رغم المطالبات المتكررة والوعود بمعالجته، لا يزال ملف تأمين المتقاعدين صحياً في خانة الانتظار، ويبدو أن الظروف الاقتصادية والصحية الراهنة التي تشكل تحدياً كبيراً أمام كافة شرائح المجتمع بشكل عام، وشريحة المتقاعدين بشكل خاص، لم ترتق بملفهم إلى مستوى ضرورة المعالجة الفورية، وإدراجهم تحت مظلة التأمين الصحي، ولاسيما بارتفاع الخطر الصحي المرتبط بأعمارهم، وترك الأمر للتأمين الاختياري المكلف والمرهق، ولاشك أن التأمين الصحي برمته بحاجة إلى تعديل وتصحيح، إلا أن متطلبات المتقاعدين الصحية يمكن اعتبارها في رأس الهرم إنسانياً واجتماعياً، لاسيما بعد تسخير خبراتهم وجهدهم في وظائفهم، ورغم محاولات البعض بالانضمام إلى التأمين الصحي بشكل فردي، إلا أن المسار طويل ويتطلب دفعات مالية لا تتناسب مع دخولهم الشهرية الضعيفة، إذ تبلغ قيمة بوليصة التأمين للمؤمن المتقاعد في شركات التأمين الخاصة مبلغ 200 ألف ليرة فما فوق سنوياً، إلى جانب سلسة من الإجراءات المرهقة صحياً ومادياً لاختيار الشركة الأفضل والتعاقد معها، لاسيما وأن شركات الإدارة الطبية ومقدمي الخدمات يشوب عملها الكثير من الإشكاليات، كاعتذار مقدمي الخدمة من الصيادلة عن تغطية أنواع من الأدوية منها المسكنات والفيتامينات اللازمة لهم، أو من الأطباء والمشافي عن تقديم الخدمة رغم انضمامهم لشبكة التأمين، بالتوازي مع رحلة البحث المضي عمن يتعامل مع شركات التأمين.
قانون ولكن..
ورغم أن فصل المتقاعدين عن مظلة التأمين الصحي التي واكبتهم خلال فترة عملهم قانونياً بحسب المرسوم 45 لعام 2009 كونه ينص على تأمين الموظفين الذين على رأس عملهم، إلا أنها تعتبر إشكالية إنسانية تتعلق بازدياد حاجتهم للتغطيات الصحية، ورغم تأكيد مدير عام هيئة الإشراف على التأمين الدكتور رافد محمد على لحظها في عمل الهيئة ودراساتها المتعلقة بمعالجة ملف التامين الصحي بشكل استراتيجي، إلا أنه نفى وجود قرارات قريبة بهذا الملف، وبين محمد أن المرسوم رقم 46 لعام 2011 نص على تأمين المتقاعدين صحياً بشكل اختياري، إلا أنه ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم ما تزال أعدادهم محدود جداَ، على الرغم من تأمين متقاعدي نقابة المعلمين ونقابة المهندسين الزراعيين ونقابة المهندسين السوريين من خلال نقاباتهم.
رقم معتاد..
وتكمن الإشكالية في الشكل الاختياري لتأمين المتقاعدين، فطالما التأمين اختياري سيبقى العدد منخفض جداً، ولاسيما مع ارتفاع الخطر الصحي لدى هذه الشريحة والذي بدوره يرفع تكلفة العقد والأقساط الشهرية، ولفت محمد إلى ارتفاع كلفة العقد المجدد لنقابة المعلمين حالياً من 54 ألف إلى 90 ألف، مؤكداً أن قلة عدد المؤمن لهم عاملاً حاسماً في ارتفاع التكلفة، بالتوازي مع الارتفاع الحاصل في تكلفة الخدمة نتيجة التضخم من جهة أخرى، وبالتالي فإن ارتفاع عدد المؤمنين سيكون له أثر واضح في انخفاض قيمة التكلفة عقود التأمين مستقبلاً، وبما يخص شكوى المتقاعدين من ارتفاع تكلفة العقد الفردي إلى 200 ألف ليرة، بين مدير عام الهيئة أنه أصبح رقماً معتاداً في سوق التأمين، وقد تبلغ تكلفة عقد فردي لمن دون عمر التقاعد وفي سن الشباب أكثر من ذلك نتيجة لزيادة أسعار الخدمات المقدمة.
بطريقة أخرى..
وتبدو عملية التوازن في عقود التأمين الفردية بين الدخل والقسط في التأمين تحسب بطريقة أخرى، إذ يحسب التوازن بين التعويض بما فيها التكاليف التي سيتحملها الشركة أي تكلفة الخدمة مقابل القسط الشهري، أما التأمين الإلزامي فقد راعى الفروق بين الأقساط والرواتب، إذ تتحمل الخزينة العامة مبلغاً يساوي 22 ألف ليرة من قسط التأمين البالغ 28 ألف ليرة، موزعة ما بين 9500 تدفعها الخزينة العامة، و12.500 تتحملها المؤسسة العامة للتأمين، كما سيكون في التعديل المرتقب في بوليصة التامين الصحي سيبقى جزءاً كبيراً تتحمله الحكومة عن المؤمن له.
برتوكول موحد..
وفيما يخص الشكاوى لجهة سوء الخدمة أو التقصير في تقديم الخدمة كاملة حسب عقد التأمين، فإن الهيئة تحث المواطنين المشتركين بالتأمين الصحي على التقدم بشكوى في حال الإحساس بالظلم ليصار إلى متابعتها وتحصيل حقوقهم، لافتاً إلى اتخاذ الهيئة سلسلة من الإجراءات الصارمة وتصدير إنذارات وعقوبات بحق شركات الإدارة الطبية وشركات التأمين ممن ثبت تقصيرهم، منوهاً إلى أنه تم فصل العديد من مقدمي الخدمة كأطباء وصيادلة ومخابر عن الشبكة الطبية، بالتوازي مع تأكيدها المستمر على ضرورة قراءة بنود العقد من قبل المؤمن له لمعرفة ماهية التغطية المقدمة، وفي سياق آخر كشف محمد عن صدور قرار يتضمن برتوكول موحد لكافة الأمراض المزمنة والأدوية المزمنة، إذ سيعامل كافة المؤمن لهم ممن لديهم أمراض مزمنة “تعامل موحد” من كافة شركات الإدارة كإجراء التحاليل والأدوية اللازمة، وسيتم تعميم هذا البرتوكول خلال الأيام القادمة على جميع الحالات المرضية لكيلا يتعرض المؤمن له للتعامل بمزاجية من قبل مقدمي الخدمة.
البعث