خيارات الكفاءة الإدارية في المؤسسات العامة.. ما بين تقليص الأعداد الفائضة ومضاعفة كتلة الرواتب!!

في خضم الجدل الاقتصادي المعيشي الدائر حول العديد من الخيارات المتاحة ضمن ساحة الحلول، تأتي القرارات الحكومية لتزيد من حدّة النقاش عما يمكن فعله للخروج من الواقع الحالي بكلّ تحدياته الاقتصادية والمعيشية والوظيفية المؤسساتية، والتي نعلم جميعاً مدى صعوبته، وخاصة مع تراكم مشكلاته التي وصلت في بعضها إلى ما يمكن أن نسميه استحالة الحلّ.

الدكتور علي محمد، الخبير الاقتصادي، أكد أن هناك تساؤلات عديدة محرّضة للنقاش، بما في ذلك الاتفاق والخلاف بالرأي حول القرارات الأخيرة الصادرة عن رئاسة مجلس الوزراء، وعن مدى التغيير الذي يمكن أن تحدثه في الواقع الاقتصادي والمعيشي والوظيفي، وخاصة لجهة واقع العمل المؤسّساتي وقدرة الرواتب والأجور على مواجهة التضخم، والحلول الممكنة لهذه التحديات والمشكلات المتأصلة في يوميات القطاع العام.

وأشار محمد إلى أنه في ضوء الترهل الإداري في بعض المؤسّسات العامة، وضعف الإنتاجية وتدهور الكفاءة التشغيلية لها، تبرز خيارات تتمثّل بإبقاء الواقع على حاله على مبدأ (هذا أفضل ما يكون)، لافتاً إلى أن هذا الخيار غير إيجابي لجهة الموظف والحكومة والاقتصاد، أما الخيار الثاني فيتعلّق بالعمل على مضاعفة كتلة الرواتب بما يجاري التضخم، وفي رأيه أن هذا الخيار غير ممكن، (كما يُستشف من الأرقام المخصّصة للإنفاق العام في عام 2025 حسب مشروع الموازنة العامة) وذلك لضعف موارد الخزينة العامة.

وفيما يخصّ الخيار الثالث الذي حدّده محمد بتقليص عدد موظفي القطاع العام، ولاسيما في الجهات التي لا تتطلّب الكمّ الكبير من الموظفين، وصولاً لتحقيق الكفاءة الإدارية في المؤسّسات، والاحتفاظ بالكفاءات الفعّالة المنتجة المشهود لها، والاستفادة من الفائض من الموظفين الباقين للعمل الحرّ المنتج، وذلك وفق مصفوفة دقيقة يتمّ العمل عليها، حيث تبيّن الحاجة العددية الفعلية للموظفين وفق مجالات كل مؤسّسة أو وزارة، مع ضمان التأكيد على سير أعمال القطاع العام دون أي تراجع.

ولفت إلى أن هذا الإجراء يحاكي بمضمونه بعض التجارب المطبّقة في الدول الأخرى، كما قيل ونُشر في الإعلام، كمنح إجازة التفرغ للعمل الحرّ بهدف تمكين وتحفيز الكوادر والمواهب من الموظفين للدخول في عالم الأعمال وتأسيس مشاريعهم الخاصة بهم، بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد.

وأشار محمد إلى أنه، وبمحاكاة هذه التجربة، تكون مدة إجازة التفرغ التي تمنح للموظف لتأسيس أو إدارة مشروعه الاقتصادي سنة واحدة مدفوعة الأجر، وقد تصبح بعدها إجازة دون راتب لأجل مسمّى، على أن يتمّ إصدار القوانين الخاصة بذلك، والتي يفترض أن تنظم آلية وإجراءات منح الوزارات لهذه الإجازة، وهذا يتطلّب أن تتضافر جهود جميع الوزارات المعنية بإعداد دليل للمشاريع الاقتصادية التي يحبّذ العمل بها من الموظف المتفرّغ والتي يتمّ اختيارها، حيث تسهم في تنشيط الاقتصاد وبما يدعم التعافي الاقتصادي، وتكون هذه المشاريع هي (الأساس) الذي يساعد الوزارات بالبتّ في طلبات الموظفين للحصول على إجازة تفرغ لأعمالهم.
وبيّن محمد أن هذا الاقتراح يتطلّب تعاون كلّ الجهات والوزارات في إستراتيجية موحدة لذلك، سواء وزارة التجارة الداخلية من ناحية التراخيص والمستندات المطلوبة للمشاريع، أو من ناحية تسويق وشراء منتجات هذه المشاريع، أو وزارة المالية من ناحية الإعفاءات الضريبية، وغيرها من الوزارات الشريكة بنجاح هذه التجربة كالاقتصاد والصناعة والشؤون الاجتماعية والعمل.

وأشار إلى أن هذا يعدّ تحدّياً كبيراً لبعض الموظفين، ولاسيما الذين قضوا فترةً طويلة في العمل في القطاع العام، ولكن (قد) يتمّ التغلب على ذلك من خلال قيام الوزارات المعنية (الاقتصاد، التنمية الإدارية، الزراعة، الصناعة) ومؤسّساتها بالأدوار المنوطة بها، سواء من ناحية بناء حاضنات أعمال أو من خلال الرعاية الكبيرة المقدّمة من هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة بهذا الشق تحديداً، والعمل على بناء وصقل قدرات الموظفين للغوص في مشاريعهم الخاصة بنجاح، وبناء الأرضية اللازمة لذلك.
ومن التحديات التي تعرقل تطبيق هذا المقترح -حسب محمد- تحديات تتعلق بالتمويل، والذي (قد) يتمّ التغلب عليه أيضاً من خلال خلق منتجات مصرفية (قروض تنموية) من المصارف ومصارف التمويل الأصغر نحو هذه الفئة تحديداً، وقيام مؤسّسة ضمان مخاطر القروض بتقديم الضمانات على هذه القروض لسقوف معينة تختلف باختلاف المشروع، وكذلك القيام بتقديم الدعم لهذه المشاريع من خلال برنامج دعم أسعار الفائدة بما يخفّف من عبء الدَّين على الموظفين.

ووضع محمد المقترحات التي تقدّم بها في خانة تقليص الأعداد الفائضة من موظفي القطاع العام، من خلال تعميم ثقافة العمل الحرّ وبناء الموظفين المتفرغين لمشاريعهم الخاصة خلال العام الأول على إجازتهم والتي هي مدفوعة الأجر حكماً، حيث لا يتضرّر هؤلاء ويحتفظون برواتبهم بالحدّ الأدنى، ما يسهم بتطوير وتوسيع القاعدة الإنتاجية وتأثير ذلك المباشر في مؤشرات الاقتصاد السوري، تمهيداً لفترة توطين هذه العمالة في مشاريع حيوية منتجة، ومن ثم توجيه كتلة الرواتب التي كانت مخصّصة لهم (بعد انتهاء السنة الأولى) إلى باقي موظفي القطاع العام كزيادة في الرواتب التي وإن خُطّط لزيادتها في العام 2025 إلا أنه لن يعيد ألقها وقوتها الشرائية، حيث لن تستطيع  أي منحة أو زيادة على هذه الأجور مجاراة غول التضخم الذي يضرب الاقتصاد السوري نتيجةً لعوامل متشابكة.

شارك