القطاع الزراعي هو الحامل الأساس للاقتصاد السوري وعمودها الفقري كما يقع على هذا القطاع المسؤولية الأكبر في تأمين الغذاء للسكان ، حيث يساهم بما لا يقل عن 90 % في ذلك، لكن في الفترات الأخيرة انخفضت حصة الفرد من الحليب والبيض وكذلك اللحوم الحمراء والبيضاء جراء الحرب على سورية وما سببته من خروج مساحات كبيرة من الأراضي عن سيطرة الدولة ، وفقدان نصف ثروتها الحيوانية ، لكن في المقابل يقول خبراء في الزراعة أن سورية ليست لديها مشكلة نقص في الغذاء حيث إن جميع المواد النباتية والحيوانية متوافرة في السوق المحلية، إلا أن المشكلة تكمن في ضعف القدرة الشرائية للمواطن.
مدير السياسات الزراعية في وزارة الزراعة المهندس رائد حمزة أوضح أن الأمن الغذائي شكّل دائماً الهدف الرئيس والأساسي لاستراتيجيات وسياسات الحكومة التي سعت جاهدة للوصول إلى هذا الهدف وتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الأساسية والاستراتيجية الهامة، وقد لعب القطاع الزراعي دوراً محورياً في هذا السياق من خلال زيادة المساحات المزروعة وتحسين الإنتاجية وإدخال التقنيات الحديثة، ما ساهم بتحسين حالة الأمن الغذائي، والدخل الريفي، وتغطية الطلب المتزايد على الأغذية، وقد ساهمت سياسة الدعم والبحث العلمي والخدمات المساعدة في تحقيق الاكتفاء الذاتي لعدد كبير من المحاصيل والسلع الرئيسة والانتقال من الندرة إلى الوفرة على الرغم من أن سورية من البلدان الفقيرة بمواردها المائية.
وتسعى السياسات الزراعية إلى إزالة تشوهات السوق وتحسين الإنتاج والإنتاجية للمنتجات الزراعية التي تعتمد على الميزة النسبية، وتعزيز الأمن الغذائي بما فيه توافر واستقرار وسلامة الغذاء وإمكانية الوصول إليه واستخدامه، ومن الاهتمامات الرئيسة للحكومة توفير القمح كأهم محصول استراتيجي في سورية وزيادة إنتاجه لتلبية الطلب المحلي المتزايد حسب ما قاله حمزة ، و أن أولويات السياسات الزراعية هي تحقيق الأمن الغذائي وتوفير السلع الغذائية الأساسية بما يلبي حاجة الطلب المحلي، وضمان استدامة الموارد الطبيعية (أرض، مياه، غابات، مراعي)، وترشيد استخدامها، كما تسعى إلى تخفيض الفقر من خلال تبني تنمية ريفية شاملة تهدف إلى تحسين الدخل وتوزيعه وتضمن التكامل بين النشاط الريفي وقطاعات الاقتصاد الوطني الأخرى ، و إمكانية الوصول إلى نوعية الغذاء وسلامته.
ورغم الجهود التي بذلت لتحسين واقع الأمن الغذائي، لكن انخفضت مستويات الأمن الغذائي للأسر خلال الآونة الأخيرة بسبب الحرب على سورية وما افرزته من ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات، والذي قابله ارتفاع محدود في الدخول ، كما ساهمت خروج مساحات واسعة من الأراضي الزراعية من الاستثمار، وتناقص المساحات المروية نتيجة تخريب شبكات الري وسرقة مجموعات الضخ من قبل التنظيمات الإرهابية، إضافة إلى صعوبة تأمين المواد الأولية وغلاء أسعارها، كل تلك الأمور أدت إلى انخفاض الإنتاجية، عدا عن موجات الجفاف والكوارث الطبيعية وأثرها السلبي على الإنتاج.
ولفت حمزة إلى أنه وحسب بيانات 2019 وهي آخر احصائية عن نسبة الاكتفاء الذاتي من المواد التالية القمح 88% ، الشعير 98% ، بقول غذائية 109% ، خضار 103% ، تفاح 118%، حمضيات 103% ، زيت الزيتون 113% ، فواكه 103% ، علماً أن هذه النسبة هي مؤشر للاكتفاء الذاتي وليس للأمن الغذائي مؤكداً أن الأمن الغذائي ليس فقط توافر المادة ، بل يجب أن تكون هناك قدرة شرائية للحصول عليها .
وذكر حمزة أن من أهم الصعوبات التي تواجه تنفيذ الخطة الزراعية ولاسيما المحاصيل المخطط لها في المناطق البعلية هي ارتفاع تكاليف الإنتاج نتيجة نقص حاد في مستلزمات الإنتاج وارتفاع أسعارها (الأسمدة ــ أعلاف ــــ مبيدات ـــ محروقات ـــ كهرباء ــ..)، وارتفاع أجور النقل وعدم توافر الأيدي العاملة و التغيرات المناخية وتراجع كمية الهطولات المطرية وسوء توزعها خلال الموسم، إضافة إلى تضرر مشاريع الري الحكومية والآبار، وشح المياه صيفاً وعدم تمكن المزارعين من إعطاء الريات الكافية لسقاية محاصيلهم ما أدى إلى تحول مساحات كبيرة من زراعات مروية إلى بعلية، ناهيك بتراجع أعداد الثروة الحيوانية و ارتفاع تكاليف تربية الدواجن كالذرة الصفراء وكسبة فول الصويا …
بدوره الدكتور مجد أيوب اختصاص اقتصاد زراعي وعضو مجلس إدارة اتحاد الغرف الزراعية السورية يقول : أدت اعتداءات التنظيمات الإرهابية إلى خروج مساحات كبيرة من الأراضي الخصبة والمنتجة للقمح وبقية أنواع الحبوب والمحاصيل من تحت سيطرة الدولة السورية في الفترة ٢٠١١ وما بعدها ولاسيما في المناطق الشرقية والشمالية الى تراجع الكميات المستلمة من القمح اللازم لإنتاج الخبز اليومي للمواطن ومن بقية المحاصيل، ولكن بقيت مساحات كبيرة مزروعة في محافظات حمص وحماة وريف دمشق وطرطوس واللاذقية والسويداء وكانت ولا تزال كافية لتؤمن الأمن الغذائي للمواطن من الخضار والفواكه.
وبيّن أيوب أن الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على سورية في السنوات الخمس الأخيرة أدت إلى ارتفاع قيّم مستلزمات الإنتاج الزراعي بشقية النباتي والحيواني سواء من الأسمدة والمبيدات الحشرية والفطرية والأدوية والأعلاف، وتالياً ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل عام وزيادة قيمة المنتجات الغذائية بكل أنواعها وبنسب كبيرة تجاوزت في بعض الأحيان ٥٠٠% .
لم تقف الحكومة متفرجة على هذا الواقع وعملت بالتعاون مع الهيئات الزراعية الوطنية على تعديل بعض القرارات والأنظمة القديمة فتم السماح لاتحاد الغرف الزراعية باستيراد الأبقار وبذار البطاطا وتسهيل عمليات استيراد البذار عالي الإنتاج من الخضار حسبما ذكره أيوب، كما كان لإدخال المنظمات الدولية دور في تحسين الواقع الإنتاجي والاقتصادي للمزارعين بمنحهم مساعدات على شكل خطوط ري حديثة وشتول وبذور لزراعة حدائقهم المنزلية واستهلاك الإنتاج أو بيع جزء منه في “أسواق الضيعة” إضافة إلى تقديم ما يلزم لإنتاج صناعي منزلي من المنتجات الزراعية النباتية والحيوانية المتوافرة في القرية لبيعه بأسعار مناسبة للمستهلك ومجزية للمصنعين.
وذكر أنه باختصار يمكن القول إن سورية لا تعاني من مشكلة أمن غذائي ولكن من مشكلة عدم توافر السيولة المالية لدى معظم المواطنين لشراء احتياجاته الغذائية الأساسية والتي لا يمكن تخفيض أسعارها إلا بتخفيض أسعار الصرف وزيادة الدخل وبشكل خاص لشريحة موظفي الدولة ومن في حكمهم من العسكريين والمتقاعدين، وكذلك تخفيض التكاليف العالية المسددة عند نقل الإنتاج من مناطق إنتاجه الى مناطق الاستهلاك.
من جهته عضو مجلس إدارة اتحاد الغرف الزراعية السورية سلمان الأحمد أشار إلى أنه بعد دخول البلاد في الحرب الظالمة عليها وحجم الأعمال الإرهابية التي طالت أهم مقومات الإنتاج الغذائي في القطاع الزراعي والصناعي وزاد عليها الحصار الجائر والعقوبات الأمريكية والأوروبية المتوحشة والتي سببت أضراراً كبيرة بسبب نقص كبير جداً في الطاقة الكهرباء و النفط والغاز والتي هي من أهم مدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي والحرفي والتي سببت إضعاف متطلبات الأمن الغذائي الذي انعكس بشكل مباشر ومؤلم على المواطن والأسرة من خلال حرمان الدولة السورية من أبسط مقومات الحياة والإنتاج للغذاء الصحي والسليم والآمن و التي سببت خروج عدد كبير من المنتجين الزراعيين والصناعيين والحرفيين السوريين.
وكشف الأحمد أنّ الانفراج المبشر بالخير بالعلاقات مع دول الجوار سيعزز الاستقرار السياسي و الاقتصادي في سورية وتطور العلاقات الإيجابية سينعكس بشكل إيجابي ومباشر على الأمن الغذائي على سورية وكل الدول التي أعادت علاقتها معها لأن التبادل التجاري سينعكس أيضاً على الإنتاج الزراعي والصناعي والحرفي و سيؤدي إلى زيادة الإنتاج وبالتالي وفرة الغذاء و يحسن مستوى دخل الأسرة السورية والقوة الشرائية للغذاء وهي من أهم مقومات الأمن الغذائي مع العلم أن سورية مازالت تملك إمكانات كبيرة لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي من خلال البنية التحتية للقطاع الزراعي حيث ما زلنا نملك أكثر من ٢٠٠ مليون شجرة مثمرة متنوعة بين الزيتون والحمضيات والعنب والتفاح والمشمش وغيرها ومن الأراضي الزراعية التي تنتج أكثر من ٦٠٠ ألف طن بطاطا و٤٠٠ ألف طن بندورة وغيرها من المنتجات الزراعية والثروة الحيوانية و الدواجن والبيض.
وختم الأحمد بالقول : نتفق جميعاً على أن القطاع الزراعي من أهم مقومات زيادة الإنتاج وتطوير الاقتصاد الوطني وهو الطريق الأمثل لتحقيق الوفرة بالغذاء وفرص العمل لتحسين دخل الفرد والأسرة والمجتمع وهي من أهم مقومات الأمن الغذائي، منوهاً بأنه يجب على الجميع أن نتعاون ونتكامل جميعاً لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي الذي هو سر تطور واستقرار المجتمع والاقتصاد الوطني.
تشرين