في وقت يكثر الحديث عن توجه الحكومة لاستخدام الطاقة المتجددة كداعمة للقطاع الصناعي وتشجيع المجتمع الأهلي لتوظيف هذه الطاقة كبديل عن تغذية الشبكة الرئيسية، ما زال ملف مولدات الأمبيرات في حلب يتصدر واجهة الأزمات التي شكلت، على مدى السنوات الماضية، وحتى الآن، معضلة حقيقية تؤرق المواطنين، بالنظر إلى حالة الاستغلال والابتزاز التي يمارسها أصحابها ومشغلوها بحق المشتركين خاصة بعد ارتفاع سعر مادة المازوت مؤخراً إلى 500 ليرة للتر الواحد، والذي أدى بالمحصلة إلى زيادة كبيرة في سعر الأمبير الواحد بحيث تجاوز مبلغ 10 آلاف مؤخراً، ناهيك عن بعض الممارسات والتجاوزات المرتكبة لجهة عدم التقيد بالتعليمات النافذة عن مجلس المحافظة وزيادة الأسعار بشكل اعتباطي ومزاجي وتخفيض عدد ساعات التشغيل إلى أقل من 5 ساعات، بالإضافة إلى سوء المعاملة والعنجهية والعنترية، والتي باتت السمة الأبرز التي يتصف بها أصحاب المولدات.
ولعل أكثر ما يقلق، في هذه القضية الشائكة والمركبة، أنها وعلى الرغم من عدم شرعيتها وعدم قوننتها أصبحت أمراً واقعاً لا مفر منه، في ضوء غياب الحلول الجذرية والنهائية للواقع الكهربائي غير المنتظم وانخفاض التغذية الكهربائية الواردة للمحافظة وزيادة ساعات التقنين خلال الفترة القلية الماضية إلى أكثر من 18 ساعة يومياً داخل المدينة، بالإضافة إلى ما يعانيه ويكابده المواطنون والأهالي في عدد كبير من الأحياء والمناطق والتي لم تصلها التغذية الكهربائية حتى الآن وتعيش تحت رحمة أصحاب المولدات الجشعين.
حلول مؤجلة..!.
كل المعطيات المتوفرة والتي توثقها ساعات التقنين الطويلة تؤكد أنه لا يوجد حلولاً لهذه المشكلة المتفاقمة على المدى القريب، وهي مؤجلة وقد تطول لسنوات قادمة نتيجة عدم استقرار واقع الشبكة الكهربائية وكثرة أعطالها وخروجها عن الخدمة في مواقع عدة بسبب الإرهاب، بالإضافة إلى النقص الكبير في التغذية الكهربائية الواردة إلى المحافظة من المصدر، حيث لم تف الحكومة بوعودها التي أطلقتها خلال زياراتها المتكررة إلى حلب، وبقيت قراراتها حبراً على ورق، بل على العكس ازدادات ساعات التقنين خاصة في أوقات الذروة إلى أكثر من 10 ساعات متواصلة، ما تسبب في تعطيل دورة الحياة والعملية الإنتاجية..!
معاناة مريرة !.
شكاوى بالعشرات ترد إلى مكتب جريدة “البعث” يومياً يعرض خلالها المواطنون معاناتهم المريرة والمزمنة مع قضية الكهرباء وغيابها شبه الكامل، وهو ما أسهم في تشريع عمل مولدات الأمبيرات التي “تأكل البيضة وتقشيرتها” حسب ما يقول أحد المواطنين ممن يدفعون شهرياً ما يعادل 70 ألف ليرة لقاء الحصول على 2 أمبير فقط، ويضيف آخر – وهو “من المعترين” كما يصف نفسه – أن قضية مولدات الأمبيرات مركبة ومتشعبة وغير قابلة للحل مادام هناك من يستثمر ويستغل هذا القطاع ويجني يومياً مئات الألوف من الليرات، في ضوء غياب الضوابط القانونية وعدم تقيد أصحاب المولدات بالشروط التي وضعتها المحافظة، وخاصة بما يتعلق بالتسعيرة ومدة التشغيل.!.
وفي هذا الإطار، يشير أبو أيمن نيابة عن جيرانه في حي الأعظمية إلى أن ساعات التقنين الكهربائي وصلت في الآونة الأخيرة الى 20 ساعة قطع مقابل 4 ساعات وصل متفرقة، مؤكداً أن حال مولدات الأمبير بعد زيادة سعر مادة المازوت زاد سوءاً لجهة الجشع والاستغلال والتعامل غير اللائق من قبل أصحابها.
العم أبو النور في الحي المجاور، أشار إلى أنه يدفع أسبوعياً مبلغ 18 ألف ليرة أي 72 ألف ليرة شهرياً وهو راتب موظف من فئة الدرجة الأولى، ويضيف أبو النور: لا يوجد أي خيار أمامنا لدرجة بتنا لا نستطيع أن نشتكي على صاحب المولدة خشية من أن نتسبب بقطع هذه الوسيلة الوحيدة عن باقي الأهالي..!.
أهالي باقي الأحياء وتحديداً في الجهة الشرقية من حلب لم تصلهم الشبكة حتى الآن وهم يعيشون تحت رحمة أصحاب المولدات الذين يستغلونهم أبشع استغلال، وهو ما يؤكده العم أبو محمود الذي طالب مجلس المحافظة و”حماية المستهلك” بالتدخل ووضع حد لهذا التمادي غير المقبول من قبل أصحاب المولدات، مضيفاً: نحن نقدر أن الظروف صعبة على الجميع ولكن من غير المقبول أن يستغل البعض هذه الظروف على حساب معيشة وقوت المواطن.
العم أبو سعيد العلي من حي الشعار أشار إلى أنه وعلى الرغم من معاناته اليومية لا يجرؤ على تقديم أية شكوى خشية التعرض للإهانة من قبل صاحب المولدة، تاركاً الموضوع إلى الجهات الرقابية والمطلوب منها تشديد الرقابة وإلزام أصحاب المولدات بالتسعيرة المحددة وبعدد ساعات التشغيل وبتعويض الفاقد .
مبررات مكررة …
أصحاب المولدات في حلب والتي يزيد عددها – عن 1300 مولدة – أوضحوا بدورهم أن عدم تقيدهم بالتسعيرة مرده عدم حصولهم على مخصصاتهم من مادة المازوت المدعوم بشكل منتظم واضطرارهم إلى شراء المادة من السوق السوداء بأسعار مرتفعة تجاوزت الـ 3 آلاف ليرة لليتر الواحد، عدا عن التكلفة المتزايدة لعملية الصيانة والإصلاح وأسعار القطع التبديلية وغيرها من الأمور المتعلقة بآلية استجرار الكهرباء من المولدة كل ذلك دفعهم إلى تقاضي أجور زائدة عن التسعيرة المعتمدة لتتناسب مع حجم نفقاتهم جراء التشغيل .
وطالب أصحاب المولدات الجهات المعنية بإعادة النظر بالتسعيرة المعتمدة وفق الواقع الراهن وبما يتوافق مع السعر الجديد لمادة المازوت، لإنصافهم وتحقيق العدالة للمواطنين.
تنظيم عشرات الضبوط …
مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك المهندس أحمد سنكري ورداً على شكاوى المواطنين أوضح أن دور حماية المستهلك ينحصر بتنظيم الضبوط بحق المخالفين وخلال هذه الفترة تم تنظيم حوالي 200 ضبط بحق أصحاب المولدات وألغيت تراخيص البعض لتقاضيهم أجوراً زائدة، داعياً إلى إعادة النظر في هذا الملف ووضع آلية جديدة لعمل المولدات تحقق العدالة للطرفين، مشيراً إلى أن قانون حماية المستهلك الجديد شدد فرض العقوبات، ما يسمح بضبط هذه المسألة وتنظيمها، إلا أن ذلك يبقى حلاً مجتزءاً لا يفي بالغرض، ولا ينهي معاناة المواطنين.
أخيراً …
مؤخراً تناقلت بعض وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي خبراً مفاده أن أهالي حلب أنفقوا ما يقارب 47 مليار ليرة خلال عيد الأضحى على ذبح الأضاحي، أي ما يعادل قيمة حوالي 50 ألف أضحية، وبعيداً عن صحة الرقم من عدمه، نؤكد أن أهالي حلب ينفقون ما يقارب 24 مليار ليرة شهرياً قيمة استجرار الكهرباء من مولدات الأمبير، وهو بالتأكيد رقم كبير وربما خيالي نضعه برسم الحكومة لعلها تعيد النظر جدياً في ملف الأمبيرات بحلب وتسعى في توظيف هذا الإنفاق الشهري في مشاريع استثمارية للطاقة تكون الفائدة فيها للوطن والمواطن، فهل تفعل، وتوقف هذا الاستنزاف غير الشرعي لأموال المواطنين..
البعث