن التعامل بالقطع الأجنبي في التجارة الخارجية إلى حدّ ما غير مشمول بالعقوبات، لكن بقي التخوف موجوداً بسبب عدم وجود نصّ واضح، حتى جاء المرسوم رقم 5 لعام 2024 ليوضح بشكل صريح لا لبس فيه أن كلّ ما له علاقة بالتجارة الخارجية لا تسري عليه عقوبات التعامل بغير الليرة السورية، وهذه نقطة مهمّة لقطاع التجارة الخارجية.
بداية مرحلة جديدة
وتابع محمد أن المرسوم أعاد التركيز على مفهوم حيازة القطع الأجنبي الذي حاول مصرف سورية المركزي في أكثر من مناسبة توضيح أن الحيازة لا يعاقب عليها القانون، لكن لم يكن هناك نصّ واضح، لأن المرسوم رقم 3 كان متشدداً أكثر من ذلك، منوهاً بأن المرسوم رقم 5 بيّن بشكل صريح أن الحيازة لا يعاقب عليها القانون، وهذه نقطة جديدة، كما أن المرسوم أعاد تثبيت أن كلّ ما له علاقة بالتداول بغير الليرة السورية في التبادل التجاري وفي أي شيء آخر هو جرم يعاقب عليه القانون، وبقيت العقوبات على حالها بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، ولكن في هذا الإطار أيضاً سمح بإمكانية التسوية، فإذا ضبط أحدهم بجرم التعامل بغير الليرة للأسباب المنصوص عليها بالمرسوم 54 أو المرسوم 3 أو المرسوم 5 فإنه إذا بادر للتسوية قبل صدور حكم قضائي بالغرامة تعتبر العقوبة مخففة تعادل قيمه المضبوط أو قيمه المخالفة، أما إذا كانت التسوية بعد صدور حكم قضائي فيعاقب بضعف قيمة المخالفة، وبالتالي هذا المرسوم جاء بهدف إلغاء الفترة الماضية ومحاولة السماح بالتسويات والبدء بمرحلة جديدة وقانون جديد.
لكن وبحسب المستشار عياش تبقى المشكلة التي يواجهها قطاع الأعمال عند التحويل الخارجي لقيمة المواد من خارج المنصة، وعلى الرغم من أهمية هذا المرسوم الذي استوجبته ظروف الحرب والحصار، إلا أننا إلى جانب التشريع، بحاجة ماسة إلى حلول اقتصادية تعيد الثقة بالليرة وتساعد على استعادة وتوازن قيمتها، ولاسيما على مستوى الدخل والإنتاج والتصدير، بما يسهم في سرعة تحقيق التعافي الاقتصادي.
وجهة نظر قانونية
من جهة أخرى بيّن المحامي حسن القاسم لـ”البعث” أن هناك اختلافاً في أثر التسوية بين المرسومين 5 و6، فالمرسوم رقم 5 الخاص بالتعامل بغير الليرة السورية جاءت فيه التسوية تعفي من العقوبة ومن التعويض المدني في حال تمّت قبل صدور حكم مبرم، أما في حال تمّت بعد صدور الحكم فهي تعفي من العقوبة المانعة للحرية، بينما المرسوم رقم 6 الخاص بالصرافة فإنه لا أثر للتسوية في استبدال العقوبة، مشيراً إلى أن أفضل ما جاء به المرسوم رقم 5 أنه جعل لأحكام التسوية أثراً رجعياً فقد استفاد منه كلّ من اقترف هذه الجرائم في ظل المرسوم رقم 54 لعام 2013 وتعديله بالمرسوم رقم 3 لعام 2020.
أما عن الجديد الذي جاء به المرسوم رقم 5 قانونياً، فهو تدرّج العقوبة بين الجنحة والجناية، فجعل الجرم جنحة إذا كان مجموعة قيمة التعامل أقل من عشرة آلاف دولار، أما إذا كانت بين العشرة آلاف والخمسين ألف دولار فيكون الجرم جناية والعقوبة سجن ثلاث سنوات، وأما إن كانت قيمة التعامل تتجاوز الـ50 ألف دولار فتصل العقوبة إلى سجن ٧ سنوات.
البعث