لم نكن “لنتقبل” خبر موافقة رئاسة مجلس الوزراء على إمكانية الترخيص لإنشاء مركزين خاصين للاختبارات الكهربائية، خاصة وأن مهمتهما ومسؤوليتهما ستكونان البتّ فيما يدخل أسواقنا من تجهيزات الطاقات المتجدّدة تحديداً، ومنح الصكوك القطعية بعبورها وتركيبها لأجل إنتاج وتزويد منشآتنا وجهاتنا المختلفة بالطاقة الكهربائية، حيث المُعوَّل عليها المساهمة والدعم في رفد إنتاجنا الكهربائي من الطاقات التقليدية لتأمين متطلبات القطاعات الاستثمارية المتنوعة، إلاَّ أن هناك مجموعة مما كان يتوجب فيها التقديم لا التأخير، لناحية الإعداد والتحضير تشريعياً لتوطين تلك التقنيات الحديثة، قبل أن نُقدم على القفز فوق ذلك والمباشرة بتوريد تجهيزاتها، من دون خضوعها للرقابة والفحص والاختبار في المعايير والجودة.
وجودها يتناقض..
عدم التقبل أو التحفظ على وجود مركزين خاصين مملوكين للقطاع الخاص، ليس مردّه موقف مسبق تجاه التوجّه والسماح للقطاع الخاص بالدخول للاستثمار في مثل هكذا ميدان ومجال فقط، وإنما يعود لأسباب نعتقد أن فيها من الجوانب الاستثمارية والقانونية والمرجعية.. إلخ، ما يتعارض ويتناقض مع الجوانب والآليات الرقابية والبحثية ومتطلبات الجودة في هكذا شأن، مستندين في ذلك إلى أن قطاع الطاقة عامة والاستثمار فيه، هو قطاع عالي التقنية، وبالتالي فإن كل تجهيزاته والرقابة عليها يجب أن تخضع للمعايير والمواصفات والجودة المحدّدة والمضبوطة قطعاً، وهذا برأينا مرجعيته الدولة.
هذا جانب من جوانب أخرى تجعل عدم تقبلنا وتحفظنا مبرراً، ولن يقنعنا أن دولة بإمكانيات سورية عاجزة عن مركز اختبارات ذي مصداقية ومرجعية حكومية، بذريعة التكلفة العالية لإنشاء مثل هذه المراكز (تكلفة الواحد تتراوح ما بين مليون ومليوني دولار)، بينما القطاع الخاص بإمكانه!!
توجس محق
كذلك لن يطمئننا أن تكون مهمة ومسؤولية وزارة الكهرباء -مركز بحوث الطاقة التابع لها- الرقابة والإشراف فقط على عمل وأداء هذه النوع من المراكز، كما بيّن لنا الدكتور يونس علي مدير عام المركز، فما كنا علمناه ونشرناه سابقاً في “البعث” وعلى لسان أحد مدراء المركز البحثي (مدير مركز البحوث الصناعية التابع لوزارة الصناعة)، في هذا الشأن، لا يزال مقلقاً، وتحديداً حين قال حرفياً: “إن هناك ضغوطاً تمارس عليه لتغيير نتائج اختبارات أجراها مركزه”، وعليه إذا كان هناك ضغوط لتغيير نتائج على مركز حكومي سيادي، فكيف الحال على مركز خاص؟!.
وبرأينا أن تكون الدولة ممثلة بالحكومة وبجهة محدّدة معنية بالرقابة على المستوردات اللازمة لتوطين هذه التكنولوجيا التي تشهد تطورات متلاحقة، هو أمر يجب ألا ينازعها فيه “خاص”، وإن كان هناك تشاركية في هذا المجال، فلا بد أن تكون للدولة اليد العليا فيها، كون “الطاقات المتجددة” استراتيجية دولة ومشروع دولة، ولا يمنع أبداً التشاركية مع القطاع الخاص، بل ولأن هذه المشاريع هي لأجل القطاع الخاص، فمن المهمّ أن تكون الثقة والوثوقية في مواصفات كل ما يستورد من تجهيزات، هي مطلب أول للقطاع الخاص، كي تكون تلك الأجهزة التي يستوردها القطاع الخاص نفسه ذات عمر استثماري وفعالية وجدوى اقتصادية، تسهم في تخفيض فاتورة الطاقة التقليدية للدولة ولمنشآت الخاص، وبالآن معاً تخفيض تكلفة المُنتج أو الخدمة وبالتالي تخفيض الأسعار، ناهيكم عن ميزة استدامة هذه الطاقة وموثوقيتها.
لا تلبي المطلوب
في هذا السياق يفرض السؤال نفسه فرضاً: ما معنى أن يكون لدينا مراكز اختبارات حكومية كمركز بحوث الطاقة الكهربائية ومركز الاختبارات الصناعية ومختبرات جامعة “الهمك” أي الهندسة الكهربائية والميكانيكية وغيرها، ونسمح بأن يكون للقطاع الخاص اليد العليا والرأي النهائي في تقرير إمكانية ما سيدخل ولا يدخل أسواقنا؟!.. والأنكى أن ذلك سيكون عبر الاستعانة والاعتماد على الخبرات والكفاءات في قطاعنا العام، كما أكد لنا الدكتور يونس!.
اعتراف رسمي
وإن كانت التشاركية مع “الخاص”، ستكون الشرط المسبق للموافقة للأخير على الاستثمار في هذا المجال، على قاعدة تحمُّل “الخاص” للتكلفة المالية، مقابل مساهمة “العام” مركز بحوث الطاقة، بالإشراف على تشغيل كافة الخبرات الفنية وغير ذلك وفقاً لمدير مركز البحوث الذي لم تنتهِ وزارة التنمية الإدارية بعد من تعديل قانون إحداثه..، إلاَّ أن هذه التشاركية لا تقلّل من هواجسنا في أن تكون الجهة الخاصة -التي ترغب بإقامة المركزين- من بطانة كبار المحتكرين لاستيراد تجهيزات الطاقات المتجددة، وبالتالي أن يكون لتلك الجهة أو الجهات النفوذ والقول الفصل في تقويم التجهيزات وتمرير ما ترغب تمريره منها، أو يكون استثمارها في ذلك حصانة لصفقاتها، من خلال طرق لم تَعد خافية على العديد.
وفقاً للوثائق.. فقط!
من حقنا أن نشكّ، نتيجة للآلية التي يتمّ فيها حالياً إدخال التجهيزات المستوردة إلى أسواقنا، في ظل اعتراف رسمي بعدم امتلاكنا مركزاً ومعدات متكاملة لإجراء الاختبارات اللازمة، تثبت جودة التجهيزات المستوردة ومطابقتها للمواصفات المطلوبة والمعتمدة عالمياً.
إن عدم وجود مثل هذا المركز أثار تساؤلاً حول الكيفية التي تدخل بها التجهيزات المستوردة، وعلى أي أساس اختباري وتقويمي لمواصفاتها وجودتها؟!، فكان جواب مديري مركز بحوث الطاقة الكهربائية: إن ذلك يتمّ وفقاً للوثائق المقدمة من الجهة المستوردة ووفقاً للمشاهدات العينية!!.
وحول إمكانية أن تكون تلك الوثائق مزورة، وبالتالي المواصفات غير سليمة وصحيحة، قال: من الممكن أن يكون ذلك، موضحاً أن هناك طرقاً مخفية لا تبيَّن إن كان هناك جودة.
رغم كل ما سلف فالأجهزة تأخذ الموافقات من المركز وتُعتمد من وزارة الاقتصاد، ويتمّ طرحها في أسواقنا، استناداً لما تقدمه الجهة المستوردة من وثائق ومستندات فقط!.
غريب ومستهجن..!
وضع وواقع، يفرض العديد من التساؤلات التي من المؤكد أننا لا نجد أحداً يستطيع الإجابة عنها، أهمها مثلاً: من يتحمّل مسؤولية وتكلفة عدم وثوقية وجودة تجهيزات الطاقات المتجددة التي تدخل القطر؟.. أما الغريب فهو: كيف نُسوّق للطاقات المتجدّدة قبل أن نمتلك المختبرات المرجعية القادرة على تبيان مواصفاتها ومدى مطابقتها لاشتراطات الجودة والأداء، وبالتالي مدى فعاليتها لتكون فعلاً داعمة لقطاع الطاقة التقليدي، في الإنتاجية والكفاءة والوثوقية والاستدامة، وبالتالي الوصول إلى الهدف الأكبر وهو تقليص فاتورتنا الطاقية الباهظة، وتوفير كهرباء مستدامة للمشاريع المتوقع طرحها للاستثمار، سواء أكانت صناعية أم زراعية أو عقارية أو خدمية؟!.
البعث