شريان الحياة للاقتصاد السوري … 70 بالمئة من الأسر السورية يعتمدون على التحويلات المالية

الحرية – سناء عبد الرحمن:

تعد التحويلات المالية من المغتربين واحدة من أبرز مصادر الدعم الاقتصادي في سوريا في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعيشها البلاد، هذه التحويلات لم تعد مجرد أداة لتحسين مستوى المعيشة أو تلبية احتياجات اقتصادية عابرة، بل أصبحت تشكل شريان الحياة للكثير من الأسر السورية التي تعتمد على هذه الأموال بشكل رئيسي في تلبية احتياجاتها اليومية.
وقد تحوّلت هذه التحويلات إلى عامل رئيسي في استدامة الاقتصاد المحلي، وأدت إلى تغييرات جذرية في طرق وآليات إرسال واستقبال الأموال.

في حديثه لـ”الحرية” ، أوضح الدكتور وجد رفيق الصائغ، مدرس في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا في جامعة اللاذقية، عن أبرز الفروقات التي طرأت على الحوالات المالية من المغتربين بين الفترات السابقة والفترة الحالية، كما تناول الدكتور الصائغ التحولات التي شهدتها هذه العملية نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية، وكيف يمكن للدولة أن تستثمر هذه التحويلات في سياستها المالية والاقتصادية.

يبدأ الدكتور الصائغ حديثه بالقول إن الحوالات المالية شكلت ظاهرة بالغة الأهمية في سوريا خاصة بعد بداية الثورة في العام 2011 فعلى الرغم من وجود حوالات مالية من المغتربين السوريين إلى أسرهم قبل الثورة، إلا أن هذه الحوالات لم تشكل جزءاً مهماً من موارد النقد الأجنبي، وكانت تُرسل بشكل رئيسي عبر قنوات رسمية مثل البنوك وشركات الصرافة المرخصة.

قبل الثورة، كانت الحوالات المالية وفقاً للصائغ، رغم وجودها، تقتصر على بعض الشرائح من المغتربين السوريين في دول الخليج، ولم تتعدَّ نسبة كبيرة من موارد النقد الأجنبي. وكانت تتم غالباً عبر القنوات الرسمية والمصارف المرخصة.
ومنذ اندلاع الثورة عام 2011، تغيّرت الصورة تماماً، فقد أدت الحرب والدمار والانهيار الاقتصادي إلى موجة هجرة واسعة شملت جميع شرائح المجتمع السوري، من الكفاءات والمتعلمين إلى العمال البسطاء وأصحاب رؤوس الأموال، وأصبحت التحويلات المالية من المغتربين شريان حياة لملايين الأسر التي تعتمد عليها في تلبية احتياجاتها اليومية، وفقاً للتقديرات، فإن أكثر من 70% من الأسر السورية أصبحوا يعتمدون بشكل مباشر على هذه التحويلات كمصدر أساسي لدخلهم.

اقتصاد النجاة

يتابع الدكتور الصائغ قائلاً: إن التحويلات المالية لم تعد مجرد دعم إضافي، بل تحولت إلى مصدر حيوي لبقاء الأسر السورية في ظل الأزمة، حيث انخفضت الحوالات ذات الطابع الاستثماري مثل شراء العقارات أو إقامة المشاريع، في حين زادت الحوالات المعيشية الطارئة التي تذهب لتغطية نفقات السكن، الغذاء، الدواء والتعليم. كما أشار إلى أن هذه الحوالات أصبحت غالباً أصغر حجماً وأكثر انتظاماً.

تأثير الحرب والعقوبات

أحد أهم التحولات التي حدثت هو تأثير الحرب والعقوبات الاقتصادية على آلية التحويلات، فقد أدى قانون قيصر والعقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام السابق، إلى عزلة شبه تامة للنظام المالي السوري عن الأنظمة المالية الدولية، هذا العزل منع السوريين من استقبال الحوالات عبر القنوات الرسمية مثل SWIFT، ما دفعهم إلى الاعتماد بشكل أكبر على القنوات غير الرسمية، وحوالي 10% إلى 50% من التحويلات تتم عبر طرق غير رسمية، والتي غالباً ما تكون خارج نطاق الرقابة.

تراجع قيمة الليرة وارتفاع الفجوة

كما أشار د.الصايغ انه مع تراجع قيمة الليرة السورية وارتفاع أسعار الدولار في السوق السوداء، أُجبرت شركات الصرافة على تسليم الحوالات بالليرة السورية فقط، وبأسعار رسمية تقل كثيراً عن سعر السوق الموازي، هذا الفارق الكبير بين السعر الرسمي وسعر السوق جعل العديد من السوريين يلجؤون إلى السوق غير النظامية للحصول على قيمة أفضل لحوالاتهم، الأمر الذي دفع الدولة إلى السماح بالتعامل بالدولار واليورو في بعض الحالات، ما ساعد في تسهيل الحوالات في السنوات الأخيرة.

الربط بنظام مصرفي

يرى د. الصائغ أن الدولة السورية يمكنها استثمار هذه التحويلات ضمن سياساتها الاقتصادية من خلال ربطها بنظام مصرفي شفاف، وقدّم بعض المقترحات التي يمكن أن تسهم في تحفيز استخدام القنوات الرسمية للحوالات، مثل تسهيل فتح الحسابات بالعملات الأجنبية والسماح بسحبها أو تحويلها بحرية نسبية، الأمر الذي قد يشجع المغتربين على إرسال الأموال عبر القنوات الرسمية، بالإضافة إلى ذلك، شدد على ضرورة إعادة الثقة في المؤسسات المالية عبر تعزيز الشفافية في إدارة سعر الصرف وضمان عدم مصادرة أو تأخير الحوالات.

كما أشار إلى أهمية التعاون مع الدول التي تضم جاليات سورية كبيرة، من خلال توقيع مذكرات تفاهم لتسهيل التحويلات عبر البنوك أو شركات تحويل معتمدة، ما يسهم في تقليل الاعتماد على القنوات غير الرسمية.

مصدر حيوي

أصبحت التحويلات المالية من المغتربين جزءاً لا يتجزأ من الاقتصاد السوري، ولها تأثيرات كبيرة على بقاء الأسر السورية في مواجهة الأزمات المتعددة، مع التحديات التي يواجهها النظام المالي السوري، تبقى الحوالات المالية هي المصدر الحيوي الذي يساعد في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية.
لذا فإن تبني سياسات اقتصادية تشجع على استخدام القنوات الرسمية في إرسال واستقبال الحوالات يمكن أن يكون خطوة مهمة نحو إعادة هيكلة الاقتصاد السوري في هذه المرحلة الحرجة.

شارك