ما زالت معدلات التضخم المرتفعة ورغم الهدوء النسبي الذي سجلته إبان سقوط النظام البائد مصدر قلق لجميع الفعاليات وأوجه النشاط الاقتصادي والتجاري وكبار وصغار المدخرين.
الصناعي والخبير الاقتصادي عاطف طيفور رأى أنه رغم التوجه العام والشعبي والإعلامي حالياً لمواضيع فرعية غير مؤثرة في صلب الموضوع مثل طباعة العملة السورية الجديدة أو حذف الأصفار، بالتزامن مع التركيز على تخفيض سعر الصرف للعملات الأجنبية كحلٍ شافٍ بنظر أغلبية تلك الأوساط، وظنهم أن التخفيض هو مقياس انخفاض الأسعار، بينما العكس هو ما يحصل.
مضيفاً في تصريح لصحيفة”الحرية”ً: تعتقد الأغلبية أن طباعة عملة جديدة هو الحل لتوفير السيولة، بينما العكس هو ما سينجم، لذلك من الأجدى التركيز على معدلات التضخم ونسب البطالة، ودعم تكاليف الإنتاج وتكاليف وحدة الإنتاج وضبط الميزان التجاري بين الصادرات والمستوردات كمنطلقات وحلول لجميع خطوات ترميم الاقتصاد الوطني بشكل متين، مشدداً على أن تعزيز الثقة المصرفية ليس بحاجة لعملة جديدة، وإنما لسياسة نقدية مرنة تشجع الجميع على إخراج الكتلة النقدية المدفونة من الليرات والدولارات لتتحول إلى إيداعات تغذي المصارف، بدلاً من أن يجنح أصحابها لاستخدامها في المضاربة بالأسواق، كما يخفف على الخزينة العامة تكلفة إعادة طباعة المزيد من الأوراق النقدية، والتي تتجاوز تكلفتها عشرات مليارات الدولارات.
طيفور: نحتاج سياسة نقدية مرنة تشجع الجميع على إخراج الكتلة النقدية المدفونة من الليرات والدولارات لتتحول إلى إيداعات تغذي المصارف
كما لفت طيفور إلى أن الأغلبية تعتقد أن تخفيض سعر الصرف إنجاز اقتصادي وهذا صحيح عندما نمتلك اقتصاداً معافى وبنسب نمو ثابتة، ولكن بالحالة السورية الحالية فإن كل تخفيض لسعر الصرف يساهم بانخفاض نسبة الإنتاج والصادرات، ويساهم بتعزيز “دفن المزيد من الليرات السورية” خارج المصارف للادخار، وشراء المعادن والقطع النادر، وبالتالي تتفاقم أزمة السيولة، مشيراً إلى أن مكافحة أزمة السيولة لا تكون بطباعة المزيد من الليرات السورية، أو بتوفير فئات نقدية جديدة وعالية منها، ما ينعكس سلباً ويزيد مما سمّاه “دفن الأموال خارج النظام المصرفي بالحقائب”، وموضحاً أن ضخ الفئات النقدية الصغيرة لتحويل الادخار بالليرات يحتاج لمستودعات وحراسات وتكاليف لوجستية إضافية.
ونصح الخبير بتركيز جميع الجهود والموازنات على تخفيض معدلات التضخم، وما تخلفه من تراكمات، وعند ذلك سنشاهد جميع المعادلات الاقتصادية تتعافى بشكل تلقائي، بدل هدر المال والجهد والوقت في سبيل تحقيق أهداف واهية غير مجدية.
وقال الصناعي طيفور: ولا ننسى معدلات التضخم التي تعصف حالياً بالأسواق العالمية بفعل الصراعات الدولية، والتي تنعكس على سوريا وجميع الدول، في وقت نعاني فيه أساساً من معدلات تضخم داخلي تتجاوز معدلات التضخم العالمية بأضعاف ولأسباب متعددة، من أهمها ارتفاع تكاليف الإنتاج ونقص السيولة، منوهاً بأنه لا بد من وضع جدول أعمال متكامل وبسيط وقابل للتطبيق بسهولة، مثل إعادة هيكلة السياسة النقدية والمالية، وإعادة القروض ودعم الفائدة وفك احتباس السيولة، ودعم المناطق والمدن الصناعية بالكهرباء.
وعلى صعيد آخر، رأى الخبير ضرورة الإسراع بتفعيل التجارة الحرة مع الدول العربية، ما ينعكس إيجاباً على انخفاض تكاليف المواد الأولية، والأهم إعادة تفعيل منافذ التصدير وبشكل يرفع نسب الإنتاج التي ستنعكس بشكل فوري على انخفاض تكاليفه ومكافحة الكساد والركود، كما تنعكس على استقرار سعر الصرف وموارد الخزينة.
ولفت طيفور إلى وجود بحر من الحلول الاقتصادية التي لا يمكن تلخيصها بمقال، مثل مكافحة التهريب والحد من المستوردات العشوائية، وتحويل اقتصاد الظل الى اقتصاد مرخص، مبيناً أن أهم معادلات مكافحة التضخم تحويل السيولة الى إنتاج، وليس حبسها بالمصارف، ما ينعكس على ارتفاع نسبة الإنتاج، وتحقيق التوازن بين النقد والسلع.