يأتي إصدار المرسوم رقم (263) لعام 2025، القاضي بتشكيل اللجنة الوطنية العليا للاستيراد والتصدير، كجهة مسؤولة عن إقرار السماح والمنع لاستيراد وتصدير السلع الوطنية والأجنبية المنشأ، ودراسة وإقرار مقترحات السماح أو المنع بإدخال البضائع والمنتجات إلى البلاد، وإقرار إدراج أو رفع المواد من القائمة السلبية للاستيراد أو التصدير، إضافة إلى إصدار القرارات التفسيرية المتعلقة بالسياسة الاقتصادية في هذا المجال، كخطوة تنفيذية وإدارية حاسمة في ملف الصادرات والواردات.
استقلالية مالية وإدارية
الدكتور ذو الفقار عبود أستاذ العلاقات الدولية في كلية الاقتصاد بجامعة اللاذقية بينّ لـ”الحرية” أن هذه اللجنة ستكون ذات دور هام في إدارة الاقتصاد الوطني ودمجه بالاقتصاد الدولي، موضحاً أن صدور هذا المرسوم يأتي بالتزامن مع صدور المرسوم رقم (244) لعام 2025، القاضي بإحداث الهيئة العامة للمنافذ والجمارك، لإعادة تنظيم وإدارة المنافذ والجمارك عبر مؤسسة مركزية واحدة، تُمنح صلاحيات واسعة في إدارة هذا القطاع، وفق ما أتاحه المرسوم من استقلالية مالية وإدارية.
صعوبات عدة ومنعكسات إيجابية
وأضاف ذو الفقار إن اللجنة الوطنية للاستيراد والتصدير، ستعمل تحت إشراف الحكومة وبالتشاركية والتعاون والتنسيق الدائم معها، في تذليل الصعوبات بما ينعكس إيجاباً على تسهيل العمل التجاري، وسوف تكون جسر التواصل بين قطاع التجارة الخارجية والحكومة، لنقل الحقائق على الأرض والتعاون والمشاركة مع الوزارات والجهات المعنية، وبالتالي توفير السلع الأساسية بالكميات المناسبة والجودة الأفضل والسعر الأنسب للمواطنين في ظل التحولات الاقتصادية نحو الاقتصاد الحر ومحاربة الفساد واقتصاد الظل بأشكاله كافةً.

كما أن اللجنة سوف تتابع موضوعات التجارة الخارجية المتعلقة بالصادرات أو الواردات، والصعوبات التي تواجهها مثل الشحن والنقل والجمارك، وإجازات الاستيراد، الأمر الذي سينهي حالة ازدواجية المرجعيات بالنسبة للاستيراد والتصدير، وسيكون لذلك نتائج إيجابية تتمثل بتخفيض أسعار السلع المستوردة، نتيجة توحيد التعرفة الجمركية والرسوم الأخرى، كما أن اللجنة سوف تضطلع بمسؤولية المتابعة الدائمة مع القطاع التجاري والوقوف على أهم الصعوبات والمشكلات التي تواجه التجار، والاطلاع على أي أفكار أو مقترحات ذات أثر إيجابي، لتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير، وفق الأنظمة والقوانين الوطنية.
لذلك فإن تشكيل اللجنة هو خطوة ضرورية لمسار تعافي الاقتصاد السوري، ويشكل نقطة تحوّل مهمة في مسار التعافي، خصوصاً أنه يأتي بعد 14 عاماً من الحرب.
المرسوم يتيح فرصاً واعدة وينشط الحركة الاقتصادية
وأشار ذو الفقار إلى أن مرسوم تشكيل اللجنة لا يمكن فصله عن حزمة الإجراءات الاقتصادية الأوسع، التي شملت إعادة التعامل النقدي مع سوريا وفتح قنوات نظام السويفت، وهو ما يتيح فرصاً واعدة لإعادة الإعمار وتنشيط الحركة الاقتصادية.
كما أن المرسوم سيؤدي إلى خفض تكاليف الاستيراد وتسهيل تدفق سلاسل الإمداد، فضلاً عن تنشيط قطاعات حيوية واستراتيجية ولا سيما قطاعات الاتصالات والطاقة والمياه والطيران المدني والخدمات اللوجستية، وهذا من شأنه تعزيز الإنتاجية وجذب الاستثمارات وزيادة تدفقات التمويل.خطوة لدمج الاقتصاد السوري بالأسواق العالمية
وكشف الدكتور ذو الفقار أن الأثر الإيجابي لن يأتي دفعة واحدة وإنما سوف يكون تدريجياً، وقد يكون بطيئاً ومرتبطاً بمدى الالتزام بالحوكمة والشفافية وتحسن الاستقرار، لأن القطاعات المستفيدة، هي قطاعات ذات حساسية كبيرة للبيئة الاقتصادية، والتي من أبرزها تطوير البنية التحتية والسماح باستيراد التجهيزات والآليات الصناعية المتطورة التي كانت محظورة.
كذلك فإن القطاعات الأكثر استفادة من مرسوم تشكيل اللجنة ستكون تلك المتصلة بالتكنولوجيا وتطوير البنية التحتية، يليها القطاع الصناعي الذي سيتاح له استيراد معدات متطورة مع خدمات الصيانة والتحديث من الشركات المصدّرة بشكل مباشر، إضافةً إلى قطاع الطاقة، والقطاع الزراعي عبر استيراد تقنيات جديدة في مجالات الري وتطوير البذور، لكن الصناعة ستبقى المستفيد الأكبر، إذ إن المرحلة المقبلة ستمنحها تقنيات مستوردة قابلة للتجديد والتطوير.
أخيراً، يمكن القول إن المرسوم يشكل خطوة كبيرة نحو إعادة دمج الاقتصاد السوري بالأسواق العالمية عبر تخفيف قيود الاستيراد وخفض تكلفة الإعمار وجذب الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية، وهو بداية مسار إصلاحي طويل يتكامل مع جهود مصرف سوريا المركزي لتنظيم عمل المصارف ودمجها مع النظام المالي العالمي، بشرط الالتزام بالمعايير الدولية للشفافية ومكافحة غسل الأموال والرفع الكامل للعقوبات الدولية لاستعادة قنوات التمويل والتحويل، بالتزامن مع سلسلة إجراءات تهدف إلى إصلاح مالي ونقدي شامل، بما يشمل إعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي، وتهيئة المناخ لعودة الاستثمارات وربط الاقتصاد السوري تدريجياً بالنظام المالي العالمي.
