هل بدأ الجلالي بخطوات لتطبيق الاقتصاد الهندسي على القطاع العام ..؟ بعد زيارة ميدانية.. حديث عريض عن إعادة هندسة معمل الفيجة لتعبئة المياه

يبدو أن رئيس مجلس الوزراء الدكتور محمد الجلالي قد بدأ خطواته نحو تطبيق مبادئ الاقتصاد الهندسي، الذي هو اختصاصه أصلاً، القائم على الجمع بين مجالي الاقتصاد والهندسة، حيث يعني هذا المفهوم تطبيق التقنيات الاقتصادية على المشاريع وتقييمها، وخفض تكلفتها قدر الإمكان، ولكن دون التنازل عن أي من مبادئ التصاميم الهندسية والمعايير التي تضمن جودة المشروع، وبالتالي فإن الهدف الأساسي للاقتصاد الهندسي هو الحفاظ على تصميم المشروع ضمن المعايير المطلوبة وإيجاد البدائل الملائمة التي يمكنها أن تخفض تكلفة التنفيذ.
– الخطوة الأولى..

فالزيارة التي قام بها الدكتور الجلالي إلى معمل تعبئة مياه نبع الفيجة في ريف دمشق يوم أمس الأحد 17 الجاري، ليست مجرد جولة ميدانية عابرة وتقليدية – على الأرجح – كتلك التي اعتدناها في زيارات المسؤولين على ميادين العمل والانتاج، فما رشح إعلامياً عن طبيعة تلك الزيارة بأن ” قطاع الصناعة الوطنية يحظى بأهمية بالغة نظراً لما يتمتع به من تكثيف كبير لرأس المال، وتشغيل واسع للعاملين، وكذلك من حاجة ملحّة لإعادة هندسته بما يضمن الاستفادة المثلى من الموارد المتوفرة فيه ” ما هو إلاّ دلالة واضحة على ملامسة ( الاقتصاد الهندسي ) والذي توقعنا أن يعكسه على توجهات حكومته واجراءاتها اللاحقة، فقطاع الصناعة الوطنية هو بمثابة المشروع من حيث مفهوم ذلك الاقتصاد سواء كان لجهة التقييم وتطبيق التقنيات وضمان الجودة، أو لجهة الحفاظ عليه وإيجاد البدائل الملائمة لخفض التكلفة، وهذا الأمر كاد أن يكون واضحاً من حيث الانطباع الذي توصل إليه الجلالي من خلال تلك الزيارة، والذي تمثل باستنتاج وجود موارد اقتصادية كبيرة غير مستثمرة، سواء لجهة عدم وجود خطوط تعبئة مياه كافية لاستيعاب الموارد المائية المتوافرة، كما أن هناك ضعفاً في كفاءة إدارة هذا القطاع بوضعه الحالي على النحو الذي يتسبب بذهاب أرباح كبيرة إلى جيوب الحلقات الوسيطة، بسبب السياسات السعرية والتسويقية المعتمدة، وكذلك بسبب روتين وبيروقراطية إدارة القوى البشرية العاملة في هذا القطاع.

من هنا بدا الانطباع تقييماً واضحاً، وهو أحد أهم عناصر ومفاهيم الاقتصاد الهندسي الذي لا يجد عذراً لزيادة التكاليف التي تمثلت هنا بزيادة الأرباح التي تحصدها الحلقات الوسيطة، وما إلى ذلك من الملاحظات التي أفضت إلى البحث عن بدائل ملائمة يمكنها خفض تكلفة التنفيذ.
ودون الافصاح الصريح عن الاتجاه نحو تطبيق مبادئ الاقتصاد الهندسي فإن هذه المبادئ كادت أن تنطق من خلال ما جرى تسويقه إعلامياً بطرح البدائل بشكل مباشر وعلى صيغة التساؤل، وذلك بالقول بأن التقييم الذي جرى عبر تلك الجولة يثير التساؤل حول إمكانية تغيير هذا الواقع فيما لو كان هناك شريك من القطاع الخاص في إدارة هذا القطاع على النحو الذي يعزز من إيرادات القطاع العام، ويعطي المزيد من المرونة لإدارة الموارد وتلبية احتياج السوق المحلية بل وتصدير الفائض وتوفير القطع الأجنبي للخزينة العامة للدولة.


– هل نرى تغييراً سريعاً..؟
أجل.. يبدو أن التغيير الجذري والحاسم البعيد عن الترقيع – هذه المرة – قادم وسريع بل ومدعوم أيضاً بتوجهات السيد رئيس الجمهورية الذي اعتبر في أول اجتماع لهذه الحكومة وكان برئاسته – بعد أدائها اليمين الدستوري – أنّ ” سياسة الترقيع لم تعد نافعة.. وكل يوم نتأخر فيه بالإصلاح وبالتغيير سوف ندفع ثمناً أكبر بكثير ”

فتوجهات السيد رئيس الجمهورية لا تبدو غريبة عن مفهوم الاقتصاد الهندسي الذي يرتبط بشكل وثيق بالمفهوم التقليدي للاقتصاد الجزئي،  والذي يشتمل على وصف سلوك الاقتصاد عند حدوث بعض التغيرات مثل رفع أسعار السلع أو الخدمات، أو تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين.

يختص الاقتصاد الهندسي في دراسة المشكلات التي تحدث خلال تصميم وتنفيذ المشاريع وحلها، وتظهر أهميته وفاعليته بإيجاد الحلول البديلة عندما تعاني المشاريع من نقص الموارد، ويقوم بحل جميع المشاكل والمعوقات، من خلال تفسير
نظريات العمل المُعتمدة وتطبيقها على أرض الواقع، ولذلك نعتقد من هذا المنحى أن الإعلان عن شريك من القطاع الخاص كحل حاسم – مهما بلغت صدماته – لن يكون بعيداً.

ويعتمد الاقتصاد الهندسي على إيجاد الحلول من خلال تطبيق جميع مفاهيم ومبادئ الاقتصاد بشكل أساسي، ثم يأخذ بعين الاعتبار بقيم المفاهيم، التي تكون متعلقة بالجانب الهندسي.

أخيراً:
لقد بتنا تواقين لفعل شيء إصلاحي حقيقي ما.. أي شيء بعد الكثير من المحاولات التي لم يُكتب لها النجاح، ولكن على أهمية ما قد يحصل، لابد من الإشارة إلى أنه لا خير بأي تغيير ولا بأي اقتصاد لا هندسي ولا غير هندسي إن لم ينعكس على تحسين مستوى المعيشة وعلى دخل الأفراد، والأفضل أن يجري تحسين مستوى المعيشة بما أمكن أولاً.

شارك