مازالت السوق التأمينية غير واضحة الملامح، وتشوبها الكثير من الإشكاليات لجهة القرارات اللازمة لترتيب بيتها الداخلي، وتفعيل دورها في تقديم خدماتها بالشكل الأمثل، أو تنشيط دورها في رفد الاقتصاد الوطني، وعلى الرغم من مرور عقد ونيف من الزمن على نشوئها، وتصدرها أولويات الحكومة في كافة خططها وبرامجها، وتقديم الدعم اللازم لها، إلا أن الإشكالية تكمن بمحورين: الأول يتمثل ببطء إيقاع الخطوات المتخذة لتصويب المسار، وبالتالي هدر المزيد من الوقت الذي يمكننا استثماره للنهوض بأحد أهم القطاعات، والثاني يتمثل بأفكار وأداء شركات التأمين والجهات المعنية بها التي دخلت في نمطية الأداء الملحوظ من خلال متابعة نشاط الشركات التي لم تخرج من عباءة التقليد، والاكتفاء بجمع الأرباح على حساب تقديم الخدمة اللازمة المناسبة، وما يكتنفها من تجاوزات وتقصير بحق من انتمى إلى أسرة التأمين.
كل ذلك في وقت تم اعتماد الحلول الجزئية لثغرات العمل، وترميم بعض الهفوات بإنجاز قرارات جزئية عاجزة عن رسم رؤية شاملة عن الواقع، وبالتالي ربط تأخر دورها في الاقتصاد بمحور آخر وهو غياب الوعي التأميني لتخرج من دائرة اللوم، كما لو أنها غير مسؤولة عن الترويج والتسويق لمنتجات من المفترض أن تكون مطلباً ملحاً لأفراد المجتمع.
يبدو أن الإشكالية الأساسية تكمن في غياب المختص عن موقع إصدار القرار، بحسب رأي الخبير التأميني سامر العش، إذ من المفترض، من وجهة نظره، تحرير قطاع التأمين بشكل كامل كما يعامل في دول العالم كونه علماً اختصاصياً، ويُعطى القائمون عليه كامل الثقة، وليست محصورة بتسليمه دفة القيادة في الإدارة فقط وحجبها عنه لدى تقديم الآراء والمقترحات الضرورية لصيرورة عمل التأمين، وبالتالي يجب فسح المجال لتطبيق رؤيته وأفكاره، وبالتالي تأتي المحاسبة على النتائج فقط، ولكن ما يحدث اليوم في سوق التأمين هو وضع القرار بأيد غير مختصة، أو تفويض عضو لجنة غير ملم بهذا العلم لتقييم الطروحات والمقترحات وإبداء الرأي، إذ لطالما رُفعت مقترحات هامة ومرحلية لاستصدار قرار عاجل لمعالجة إخفاق معين أو تصحيح مسار، ولكن عولجت بالإهمال أو التريث ريثما يتسنى لمتخذ القرار الإلمام بمبادئ عمل التأمين واحتياجاته، ومن ثم إصدار القرار بالشكل المطروح أو تعديله بما يتناسب مع كمية المعلومات التي جمعها عبر سبل مختلفة، “تعديل بوليصة التأمين للموظفين” خير مثال على ذلك، كونها منجزة منذ وقت طويل ولم تصدر، وغيرها الكثير.
هدر الوقت
من جهة أخرى لم تتمخض التغيرات الحالية في مفاصل عمل التأمين، سواء لدى هيئة الإشراف على التأمين أم لدى المؤسسة السورية للتأمين، عن نتائج تذكر بالرغم من أهمية الوقت، مكتفين بالامتناع عن تقديم أية معلومة أو تصريح عما يحملونه من رؤى ومقترحات من شأنها النهوض بواقع التأمين، بذريعة عدم الإفصاح عن مخططاتهم لحين ترجمتها على أرض الواقع، ومن حيث المبدأ فإن الأعمال مرهونة بالنتائج، ولكن يبدو أن عامل الوقت لم يؤخذ على محمل الجد، لاسيما أن ما يحتاجه سوق التأمين بات واضحاً جلياً، ورغم متابعتنا لكافة مفاصل إدارته الجديدة، لم نحصل على معلومات جديدة، بل كرّست اللقاءات لترويج المهارات الشخصية.
هاجس البقاء
في المقلب الآخر تبدو شركات التأمين مكتفية بما تقوم به، متخذة من ظروف البلد شماعة لتعليق ضعف أدائها ودورها، والتأكيد على أن توسيع نشاطاتها يتطلب بيئة آمنة، بينما تؤكد المفاهيم التأمينية عالمياً على ازدهار عملها في المخاطر والأزمات، ويبدو هاجسها الوحيد هو البقاء والحفاظ على وجودها وممتلكاتها ورؤوس أموالها، وحسب رأي مدير شركة العربية للتأمين باسل عبود فإن شركات التأمين تحمي الاقتصاد من خلال حمايتها للممتلكات العامة والخاصة كونه الدور الأساسي الذي أنشئت من أجله، أما الشق الاستثماري فيبدو غير وارد التفكير فيه ضمن الظروف الراهنة كونه يحمل مخاطر كبيرة على أموال شركات التأمين، وتخضع آلية الاستثمار لنواظم وأسس يجب توافرها لحماية أموال الهدف من وجودها حماية المخاطر، ما يشي بأن شركات التأمين لن تقدم أكثر مما تقدمه اليوم، وليست في وارد البحث عن آليات جديدة لرفد الاقتصاد والوقوف معه في وجه التغيرات الاقتصادية والتضخم الحالي، ورغم وجود البدائل لمعوقات عرقلت مسار التأمين خلال الظروف الحالية كإعادة التأمين والتحويلات المالية المتعثرة نتيجة الحصار الاقتصادي، إلا أن عبود أكد أن البدائل تتطلب جوانب فنية وتقنية، وتستلزم دراسات فنية دقيقة وتطبيقاً مثالياً، وبالتالي فهي ليست “وصفة جاهزة” للتطبيق.
البعث