مع ارتفاع أجور النقل وكثرة الحوادث المرورية لوسائل النقل الجماعي، تتصدّر القطارات الواجهة كبديل منافس لما تتمتع به من مزايا عدة، أبرزها أنها أكثر وسائل النقل أماناً وموثوقية وراحة للركاب، كما أنها أرخص أنواع النقل على الإطلاق، لقدرتها على حمل كميات كبيرة من الركاب والسلع بأسعار قليلة، ما يسهم في خفض تكلفة إنتاج السلع المحلية والتصديرية وجعلها أكثر قدرة على المنافسة.
ومع عودة الأمن والأمان لمعظم الجغرافية السورية، أصبحت الحاجة ملحّة لإعادة تأهيل السكك الحديدية وتفعيل الربط السككي بين المحافظات، كما كان عليه الحال قبل الحرب الإرهابية وإقدام المجموعات الإرهابية على تدمير جزء كبير من الشبكة الحديدية.
النقل بواسطة القطار بين اللاذقية وطرطوس، يفتح شهيّة أهالي اللاذقية للمطالبة بتفعيل الربط السككي إلى بقية المحافظات, وخاصة دمشق، إذ أشار عدد من المواطنين الذين التقتهم “تشرين” إلى أنّ النقل بواسطة القطار أكثر أماناً وتوفيراً للجيب بالمقارنة مع وسائل النقل الأخرى، وخاصة بالنسبة للمسافرين بشكل متكرر كطلبة الجامعات والعسكريين، الذين يتكبّدون مبالغ كبيرة نتيجة سفرهم بوسائل النقل الجماعي “البولمانات” والارتفاع الكبير في تعرفة النقل.
وإذ لفتوا إلى تكرار الحوادث المرورية التي باتت خبراً اعتيادياً كل بضعة أيام، شددوا على أن حوادث القطارات تكاد تكون شبه معدومة لما تتمتع به من أمان وموثوقية.
الأولوية لتشغيل قطارات الشحن
مدير الخطوط الحديدية في اللاذقية المهندس أحمد شعبان أكد في حديث لـ”تشرين” أنّ السكك الحديدية من أكثر قطاعات الدولة تضرراً بفعل الأعمال الإرهابية التي دمرت أكثر من 80 % من البنى التحتية من حيث تخريبها وسرقة المستودعات والمخازن وتفكيك وسرقة الأدوات المحركة والمتحركة والبنى التحتية لها، مبيناً أن أضرار السكك الحديدية تجاوزت 60 تريليون ليرة.
شعبان: الحصار يعوق إعادة تأهيل الربط السككي بين المحافظات.. والأولوية للشحن
وحسب شعبان، لأول مرة منذ بداية الحرب الإرهابية عام 2010، حققت المؤسسة ربحاً وقدره 10 مليارات ليرة، وتدخل مرحلة التعافي والاكتفاء الذاتي، حيث بلغت حجوم النقل خلال العام الجاري وحتى تاريخه حوالي 650 ألف طن من البضائع المختلفة.
وأشار شعبان إلى سعي المؤسسة لإدخال مشاريعها حيّز الإنتاج، واستكمال تنفيذ مشاريع تشغيل السكك الحديدية خلال المرحلة القادمة وفقاً للإمكانات والاعتمادات المتاحة والممكنة، بالإضافة لتنفيذ المشاريع التي تخدم عملية النقل ومتطلباته المتزايدة واستكمال المشاريع المباشر بها سابقاً والتي ستدخل العملية الإنتاجية .
ودلل شعبان بأهمها، وهي إعادة تأهيل 6 قاطرات 2800 حصان بالاعتماد على الكوادر الفنية الوطنية والانتهاء من تعديل الشاحنات ذات الجوانب إلى شاحنات قلاب عدد 75 لزوم نقل الحصويات والفوسفات من ( حسياء – مهين ) إلى المنطقة الساحلية اللاذقية وطرطوس، بالإضافة لمتابعة الإعلان والتعاقد على توريد قطع تبديلية للأدوات المحركة والمتحركة ومعدات صيانة الخط الحديدي.
وبالنسبة لإعادة الربط السككي بين المحافظات، أوضح شعبان أنه نتيجة الأعمال الإرهابية المسلحة خرج 2026 كم من الخط الحديدي عن الخدمة من إجمالي طول الشبكة البالغ /2552 كم/, (خط حلب – اللاذقية – حلب المنطقة الشرقية – حلب – حماه و حماة – حمص وحمص – دمشق )، وقد تمت إعادة تأهيل خط حمص – دمشق وحمص– حماة وحماة– حلب) وبقي 1500 كم خارج الخدمة حتى تاريخه، مؤكداً أنّ المؤسسة تعمل بكل كوادرها لإعادة تأهيل هذه الخطوط واستثمارها لقطارات الشحن أولاً ومن ثم قطارات الركاب.
الأعمال الإرهابية دمّرت أكثر من 80 % من البنى التحتية.. والأضرار تجاوزت 60 تريليون ليرة
وحول الصعوبات التي تعوق إعادة التأهيل، أشار شعبان إلى صعوبة تأمين القطع التبديلية والمواد والمعدات والآليات لإعادة الترميم وتأهيل البنى التحتية، لكون هذه المواد معظمها أجنبية الصنع نتيجة الحصار الجائر المفروض على بلادنا، وأضاف: الأولوية حالياً هي تشغيل قطارات الشحن لنقل البضائع والمواد الأساسية الإستراتيجية وهي الفيول والحبوب، حيث يتم نقل الحبوب من مرفئي اللاذقية وطرطوس إلى صوامع جبلة وحماة وحمص ودمشق ونقل الفيول إلى محطات توليد الكهرباء في الزارة (حماة) والرضوانية (حلب) من مصفاتي بانياس وحمص، وحالياً قطارات الركاب هي من اللاذقية إلى طرطوس وبالعكس, ومن حلب إلى جبرين ( شمال حلب) وبالعكس، أما قطارات الشحن فهي من اللاذقية إلى طرطوس- حمص- حماة- حلب – دمشق.
هناك بعض المعوقات الفنية حالياً تمنع تسيير قطارات الركاب من اللاذقية إلى حمص- دمشق-حسب شعبان- مع العلم أن المؤسسة العامة للخطوط الحديدية السورية عدلّت تعرفة ركوب القطارات في 2/7/2024 وذلك للحفاظ على استمرارية النقل بالقطارات وتغطية تكاليف التشغيل بما يتناسب مع زيادة كلف الوقود والزيوت والمستلزمات الأخرى.
ضرورة صيانة الشبكة الحديدية وتفعيلها
من جهته، أكد الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة تشرين الدكتور علي ميّا لـ”تشرين” أنّ النقل بواسطة السكك الحديدية يعد أحد الدعائم الأساسية للاقتصاد الوطني، وذلك من خلال المردود الاقتصادي الكبير الذي يقدمه على مستوى الدخل القومي، لما يتمتع به من مزايا كثيرة بالمقارنة مع وسائل النقل البري الأخرى.
ميّا: النقل السككي يؤدي إلى انخفاض معدلات التضخم والأسعار
وأضاف ميّا: من المعلوم أنّ النقل بواسطة القطارات يعد أرخص أنواع النقل على الإطلاق، نظراً لقدرته على حمل كميات كبيرة من السلع والمنتجات والركاب بأسعار قليلة، ما يسهم في خفض تكلفة إنتاج السلع المحلية والتصديرية وجعلها أكثر قدرة على المنافسة. ناهيك بأنها أكثر وسائل النقل أماناً وموثوقية وراحة للركاب، وأقل عرضة للحوادث المرورية بنسبة كبيرة بالمقارنة مع وسائل النقل الأخرى، إذ أنها لا تتأثر بحركة المرور أو سوء الأحوال الجوية ما يجعلها أكثر سرعة في نقل البضائع والركاب، بالإضافة إلى أنها تسهم في المحافظة على بيئة سليمة ونظيفة، وتعمل على دعم التكامل الاقتصادي والتجاري بين الدول المجاورة، وتهيئة الأرضية المناسبة لإقامة مشروعات مشتركة لتحقيق التنمية المستدامة.
وشدد ميّا على أهمية الربط السككي بين المحافظات السورية للفوائد الكثيرة التي يحققها النقل بالسكك الحديدية، وخاصة لما تمتلكه البلاد من شبكة سكك حديدية طويلة تربط كافة أجزاء البلاد مع بعضها بعضاً، كما أنها تربط البلاد مع الدول المجاورة كافة، وخاصة بعد عودة الأمن والأمان إلى معظم أرجاء الوطن، ولذلك يجب المسارعة إلى وضع خطة متكاملة لصيانة هذه الشبكة وتفعيلها بالسرعة الممكنة، لما يمكن أن يوفره من مزايا اقتصادية كبيرة تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني والمواطنين، وخاصة بعد أن أصبحت تكلفة النقل تشكل 60 % من تكلفة المنتجات بعد ارتفاع أسعار المشتقات النفطية في الآونة الأخيرة.
وحسب ميّا، إن استخدام النقل السككي، سيؤدي بدوره إلى تخفيض تكاليف النقل، ولاسيما للأشخاص الذين يتنقلون بشكل متكرر بين المحافظات، وخاصة العسكريين، بالإضافة لتخفيض أسعار المنتجات والبضائع وتذاكر سفر الركاب، ما يؤدي إلى انخفاض معدلات التضخم والأسعار.
تشرين