بعد 13 عاماً على إعلان المؤسسة العامة للإسكان عن فتح باب الاكتتاب على /22133/ مسكناً عمالياً في جميع المحافظات، بلغ عدد المكتتبين في حينها عام 2008 بعد حذف المنسحبين/17352/ مكتتباً، تم تخصيص /6814/ مكتتباً حتى اليوم والتخصيص لا يعني الاستلام، والأرقام بلغة التنفيذ، والتعثر يعني أن السكن الاجتماعي دخل في النفق المظلم، وخاصة مع الارتفاع الجنوني في الأسعار وما خلفته من مشاكل ارتفاع تكاليف التنفيذ بشكل كبير وتعثر العقود المبرمة وتباطؤ العمل.
بيت العمر في القبر
العمال الذين اكتتبوا في عام 2008 على بيت العمر كانت أعمارهم 30 عاماً، واليوم بعد 13 عاماً نصفهم لم يستلم وبحاجة إلى زمن لا يُعلم مداه، وإذا فرضنا أن المدة المنتظرة لاستلام الشقق تشابه الزمن الذي مضى ولن نقول أكثر فنحن بحاجة إلى ربع قرن للحصول على مسكن وبالتالي يكون العامل على حافة قبره وفي نهاية عمره إذا كتب اللـه له العمر ليسكن في البيت، والكثير من العمال غادروا الحياة الدنيا ولم يسكنوا بيت العمر.
واليوم مع الارتفاعات المتتالية في أسعار المساكن راتب العامل مدة حياته الوظيفية غير كافٍ لشراء غرفة، وليس منزلاً حسب الأرقام الرائجة في الأسواق اليوم.
بارقة أمل
البرنامج التمويلي للسكن الاجتماعي تخلخلت موازينه نتيجة تعثره حتى جاء مرسوم السيد الرئيس القاضي بالسماح لوزارة المالية صندوق الدين العام منح المؤسسة قرضاً سنوياً بما لا يتجاوز خمسة مليارات ليرة، بفائدة 1 بالمئة لتنفيذ مساكن العاملين، ترصد في الموازنة الاستثمارية السنوية للمؤسسة، حيث أعطى المرسوم بارقة أمل لخروج المشروع من النفق المظلم إلى النور ولو بعد حين.
والقرض السنوي الجديد بحسب المدير العام للمؤسسة العامة للإسكان المهندس مازن اللحام في تصريحه لـ«الوطن» سيعيد التوازن إلى البرنامج التمويلي للسكن الاجتماعي، وسينعكس إيجاباً على عمل المؤسسة في تخفيف العبء التمويلي التي تواجهه في تنفيذ مشاريعها الأخرى في ظل الارتفاع الكبير والمتزايد في تكاليف التنفيذ، وخاصة أمام خيارات التمويل القائمة والمحدودة اليوم، من مدفوعات المكتتبـين دفعة نقدية أولى 75 ألف ليرة، وأقساط شهرية كانت 3000 ليرة تم رفعها إلى 5000 مع بداية العام الحالي للمشاريع الجاري تنفيذها خلال فترة الاكتتاب، وتستمر بعد التخصيص لحين إبرام عقد مع المؤسسة، والتمويل الحكومي من صندوق الدين العام وتمويل ذاتي وبقروض من موازنة السكن الشعبي لدى المؤسسة.
ومن جهة ثانية بيّن اللحام: نحن مهتمون لإقامة تعاون مع العديد من الدول لتنفيذ مشاريع المؤسسة، والمساهمة في إعادة إعمار للمشاريع المتضررة، وتم توقيع مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون وتبادل المعلومات، وبحسب مصادر «الوطن» هناك بعض العروض التي تقدمت للمؤسسة لكن على ما يبدو أن هذا النوع من الاستثمار بحاجة إلى إطار تشريعي أوسع.
واقع تنفيذ المساكن العمالية
وبحسب أرقام المؤسسة الرسمية جداً اطلعت عليها «الوطن» يتم حالياً تنفيذ 1640 مسكناً في ضاحية عدرا العمالية، و1170 مسكناً في سوق الجمعة بحلب، و430 مسكناً كانت قيد الإنجاز في محافظات القنيطرة والرقة والحسكة توقفت نتيجة الظروف الراهنة، وباقي المساكن قيد الدراسة، والتي يبلغ عددها بحدود 7300 مسكن، فإذاً هي بحاجة إلى مدة تنفيذ مماثلة للمساكن التي تم تنفيذها تكون محصلة عمل مؤسسة الإسكان في السكن الاجتماعي في سورية بحاجة إلى 26 عاماً لتنفيذ مشروع اكتتاب واحد.
واليوم لو حاولت المؤسسة – وهو مطلب مهم جداً وضروري- العمل على تعويض العمال عن هذه السنوات العجاف التي عاشوها بميزة منحهم سكناً اجتماعياً، والفكرة ليست بالمعجزة كون الأراضي متوافرة والشركات الاستثمارية راغبة بالاستثمار، فقط الأمر بحاجة إلى تدوير الزوايا والنظر إلى مصلحة هذه الشريحة في الدرجة الأولى.
عدرا العمالية نموذج.. من يعرقل تكراره؟
مدينة عدرا العمالية نموذج مدينة متكامل في تنظيمه الهندسي يحتاج إلى بعض اللمسات والاستثمارات، لكنه على الرغم من قربه من المعامل والمصانع والتلوث البيئي والمساحة الواسعة القابلة للاستثمار إلا أن المؤسسة على ما يبدو غرقت في متاهات ليس أقلها مشكلة الصرف الصحي في توسع المدينة، وما تعرضت له من أضرار جراء الإرهاب، ومن أولويات المؤسسة بحسب اللحام إعادة تأهيل المشاريع المتضررة ومتابعة تنفيذ المشاريع القائمة والمباشرة بمشاريع جديدة لكن لماذا لا تعمم هذه المدينة في المحافظات؟ سؤال يطرح منذ زمن دون جواب.
آلية تخمين العقارات
المؤسسة تقوم بتحديد القيمة لتكلفة المتر عند الاكتتاب كقيمة تقريبية على أن يتم تحديد القيمة الفعلية وعند انتهاء التنفيذ تشكل التكلفة الحقيقية، وهنا السؤال: إذا كانت المؤسسة تعمل ولو بربح بسيط ما الذي يمنعها من تخديم أكبر شريحة ممكنة من العمال بسكن اجتماعي، والانتهاء من ظاهرة السكن العشوائي، وتحقيق استقرار العامل في منشأته ومعمله؟ أسئلة بريئة تبحث عن إجابات.
المؤسسة تخمن العقارات – بحسب اللحام- وفق قيمة الأراضي المخصصة للمشروع، وتكلفــة المرافق والموقع العام، والدراسات الخاصة بالمشروع، وتكاليف تنفيذ الأعمال اللازمة، وتكاليف تشييد الهيكل والإكساء، وتكاليـف عقـود الإشـراف، وأي نفقـات أخـرى مـن نفقات إدارية وفوائد التمويل، وأرباح بنسبة 15 بالمئة، ويتم التخمين النهائي في ضوء التكاليف الفعلية، ما يعني أن التضخم الحاصل سيحصل بطريقة أو أخرى من جيوب العمال، فلمـاذا التعثـر ومــن المســؤول عن هذا التعثر، والتضـخم الــذي وقــع علــى رؤوس المكتتبــين؟ لسان حالهم يقول فمن يسمعهم؟
عقبات أمام المؤسسة
واعترضت سير تنفيذ مشروع السكن العمالي صعوبات كبيرة بحسب وجهة نظر المؤسسة كما يقول مديرها العام أدت إلى التأخير بتنفيذ المســاكن وتســليمها أهمها:
ارتفاع تكاليف التنفيذ بشكل كبير من جراء الزيادات الطارئة على أسعار المواد والمحروقات وأجور اليد العاملة، وصدور البلاغات والقرارات المتتالية بشأنها، ومعالجة أوضاع بعض العقود المتعثرة المبرمة مع عدد من المقاولين، ولجوء المؤســســة إلى سحب الأعمال والتنفيذ على حساب المتعهد أصــولاً وإشــغال عدد كبير من مساكن المشروع والمحلات والمباني التجارية العائدة للمؤسسة في العديد من المحافظات، من قبل المواطنين المهجّــرين من مناطق ساخنة، الأمر الذي نتج عنه التأخر في تسليم واســتثمار هــذه المساكن والمحــلات والمبــاني التجارية في مواقـع هــذه المشــاريع، عدا عن التكاليف الإضافيــة اللازمــة لإعــادة تأهيلها وتباطؤ العمل بسبب الأوضاع الراهنة والتي أثرت بشكل كبير على وتيرة العمل في العقود المتعاقد على تنفيذها في العديد من المناطق، أمــا في المناطق الساخنة فتوقف فيها العمل بشكل كامل، وتسعى المؤسسة لمعالجة وإزالــة كل ما يعــوق ذلك لضمان الوفاء بجميع التزاماتها السابقة تجاه المكتتبين على مشاريعها.
الاستثمار الذكي
الدكتور المهندس باسم علي الأســتاذ الجامعــي يرى أن المشكلة الأساسية في تعثر السكن الاجتماعي هي التمويل من جهة، وغياب التشريعات الرشيقة التي تسمح لمؤسسة الإســكان التفكيــر في مشاريع غير تقليدية، والعمل علــى إنشاء أبنيـــة واســتثمارها ضمن صيغ تشــاركية وتأمين سكن بأجــر مقبول للفئات غير القادرة على السكن كما هو واقع الشباب اليوم.
ودعا الدكتور علي وزارة الإسكان إلى العمل بالتشاركية مع الشركات الاستثمارية والإسراع في حل ملف السكن الاجتماعي العالق منذ 13 عاماً، وتغيير منصة القوانين التي تعمل عليها لتأخذ دورها الريادي في إدارة المشاريع وقيادتها بدلاً من الغوص في التفاصيل وملاحق العقود.
وبيّن الدكتور علي أن المرحلة القادمة مهمة جداً لجهة الدور الكبير للإسكان في مرحلة إعادة الإعمار، والمطلوب منها الخروج من العقلية التقليدية إلى الاستثمار الذكي، والتفكير بوضع القوانين المرنة التي تتيح لها العمل بالتشارك مع القطاع الخاص، والشركات الصديقة دون تضييع الفرص المعروضة عليها.
اليوم السكن الاجتماعي هو الملاذ الآمن والوحيد الباقي أمام الراغبين بالحصول على سكن، فهل تنتقل المؤسسة إلى الاستثمار الذكي وتقيم شراكات من شأنها التغلب على معوقات ضعف التمويل وإسكان أكبر عدد ممكن من المواطنين أم سنبقى ندور في دائرة العزم وإلقاء التهم على الظروف والأزمة؟
الوطن