عودة التداول في بورصة دمشق.. تغيير كامل في الرؤية الاقتصادية وانتقال سريع يقوم على العدالة والإنصاف وريادة القطاع الخاص

ما يحدث في سوريا تغيير كامل في الرؤية الاقتصادية وانتقال سريع يقوم على العدالة والإنصاف وريادة القطاع الخاص وجذب الاستثمار، و تيسير العمل وبالمقابل انفتاح كبير على فرص استثمارية واعدة”،
هذا العنوان يرتبط بشكل كبير مع عودة التداول في بورصة دمشق
ويمكن القول إّن افتتاح سوق دمشق يوم تاريخي مهم لسوريا، ويعني أنّ سوريا أصبحت متأهبة للعودة وممارسة دورها خلال الفترة القادمة حيث ستكون الاستثمارات أكبر وأوسع في سوريا الجديدة.
مواكبة التطورات
رغم الإمكانات المحدودة، تمكنت القيادة السورية من تنفيذ المطلوب لإنعاش الاقتصاد بشفافية وحفظ ملكية المستثمرين ومواكبة التطورات القادمة.
وجاءت خطوة إعادة التداول إلى سوق دمشق للأوراق المالية لإعلان فصل جديد في تاريخ قطاع الأوراق والأسواق المالية السورية.

وحول سلامة الامتثال ومكافحة عمليات غسل الأموال، أعلنت وزارة المالية إجراءات صارمة لضمان سلامة التداول الذي سيستأنف تدريجياً، وسيقتصر في المرحلة الأولى على ثلاثة أيام في الأسبوع.

سوق الأوراق المالية تفاعل مع القطاع المصرفي وزيادة النشاط بالبنوك وشركات الوساطة المالية

تحفيز النشاط الاقتصادي

ويرى خبراء اقتصاديون أنّ إعادة الافتتاح تهدف إلى تحفيز النشاط الاقتصادي وتنشيط حركة المعاملات المالية، ولاسيما بعد أن تم الشروع بالإعداد لخطة تطوير شاملة لقطاع الأوراق المالية في سوريا.
وكان التداول في السوق قد توقّف بتاريخ 5 كانون الأول 2024، وذلك بسبب الحاجة إلى تقييم الوضع التشغيلي والمالي للشركات المساهمة، واستكمال الإفصاحات حول حجم الأضرار والخسائر التي لحقت بها، إضافة إلى الحد من مخاطر التلاعب وتهريب الأموال.

جذب استثمارات أجنبية يساعد على تحسين الطلب على الليرة السورية وتثبيت سعر الصرف نسبياً

ويرى الخبير الاقتصادي هشام الخياط أنّ العودة لسوق دمشق للأوراق المالية تتيح جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية , كما أنّ عودة التداول تعيد الثقة في الاقتصاد السوري، ما يشجع المستثمرين المحليين والأجانب على ضخ أموالهم في الشركات المدرجة.
– أضف الى ذلك توفير سيولة مالية تحتاجها الشركات لإعادة الإعمار والتوسع.
وأيضاً توفير سيولة للشركات والمستثمرين حيث يسمح سوق الأوراق المالية للشركات بجمع التمويل عبر إصدار أسهم أو سندات جديدة، ما يساعدها على تطوير أعمالها من دون الاعتماد الكلي على القروض المصرفية.
كما يتيح للمستثمرين بيع وشراء الأوراق المالية بسهولة، ما يحفز الحركة الاقتصادية.
وفيما يتلق بتعزيز الشفافية والحوكمة فإن عودة التداول بشكل منظم، تحسن معايير الشفافية والإفصاح المالي للشركات المدرجة، ما يعزز ثقة المستثمرين، و يسهم ذلك في تحسين بيئة الأعمال على المدى الطويل.

تنشيط القطاع المالي والمصرفي

ويلفت خياط إلى أنّ سوق الأوراق المالية يعتمد على التفاعل مع القطاع المصرفي، ما يؤدي إلى زيادة النشاط في البنوك وشركات الوساطة المالية.
و يمكن أن يسهم ذلك في خلق فرص عمل جديدة في القطاع المالي.
ويشير خياط الى إمكانية تحسين قيمة العملة المحلية إذا أدى التداول إلى جذب استثمارات أجنبية، فقد يساعد ذلك في تحسين الطلب على الليرة السورية وتثبيت سعر الصرف نسبياً.

رسائل إلى الأسواق الدولية .. سوريا تستعيد الاستقرار المالي وتفتح الباب لمزيد من التعافي الاقتصادي

وكل ذلك يعطي إشارات إيجابية للاستقرار الاقتصادي
فعودة التداول تُرسل رسالة إلى الأسواق الدولية بأن سوريا تستعيد الاستقرار المالي، وفتح الباب لمزيد من التعافي الاقتصادي.
وبالتالي فإن عودة التداول في سوق دمشق هي بداية لاستعادة الثقة في القطاع المالي وتشجيع الاستثمارات المحلية.
وكان وزير المالية محمد يسر برنية كشف في كلمة ألقاها في الفعالية أن هذه الخطوة رسالة واضحة بأن عجلة الاقتصاد السوري بدأت بالدوران مجدداً، مشيراً إلى أن الحكومة تسير وفق رؤية اقتصادية شاملة ترتكز على مبادئ العدالة وتعزيز دور القطاع الخاص وجذب الاستثمارات، إلى جانب مكافحة الفقر وتوفير فرص العمل.
وأوضح برنية أنّ السوق تتجه نحو التحول إلى شركة خاصة خلال الفترة المقبلة، لتكون منصة فاعلة في تطوير الاقتصاد، بالتوازي مع مواكبة التحول الرقمي في الأسواق المالية، وتهيئة بيئة استثمارية أكثر مرونة تقوم بتمكين القطاع الخاص بدلاً من منافسته، وذلك عبر سياسات محفزة ومشاريع استثمارية واعدة.

محطة تاريخية

من جانبه، قال المدير التنفيذي لسوق دمشق للأوراق المالية باسل أسعد إنّ السوق باتت مهيأة للعودة إلى أداء دورها الطبيعي، في ظل توقعات بتوسع أكبر في حجم الاستثمارات ضمن “سوريا الجديدة”.
وأشار أسعد إلى أن الإدارة رغم محدودية الموارد نجحت في تنفيذ المهام الموكلة إليها بشفافية وحماية حقوق المستثمرين، مؤكداً استعداد السوق لمواكبة التغيرات الاقتصادية والتقنية المرتقبة.
وبشأن الشركات المدرجة في السوق، قال أسعد إن عددها حتى الآن 27 شركة، وعادت منها 14 شركة للتداول، أما الشركات المتبقية فلم تلبِّ متطلبات بسيطة بتقارير الحوكمة أو الإفصاح عن بياناتها المالية، مشيراً إلى أنّ تلك الشركات ستتدارك ذلك خلال وقت قصير وتعود للتداول.
وأضاف أنّ الشركات المدرجة للتداول تعمل في مختلف القطاعات، من القطاع المالي (مصارف وشركات تأمين)، والصناعي، والخدمي كشركات الاتصالات.
وعن حجم التداول في العام الماضي 2024 منذ بداية العام وحتى تاريخ 5 /كانون الأول (آخر أيام التداول)، قال أسعد إنه بلغ نحو 198 مليون سهم، أي ما يعادل تريليون ليرة سورية (90.9 مليار دولار).
وأشار أسعد إلى أنّ السوق عادت للعمل وفق نظام تداول يمتد على 3 أيام في الأسبوع مؤقتاً يتم عبر شركات الوساطة المعتمدة، والبالغ عددها 6 شركات.
ورأى أنه في ظل العودة إلى التداول بعد توقف استمر 6 أشهر تم الأخذ في الحسبان الحاجة إلى تخفيف وتيرة التداول مؤقتاً، ما يمنح المستثمرين الوقت الكافي لاستيعاب التغيرات وفهم تأثيرها على أسعار الأسهم، وذلك بهدف ضمان استقرار السوق، على أن يعود العمل بالنظام المعتاد (5 أيام تداول في الأسبوع) بعد تهيئة الظروف المناسبة.
وتقرر تعليق الصفقات خارج المقصورة لمدة شهر، في إطار سعي الإدارة لضمان أعلى درجات الشفافية والرقابة، ولاسيما أن تتبع هذا النوع من العمليات يكون أكثر صعوبة، وفق أسعد الذي أكد أن هذا الإجراء مؤقت، وقد يعاد النظر فيه خلال فترة قريبة تبعاً لظروف السوق.

آلية التداول

وأوضح أسعد أنّ آلية التداول في البورصة تشمل عمليات داخل المقصورة عبر الشاشات، إضافة إلى وجود ما يعرف بـ”الصفقات الضخمة أو التداولات خارج المقصورة”، والتي غالباً ما تبرم باتفاق مباشر بين البائع والمشتري خارج القنوات المعتادة، مع تسويات مالية موازية.
وأوضح أن عودة الشركات المساهمة إلى التداول ارتبطت بمدى التزامها بالمعايير المطلوبة، مثل الإفصاح عن البيانات المالية النهائية للعام الماضي، وتحديث تقارير الحوكمة، والإفصاح عن قوائم كبار المساهمين، وهو ما التزمت به أغلبية الشركات، في حين تعمل بعض الجهات على استكمال المتطلبات خلال فترة قصيرة.
وفيما يتعلق بالإجراءات المتخذة لعدم السماح للمجرمين باستغلال بورصة دمشق، أشار أسعد إلى أنّ أجهزة الدولة قامت بالكثير من الإجراءات الفنية والقانونية الدقيقة قبل إعادة التداول، وشملت التحقق من امتثال المساهمين لحقوق الملكية، ما يضمن نزاهة العمليات ويؤمّن مناخاً قانونياً مناسباً، ومن أن المالكين هم من المستثمرين الذين لا غبار على سلوكهم.
وأوضح أسعد أنّ السوق اليوم تجد نفسها أمام واقع اقتصادي يتجه إلى مزيد من الانفتاح، مدفوعاً برغبة قوية من المستثمرين المحليين والخارجيين بالمساهمة في عملية إعادة البناء والتنمية في سوريا.
وأشار إلى أنّ الشركات المساهمة العامة توفر بيئة مثالية للاستثمار الآمن، نظراً لما تقدمه من ضوابط حوكمة وشفافية وإدارة تشاركية، مؤكداً أنّ السوق مستعدة لاستقبال أي شركة تستوفي شروط الإدراج وترغب في دخول هذا المسار.

أدوار اقتصادية مهمة

من جهته، رأى الخبير الاقتصادي والمصرفي السوري نبال نجمة أن إعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية خطوة مهمة تندرج ضمن عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل الذي تشهده سوريا مؤخراً.
وقال نجمة في تعليق إنّ عملية الإصلاح الاقتصادي هذه حققت تقدماً ملحوظاً من خلال الاستعانة بكفاءات مالية واقتصادية لإدارة الوزارات المعنية والمواقع الاقتصادية الحساسة في سوريا، ومن خلال الجهد سياسي الذي أدى إلى رفع العقوبات عنها لتتعامل مع العالم بشكل نظامي وطبيعي وضمن قنوات مالية معترف بها.
وأوضح أن لإعادة التداول في هذا التوقيت دلالات اقتصادية عديدة، معتبراً أنها خطوة تعزز الثقة بالاقتصاد السوري.

وبشأن الأدوار الاقتصادية التي يمكن لسوق دمشق للأوراق المالية أن تلعبها في المرحلة المقبلة، يرى الخبير أنها تتمثل بـ3 مستويات أساسية:
تأمين قنوات تمويلية للشركات المدرجة في السوق المالية: فعمليات الطرح العام تؤدي إلى رفد خزينة هذه الشركات بالأموال اللازمة لنموها التجاري.
المستوى الاستثماري: فالتداول والاستثمار في السوق المالية قد يتيحان فرصاً استثمارية جديدة للمتعاملين الاقتصاديين، ويؤدي هذا إلى إمكانية الاستثمار في أصول جديدة.
قرارات استثمارية شجاعة: الشركات المدرجة في السوق المالية عليها أن تستوفي الكثير من الشروط وأن تستجيب لمتطلبات الحوكمة المتعارف عليها عالمياً، وذلك يسمح للمتعامل الاقتصادي باتخاذ قرارات استثمارية شجاعة، ويؤدي إلى تعزيز الشفافية وتحفيز الاستثمار وخلق السيولة في السوق المالية، وبالتالي في الاقتصاد السوري ككل.
ويشير الخبير إلى أنه لا بدّ لهذه الخطوة أن تترافق مع مجموعة من الخطوات الأخرى التي من شأنها أن تسهم في زيادة الإنتاج وتخفيض البطالة وتحقيق الاستقرار النقدي في سوريا، لأن ذلك هو ما ينعكس بصورة فعلية على المستوى المعيشي للسوريين، ويؤدي على المدى البعيد إلى تحقيق الاستقرار السياسي والوطني.

ويأتي افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية ضمن إطار جهود الحكومة لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وتعزيز ثقة المستثمرين في البيئة الاقتصادية بعد سنوات من الدمار الذي ألحقته الحرب وسياسات النظام البائد بالبنى التحتية والقطاعات الاقتصادية والمالية.
يذكر أن سوق دمشق للأوراق المالية انطلقت لأول مرة في عام 2009، لكن أداءها تأثر بشكل كبير خلال السنوات الماضية نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية، إلى جانب العقوبات الغربية والتوقفات المتكررة للتداول لأسباب تنظيمية وتقنية.

شارك