المرافئ والأملاك البحريّة السورية ” ثروة”.. ثروة مهدورة لجهة الارتباك المزمن في استثمارها، والتخبّط في خطوات “الاستعانة بشريك”.
فالسيرة الذاتية لهذا المرفق الإستراتيجي الحيوي مليئة بالتناقضات والصخب وحتى ” الامتيازات”، إلا أن العائدات لا تتناسب مطلقاً مع الضجيج الكبير الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.
مؤخراً تم التعاقد مع شركة إدارة موانئ إماراتية لاستثمار مرفأ طرطوس.. وهو الميناء السوري الأكبر مساحة من حيث عدد الأرصفة، وربما الميزات الفتية والإمكانات التي يتيحها.. ويأتي ذلك بعد فسخ العقد الروسي الذي تم إبرامه مع “حفلة تصريحات” حول المنافع والعائدات التي ستتحقق للصالح السوري.. لكن ما اكتشفه السوريون أنهم تعرّضوا – مع الروسي- لما يشبه الخديعة بين الشريك القسري ووزارة النقل السورية.
ليبقى السؤال بمناسبة العقد مع الإمارات.. كيف يمكن أن نستثمر أملاكنا ومرافقنا البحرية بالشكل الأمثل.. وليكن الحديث مركّزاً على ميناء طرطوس ؟
مرفق إستراتيجي وهام
يلفت الدكتور المهندس محمد سليمان سعيد.. وهو بروفيسور مدرس لاختصاص بناء وتصميم السفن في أكاديمية ماكاروف البحرية في سان بطرسبورغ.. إلى الموقع الإستراتيجي للجمهورية العربية السورية في العالم والشرق الأوسط ما يجعل منها منطقة عبور لبضائع الترانزيت إلى كل من العراق والأردن ودول الخليج.
ويرى البروفيسور سعيد في تصريح لـ ” الحريّة”، أن الموقع الهام لميناء طرطوس بالنسبة لسورية والميزات الفنية الهامة التي يتمتع بها، تؤهله ليكون ضمن المرافئ الأكثر تطوراً في الشرق الأوسط، من المساحة المائية الكبيرة والأعماق ومساحة الساحات والمستودعات والأرصفة.
د. سعيد: الموقع الهام لميناء طرطوس بالنسبة لسورية والميزات الفنية الهامة التي يتمتع بها، تؤهله ليكون ضمن المرافئ الأكثر تطوراً في الشرق الأوسط
(يبلغ عرض قناة دخول المرفأ 200 متر وعمقها 14.5 متراً، ويبلغ طول مكسر الميناء الرئيسي 2650م، والثانوي 1620م. وهناك 15 مستودعاً بمساحة إجمالية تبلغ 92413 متر مربع، وتبلغ الطاقة التخزينية لصوامع الحبوب 85000 طن وصوامع الفوسفات 88000 طن). (مصدر المعطيات من ويكيبيديا).
خطوة إيجابيّة
يجزم الدكتور سعيد بأن إعطاء عقد استثمار وإدارة مرفأ طرطوس إلى شركة إماراتية هو خطوة إيجابية وبالاتجاه الصحيح، حيث فازت الإمارات منذ عدة سنوات بعقد إدارة وتشغيل أكبر المرافئ في الولايات المتحدة الأمريكية..
ولدى الإمارات الخبرات والقدرات المادية الكبيرة التي تكتب النجاح لمثل هذه المشاريع، ومن شأن هذه الخطوة أن تُسهم في تأمين دعم كبير للاقتصاد السوري وتأمين وظائف لأعداد كبيرة من مختلف الشرائح العاملة في سورية.
انعكاسات جاذبة مباشرة
على مستوى الفوائد المباشرة.. يرى أستاذ السفن في أكاديمية ماكاروف الروسية، أن الاستثمار الإماراتي للمرفأ، سيضمن زيادة الحركة التجارية بين سورية ودول العالم بما يعود بالفائدة الاقتصادية الكبيرة على سورية.
استثمار وإدارة مرفأ طرطوس من قبل الشركة الإماراتية خطوة إيجابية.. والإمارات فازت منذ عدة سنوات بعقد إدارة وتشغيل أكبر المرافئ في الولايات المتحدة الأمريكية
إضافة إلى تنشيط حركة السفن السورية بما يعود بالفائدة على مالكي السفن ورجال الأعمال السوريين.
ثم توليد القدرة لدى هذا المرفق الإستراتيجي على المنافسة الكبيرة مع موانئ شرق المتوسط كميناء حيفا وبيروت والموانئ التركية وتحويل طرطوس إلى مركز ثقل اقتصادي كبير ورئيسي في شرق المتوسط.
ويُتيح إمكانية جعل طرطوس منطقة محورية جديدة في التجارة العالمية وجعلها منطقة تجارة حرة ومركز إعادة تصنيع وتصدير في شرق المتوسط على غرار ميناء جبل علي في الإمارات.
إلى جانب إنشاء مناطق جديدة للتجارة الحرة، وإنشاء مناطق صناعية بداخلها تخضع للسوق الحرة، وصولاً إلى الحدود اللبنانية والتركية، وإيجاد فرص عمل جديدة للشباب السوري .
زيادة الحركة التجارية بين سورية ودول العالم بما يعود بالفائدة الاقتصادية الكبيرة على سورية… وتنشيط حركة السفن السورية بما يعود بالفائدة على مالكي السفن ورجال الأعمال السوريين
وسيُتيح افتتاح أفرع لمصارف عالمية وتنشيط الحركة المصرفية في سورية وشرق المتوسط وإيجاد فرص عمل جديدة في هذا القطاع.
وتنشيط عمل أسطول النقل البري وتطويره في داخل سورية وبين سورية والدول المجاورة وتنشيط تجارة الترانزيت إلى هذه الدول، وإيجاد فرص عمل جديدة.
كما يسهم الاستثمار الجديد بتنشيط وتطوير العصب الأساسي في النقل، ألا وهو قطاع النقل بالسكك الحديدية، خاصة وأنه تم ربط ميناءي طرطوس واللاذقية مع المدن السورية بشبكة خطوط حديدية، وتطوير هذه الشبكة وربطها بدول الجوار، وإيجاد فرص عمل جديدة.
إضافة إلى تنشيط عمل ورشات العمل البحرية وعمليات إصلاح السفن وإعادة تأهيلها نتيجة العدد الكبير من السفن التي ستؤم مرفأ طرطوس، وإيجاد فرص عمل جديدة.
ثم تنشيط وجذب العمالة الخارجية للاستثمار في سورية.
ميزات واسعة الطيف
أما في السياق العام فيرى الدكتور سعيد، أن ثمة الكثير من الفوائد العامة، التي تتمثّل بإنشاء شركات تجارية وصناعية جديدة وإيجاد فرص عمل جديدة لاختصاصات الإدارة والحقوق والمصارف.
وإيجاد الكثير من فرص العمل للسوريين وغيرهم في القطاع البحري من قباطنة ومهندسين وبحارة والحاجة الكبيرة لهم نتيجة العدد الكبير من السفن التي يتوقع أن تؤم ميناء طرطوس.
ثمّ إيجاد فرص عمل للشركات العاملة في مجال تأمين السفن وتزويدها بالمؤن الغذائية والوقود وإيجاد الكثير من فرص العمل للعاملين في قطاع المرافئ والنقل البري والسكك الحديدية.
إضافة إلى توفير فرص عمل للمهندسين والعمال العاملين في قطاعات بناء وإصلاح السفن.
إيجاد الكثير من فرص العمل للسوريين وغيرهم في القطاع البحري من قباطنة ومهندسين وبحارة والحاجة الكبيرة لهم بنتيجة العدد الكبير من السفن التي يتوقع أن تؤم ميناء طرطوس…
وتنشيط الحركة السياحية وتحقيق أرباح كبيرة تعود علينا بالنفع العام.
إجراءات مكمّلة
من أجل الوصول إلى نتائج مثلى لاستثمار المرافق الإستراتيجية بشكل يضمن عائدات أفضل، وقبلاً استقطاب رأسمالي أفضل، يقدّم أستاذ بناء السفن جملة مقترحات..
مثل استصدار قوانين استثمار جديدة تتماشى مع متطلبات المرحلة الراهنة وتشجع على جذب الاستثمارات العربية والدولية إلى سورية.. واستصدار قوانين جديدة خاصة بعمل المناطق الحرة وتوسيع المناطق الحرة القديمة وإنشاء مناطق حرة جديدة.. وأيضاً استصدار قوانين جديدة خاصة بعمل المصارف واستحداث مصارف جديدة.
ثم استصدار قوانين جديدة لتسهيل عمليات إنشاء الشركات للمواطنين السوريين والأجانب، وشركات القطاع المشترك. .. مع استصدار قوانين بتسهيل دخول المواطنين العرب والأجانب إلى سورية.
وتوسيع المناطق الحرة القديمة وإنشاء مناطق حرة جديدة، والاستفادة من الشريط الساحلي لإنشاء مناطق حرة بحرية وصولاً إلى حدود كل من لبنان وتركيا.
إلى جانب توسيع وتحديث مرفأ طرطوس والمرافئ السورية الأخرى.. والعمل على إنشاء قاعدة صناعية بحرية، وإنشاء مجموعة من الأحواض الجافة والرطبة لبناء وإصلاح السفن، ما سيعود بفائدة كبيرة على سورية
وتطوير شبكة الخطوط الحديدية وربطها بدول الجوار الصديقة، والعمل على إحياء خط الحجاز.
وإنشاء مطار دولي جديد في طرطوس لتسهيل حركة السياحة والنقل.. مع إنشاء شبكة فنادق حديثة تتماشى مع المتطلبات الحديثة.