فوضى المنصّات تتسلل إلى عمق “البيت السوري”.. الشكوى والإبلاغ مسؤولية وحق شخصي.. خطر لا بدّ من مواجهته

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية بخبر إلقاء القبض على شخص مسؤول عن عدة منصات إلكترونية سورية، تقدم محتوى ترفيهياً ساخراً. وشاركت وزارة الإعلام عبر صفحتها الرسمية على “فيسبوك” مقطع فيديو يُظهر جهود الأمن الجنائي في تتبع القائمين على إحدى القنوات على “يوتيوب”، حيث تم جمع معلومات حول محتواها الذي عُدَّ غير لائق وساخراً. وأظهر الفيديو لحظة القبض على العاملين في القناة، وهم سبعة أشخاص، بينهم فتاة، وكانت أدوارهم تتراوح بين تحرير الفيديوهات، الإعداد، التصوير، والتمثيل.
هذه الواقعة تضعنا أمام مسألة في غاية الأهمية حول ماهية المحتوى الذي يُقدّم ومسؤولية المجتمع في مراقبة وفلترة ما يقدم لأطفالنا، ويسهم في تكوين أخلاقهم وسلوكياتهم وضرورة الإبلاغ عن المنصات والصفحات المسيئة لقيم المجتمع وأخلاقياته وآدابه العامة، من خلال ما ينشر عبر العديد من المنصات الرقمية وصفحات التواصل الاجتماعي، من مضامين هابطة تنتهك حرمة الآداب العامة وتسيء إلى قيم المجتمع السوري وثوابته الوطنية والأخلاقية عبر تقديم مقالب كوميدية تجري مع أشخاص في الشوارع، وتوظيف ممثلين لإتمام هذه المقالب. إضافة إلى فيديوهات الألغاز التي تحمل إيحاءات غير لائقة وتتعارض مع القيم العامة للمجتمع السوري.
خبر إلقاء القبض على أصحاب القناة لاقى استحسان العديد من المواطنين الذين طالبوا بتشديد العقوبات، لكل من تسول له نفسه الإساءة إلى القيم والأخلاق من أجل الربح وتقديم محتوى هابط.
واستغرب بعض المواطنين كيف يسمح للعديد من المواقع التصوير في شوارع دمشق وأزقتها من دون الحصول على ترخيص، بينما من يعملون في الإعلام يحتاجون إلى موافقة للحصول على لقطة فوتوغرافية لأي موقع أو ظاهرة، وعبّر آخرون عن استيائهم لوجود من يتابع هذه القنوات التي تحصد الملايين نتيجة وجود أشخاص يحبون ” التفاهات”.

أزمة أخلاقية
الخبيرة والمدربة في التنمية البشرية هبة رشيد، تشير إلى أنّ المجتمع يتعرضُ لأزمةٍ أخلاقية، نتيجة سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً عملية نشر فيديوهات بثّ مباشر، هذه الفيديوهات لا تهدف إلى شيء سوى الانحدار بمستوى التفكير، واختراق الخصوصية الفردية مقابل الحصول على أكبر عدد من المشاهدات والمتابعين، هؤلاء يعتقدون أنهم مؤثرون أو صانعو محتوى، لكن في الواقع لهم تأثير سلبي جداً، ذلك لأنَّ نوع المحتوى تافه وغير هادف ويسهم في تدني الأخلاق والإساءة إلى القيم وهناك من يقدم محتوى فيه يسخر من الأم وإطلاق اسم نبع الحنان عليها ويظهرها بمظهر المرأة المتسلطة والتي تحمل بيدها “الحذاء” لضرب ابنها والتمييز بين أولادها.

رشيد: لا تهدف إلى شيء سوى الانحدار بمستوى التفكير واختراق الخصوصية الفردية مقابل الحصول على أكبر عدد من المشاهدات والمتابعين

هذا برأيها ناتج عن سوء التربية وتراجع مستوى التفكير وقلة الوعي، سوء التربية داخل البيت والمدرسة ينتج عنه عدم متابعة للتربية، الأمرُ الذي ينتج عنه نقصان في مستوى الوعي، ليصبحَ تفكير الشاب أو الفتاة سطحياً، وللأسف، إنّ هذه العدوى السلبية لم تقتصر على فئة المراهقين فقط، بل أصبحت تشمل مختلف الفئات العمرية، ليتباهى هؤلاء بعدد المتابعين لهم.
ولم تخفِ رشيد تخوفها من استهداف الأطفال بهذه الفيديوهات التي تبث محتوى مسموماً فكرياً واجتماعياً وأخلاقياً، حيث تسهم في إنشاء جيل تافه لا يحترم القيم والأخلاق.

تعزيز الشكوى وفرض الرقابة
وطالبت رشيد بضرورة أن تكون هناك رقابة وضوابط لاستخدام هذه التطبيقات، بدءاً من الأسرة مروراً بالمدرسة، كما يجب ألّا نغفل أهمية دور الإعلام في نشر الوعي بدلاً من نشر المحتويات التافهة.إذ من المؤسف أن يتم الاهتمام بهذه الفئة التي يُطلَق عليها مؤثرون وتسليط الأضواء عليهم، علماً بأنَّ معظمهم ذوو محتوى فارغ.

للقانون رأيه
تعزيز ثقافة الشكوى أمر مهم، فما الإجراءات لتقديم تلك الشكوى؟ وهل يحق لأي مواطن تقديم أو الإبلاغ عن هذا المحتوى المسيء؟
منصة وخط ساخن
المحامي حسان دغيم يبيّن أنّ وزارة الإعلام أطلقت مؤخراً منصة إلكترونية لتلقّي الشكاوى و الإبلاغ عن المنصات والصفحات المسيئة التي تنشر محتوى غير لائق، وذلك بالتعاون مع وزارتي العدل والداخلية بهدف التصدّي لما ينشر من محتوى هابط عبر العديد من المنصات الرقمية، ودعت إلى الإبلاغ عن المنصات عبر إيميل خاص وخط ساخن على “واتساب”، وتعمل على التصدي لمنصات هابطة، تنتهك حرمة الآداب العامة، وخاصة أن الكثير من المنصات تتبع أسلوب نشر مقاطع مخلة بالآداب بهدف كسب الربح، وأن ملاحقة تلك المنصات تتم بسبب تأثيرها السلبي، وخاصة على المراهقين، حيث يمكن لأي شخص التقدم بشكوى بحق هذه المنصات المخلة بالآداب، التي تقدم مستوى هابطاً لا يمتّ بصلة إلى قيم وأخلاق المجتمع السوري.

وزارة الإعلام أطلقت مؤخراً منصة إلكترونية لتلقّي الشكاوى و الإبلاغ عن المنصات والصفحات المسيئة التي تنشر محتوى غير لائق بالتعاون مع وزارتي العدل والداخلية

وفي حال ثبت أن المحتوى مسيء، يوضح دغيم أنه بعد الحصول على الإذن من المحامي العام، تتم ملاحقة صنّاع هذا المحتوى و إلقاء القبض عليهم و إحالتهم إلى القضاء لتجرى بحقهم التحقيقات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، ومن الممكن أن تصل العقوبات بحقهم إلى الحبس، بالإضافة للغرامات المالية وإغلاق هذه المواقع التي تبثّ “السموم” في أفكار وقيم مجتمعنا، وخاصة الأطفال.
و للعلم فقد لاقى هذا الإجراء استحسان العديد من المواطنين الذين طالبوا بتشديد العقوبات على هؤلاء، علماً أنّ الجريمة التي ارتكبها أصحاب المنصة، تندرج -حسب دغيم-وفق قانون العقوبات السوري تحت” اسم جريمة نشر رسائل مخلّة بالحياء “، وتعدّ نوعاً من التعرّض للآداب والأخلاق العامة ويعاقب عليها بالحبس من 3 شهور إلى 3 سنوات.

الشكوى الإلكترونية
ولفت إلى أنه في إطار حرص وزارة الإعلام على تفعيل سبل التواصل مع المواطنين والفعاليات المجتمعية، بغرض مساهمتهم في الحفاظ على قيم المجتمع وأخلاقياته وآدابه العامة، أعلنت مديرية الرصد في الوزارة عن توفر خدمة الشكوى الإلكترونية للإبلاغ عن تلك المنصات والصفحات المسيئة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم (عبر إرسالهم رابط المنصة الرقمية أو صفحة التواصل الاجتماعي) إلى
الإيميل الخاص complaints@moi.gov.sy، والخط الساخن عبر خدمة الواتس(0930088775).

ملاحقة وضبط
إذاً هل شهدت المحاكم نوعاً من هذه القضايا فيما يتعلق بالمنصات؟
يبيّن دغيم أنه تمت مؤخراً ملاحقة وضبط منصات تنشر مقاطع مخلّة بالآداب، وذلك من قبل فرع مكافحة الجريمة المعلوماتية في إدارة الأمن الجنائي، وتمت ملاحقة أشخاص عدة يديرون منصات من هذا النوع. كما تم إصدار عدة مذكرات توقيف بحق مسؤولي منصات أخرى بتهم نشر محتوى مسيء لقيم و أخلاق الشعب السوري و ثوابته الوطنية و الأخلاقية.

تمت مؤخراً ملاحقة وضبط منصات تنشر مقاطع مخلّة بالآداب من قبل فرع مكافحة الجريمة المعلوماتية في إدارة الأمن الجنائي وتمت ملاحقة أشخاص عدة يديرون منصات من هذا النوع

معايير تقييم المحتوى
عن المعايير التي تؤخذ لتقييم المحتوى ومن الذي يحددها، يوضح دغيم أن واحدة من أهم هذه المعايير ألّا يكون المحتوى المقدم مخالفاً للنظام والآداب العامة في المجتمع السوري، وبحكم كون الآداب العامة جزءاً من النظام العام، تستمد بعض خصائصها من هذا النظام، فقواعد الآداب العامة قواعد نسبية متغيرة تختلف باختلاف المكان و الزمان من مجتمع إلى آخر ومن جيل إلى جيل في المجتمع الواحد، فما يعد مخالفاً للآداب في مجتمع ما، قد لا يكون مخالفاً لها في مجتمع آخر، والمقصود بمفهوم الآداب العامة أنها مجموعة من القواعد وجد الناس أنفسهم في أمة معينة و في جيل معين ملزمين باتباعها طبقاً لـ”ناموس” أدبي، يسود علاقاتهم الاجتماعية ولا يجوز الخروج عنها. كما أنها مجموعة القواعد والأحكام المتعلقة بالأخلاق والحشمة و المحاسن و المساوئ.
أما مصطلح النظام العام، فهو مجموعة القواعد القانونية الملزمة للجميع والتي لا يجوز مخالفتها، فهي تتعلق بنظام المجتمع وكل ما يخالفها هو باطل، واحترام النظام العام والآداب العامة يعني مراعاة الأخلاق والآداب الاجتماعية التي تهدف إلى الحفاظ على الفضيلة والخير والوقاية من الرذيلة والشر.
تحتاج للموافقة
من أين يحصل أصحاب المنصّات على الترخيص قانونياً في بلدنا؟ وهل مسموح بها؟
حسب دغيم: إنّ لجنة صناعة السينما والتلفزيون أصدرت بياناً، فرضت من خلاله لزوم الترخيص على تصوير ( لوحات درامية) عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحظرت تصويرها من دون الموافقة، كما أنها توعّدت المخالفين بعقوبات الجرائم الإلكترونية.
كما جاء في البيان أنّ أي محتوى يتم نشره من تاريخ الخامس من كانون الثاني عام ٢٠٢٢ من دون الحصول على الموافقات المطلوبة، سيعدّ مخالفاً، وسيتم تحريك الادعاء مباشرة لإحالته إلى فرع الجرائم المعلوماتية في إدارة الأمن الجنائي. وطبعاً هذا التعميم لا يهدف إلى التضييق على صانعي المحتوى، و الإجراءات بسيطة بعيدة عن التعقيدات، و هي تقديم النص الخاص بالمحتوى ليمرّ على التقييم الفكري لإجازته حتى يأخذ كتب تسليم و يباشر تصوير العمل، و كل الهدف هو الابتعاد عن الفوضى بنشر المقاطع و”الاسكتشات” الدرامية على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يؤدي إلى تدنّي المستوى الفكري الفني و الأخلاقي.
وفي السياق نفسه، لا بدّ من العلم أنه يجب القيام ببعض الإجراءات للحصول على ترخيص قانوني ونظامي من أجل التطبيقات الخدمية، وقد حددت الهيئة الوطنية لخدمات الشبكة الثبوتيات المطلوبة للحصول على تصريح لتطبيقات الخدمات المرخصة كتطبيقات التواصل الاجتماعي والتجارية و الخدمة العامة، إضافة إلى التطبيقات التي تقدم أكثر من خدمة، وتشمل الأوراق المطلوبة استمارة طلب الحصول على التصريح وفق النموذج المعتمد في الهيئة و نسخة حديثة عن السجل التجاري وصورة عن الهوية الشخصية، كما تتضمن الأوراق المطلوبة للحصول على التصريح تسجيل العناوين التفصيلية الدائمة والمؤقتة وأرقام الهاتف الثابت و المحمول و المؤهل العلمي، كما يشترط في مسؤولي قواعد البيانات و حماية البيانات أن يكونوا سوريي الجنسية و يحملوا مؤهلاً علمياً في مجال المعلوماتية أو ما يعادلها كما يتطلب نسخة تجريبية من التطبيق و سياسة الاستخدام الخاصة به.
ويشمل الحصول على التصريح أيضاً إشعار تسديد أجور دراسة الطلب بقيمة 100 ألف ليرة، تسدد في حساب الهيئة بالمصرف التجاري السوري فرع 6 كما يحتاج إلى وثيقة تثبت حجز اسم نطاق تحت النطاق العلوي السوري (SY)،
في حال كان التطبيق مرتبطاً بموقع إلكتروني، يقدم الخدمات نفسها الموجودة في التطبيق إلى جانب تقرير اجتياز اختبارات أمن المعلوماتية.

شارك