خبير يدعو إلى تبني اقتصاديات التنمية المحلية وعدم الركون إلى التوازن الهش المتحقق آنياً

أوضح الدكتور زياد عربش أولويات المرحلة القادمة المتضمنة المرتكزات التأطيرية للرؤية التنموية (من أعناق الزجاجات إلى ركائز الاستدامة)، مبيناً أن إعادة التأهيل البنيوي وتكامل منظومات البنية التحتية سيمثلان تحدياً جوهرياً، نظراً للدور الذي سيلعبه في التخفيف من مفاعيل الحرب المتراكمة خلال السنوات المنصرمة وتلك التي ستبرز مع الزمن.

كما بيّن عربش خلال المحاضرة التي أقامتها جمعية العلوم الاقتصادية بعنوان “اقتصاديات التنمية المحلية في سورية.. المحددات والغايات” أن قطاع الطاقة (بفروعه، وكمواد أولية ومواد إحتراقية) لن يؤدي بمفرده إلى الاستقرار، إذ إن مكانته تتجاوز منحى التحليل الاقتصادي التقليدي أو تحقيق الأهداف المعلنة في الحالة الطبيعية كتحقيق النمو الاقتصادي والكفاءة والمنافسة، والتي هي بالتعريف غير كافية لمساعدة تقدم الاقتصاد وستواجه عوائق متزامنة من التمويل والولوج إلى التقانة، وحقوق الملكيات، وتطوير الحوكمة الناظمة لحل إشكالية التسعير الإداري، والاستغلال الأمثل للموارد وولوج جميع شرائح المجتمع إلى السلع والخدمات التي تمثل بمجملها تحديات، تتباين أهميتها وكيفية معالجتها حسب المناطق والقطاعات، وداخل القطاع نفسه، مع أهمية الاستجابة العاجلة وتغليب معايير الدمج المجتمعي على الربحية، بالتزامن مع النهوض بالتراكيب المساندة للإنتاج.

أولويات المرحلة القادمة رؤية تنموية ومرتكزات تأطيرية

مواءمة الأولويات
عربش أوضح إن كل هذه المسائل ستمثل عوائق متعددة أمام تعزيز الاستقرار في إطار التنمية المتوازنة والشاملة، وبالتالي فإن المرحلة القادمة تتطلب مواءمة عدة أولويات عابرة فيما بينها وفي آن معاً وحسب القيود، أولها الاستجابة المحلية والإسراع في تلبية الاحتياجات العاجلة مع التشديد على المحركات الذاتية، التي تتطلب أنواعاً متمايزة في البرامج المعدة خاصة مع تباين الموارد المتاحة والمعالجات المطلوبة حسب اختلاف المناطق، مع أهمية درء “الممارسات الملتبسة” أو الإحساس ببطء صيرورة إعادة البناء أو بروز مسارات عشوائية وقيود إضافية للتنمية، قد يصعب التوفيق فيما بينها، وذلك بغرض الانتقال من الحلول الإسعافية والآنية إلى ركائز الاستدامة وبلوغ غايات التنمية الشاملة.

التوازن الهش
والأهم حسب المحاضر عدم الركون إلى التوازن الهش المتحقق الآن، لكون الطلب سيرتفع مع عودة المهجرين والنازحين والإقلاع الاقتصادي، مقارنةً بأهمية زيادة العرض جوهرياً، وأهمية توسيع التغطية وتقديم الخدمات بشكل متنام وبالكفاءة والجودة المطلوبتين.

مفرزات الحرب
الدكتور زياد عربش أكد خلال محاضرته على معالجة ثلاث فجوات متزامنة هي: اختلالات ما قبل الأزمة، ومواجهة مفاعيل الحرب ومتطلبات الانتعاش، والتوجه نحو المستقبل، وتحقيق كفاءة إدارة مشروعات البنى التحتية والانتفاع الكلي منها لفئات المجتمع كلها، ضمن معايير الفاعلية والعدالة الاجتماعية والاستدامة، وصولاً إلى الانتقال والتطوير المؤسساتي والمؤسسات المستنبطة (وأهمية متابعة تنفيذ مشروع التطوير الإداري)، لكون مدخل الاستدامة يفرض التركيز على الأطر والقواعد “الحوكمية” الناظمة لاعتماد مشروعات البنية التحتية والانتفاع منها بالكفاءة والفاعلية المطلوبة والاستغلال الأمثل للموارد الطاقوية، وولوج جميع شرائح المجتمع إلى خدمات البنية التحتية كانتفاع وشكل من أشكال إعادة توزيع الثروة.

التنمية التشاركية
وأفاد عربش بأن التنمية يجب أن تبدأ من القاعدة إلى الأعلى، وحسب الطلب، أي تلبية الحاجات الفعلية والملحة للمجتمع، كعامل معزز للاستقرار، أما التنمية التشاركية، حسب عربش، فيجب أن تنطلق من محورية دورالدولة- المواطن بمؤازرة قوى المجتمع وتراكيبه وتفعيل المجزأ والخروج من “العطالة” القسرية بحشد الطاقات والموارد الفعلية والكامنة والتعبئة والتشبيك والتواصل بين جميع أصحاب المصالح، بحيث تعود سورية وأكثر من أي وقت مضى مكاناً للجميع، لكون المجتمع هو الأرضية والبناء والمحور والغاية.

وظيفة لكل مواطن
كما بيّن المحاضر أن التدرج والتتابع الديناميكي والمرونة العالية هي الأمور المطلوبة لتحقيق أهداف إعادة هندسة كل منظومات قطاع الطاقة والترابط بين السياسات الكلية والجزئية على كل الصعد، وتدعيم المواطنة ولكل الأجيال ولكل الفئات، لأنه لا يمكن النظر إلى البنية التحتية المادية والاجتماعية إلا من منظور التنمية وفي اطار شامل يضمن تحصيل الحقوق وتأدية الواجبات ومواجهة التهميش الاقتصادي وتكامل البناء المواطني والبناء الوطني في إطار مشروع البناء الشامل الذي يضمن “وظيفة” لكل مواطن، مع الاشارة إلى إعطاء البعد المكاني للتنمية والتخطيط الإقليمي في إعادة تأهيل البنى التحتية وذلك بمشاركة الوحدات المحلية والبلديات والهياكل المجتمعية والمجتمع الأهلي.

ضيق الوقت
وتحت عنوان «اقتصاديات المكان والتنمية المحلية» أفاد عربش بأنه لم يعد هناك متسع من الوقت لوضع جدي لرؤية اقتصادية اجتماعية بعيدة عن التجريب أو التمترس خلف العوامل الخارجية رغم أهميتها، أو سياسة الجباية والتقييد وزيادة التهميش الاجتماعي، فليس كل مواطن لديه إمكانية الإيفاء بالحد الأدنى من متطلبات المعيشة من خلال دخله، أو ما يؤازَر به من أقاربه في المغتربات، موضحاً كيفية تعزيز “مكانة” الإدارة المحلية في النهوض المجتمعي وبأبعاده الاستراتيجية بالغة الأهمية والمتمثلة بقطع الطريق على عدة مشروعات خارجية، وتقطيع أوصال الدول التي تستهدف سورية، ومعاكسة اتجاهات التدهور المعيشي والخدمي والتخديمي.

دور الإدارة المحلية بالنهوض وتفعيل دور المجالس على كل المستويات

أقطاب التنمية
أما أقطاب التنمية فتتمثل، حسب الدكتور عربش، من خلال المحاور التنموية بدل الطرق الموازية والمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الصناعية والتصنيع الزراعي والمدن الإعلامية، إضافة إلى المرافق، مع التأكيد على أهمية التشبيك لخفض كلف الطاقة .
وعن النهج المبتغى من تطوير مكانة الإدارة المحلية جدد عربش تأكيده على أهمية القانون 2011/107 ودور الإدارة المحلية في النهوض المجتمعي، مؤكداً أن أفضل مسار لحوكمة الاتجاهات الحالية هو تلاحم المجتمع وتعزيز دور المحليات ورفع شأن التنمية من القاعدة والاستغلال الأمثل للموارد في المحليات، كاقتصاديات المكان والحيّز وكأقطاب للتنمية وبأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، مع الإشارة إلى وجود خلل في الإدارة المحلية، متسائلاً: هل الخلل في آليات الاختيار، أم البيئة والقانونية (107)، أم اللغة المشتركة لجهة المفاهيم والمصطلحات عند كل الأطراف سواء لدور المحافظ أو مديريات القطاعات التابعة للوزارات؟ وتساءل: هل معالجة الفساد تكون بملاحقة الأشخاص، أم لابد من تطوير البيئة الناظمة؟
وخلص إلى أنه هناك حاجة لمزيد من الحوار واقتراح صيغ ناظمة وقانونية تنجز تشاركياً مع المجتمع المحلي، وتفعيل دور المجالس وعلى كل المستويات، لأن رئيس وأعضاء أي مجلس لابد أن يتحملوا المسؤولية المجتمعية بمعناها الواسع وليس أن يمارسوا دور المسؤول الحكومي في الشؤون الادارية والمالية والخدمات، وأن يقتصر دورهم على جباية الضرائب، وتسعير الكهرباء، والمرافق العامة وخدماتها وصيانتها.. وغيرها.

شارك