غير مرة، تكشف قرارات الحكومة تناقضا واضح لجهة المعطيات ونتائجها المتوخاة، لاسيما القرار المتعلق بالعطلة الممنوحة للجهات العامة والدوام النصفي للمدن والمناطق الصناعية، إذ صدر منذ يومين قرار قضى بتعطيل الجهات العامة، لمدة أسبوع نتيجة موجة البرد الحالية، تبعه تعميم حكومي بضرورة تحويل الوفر الكهربائي الناتج لصالح القطاع المنزلي، حيث شدد رئيس مجلس الوزراء على ضرورة دعم المواطنين بالوفر الناتج عن العطلة، الأمر الذي يؤكد حتمية وجوده ومعرفة قيمته ودروه في تحسين التقنين المجحف المطبق حالياً، بيد أن تصريح وزير الكهرباء المهندس غسان الزامل اليوم كشف عدم وجود وفر يعتد به من تعطيل المدن والمناطق الصناعية والجهات العامة، ويكون كاف وقادر على تغيير الوضع الكهربائي أو تعديل برامج التقنين ولو جزئياً، حيث لا تتعدى كمية الوفر المحقق ال ١٥٠ ميغا واط ولاتتعدى نسبته الـ ٦.٥%..!
غياب التنسيق والتناقض الحاصل فتح باباً عريضاً لتساؤلات مشروعة عن مدى التنسيق والتفاهم ما بين الوزارات والحكومة، ومدى توفير ذلك لقاعدة بيانات ومعلومات أساسية تشكل أس التعاطي مع الواقع واستصدار القرارات المناسبة بشكل عام، كما كشف غياب التفاصيل الضرورية لنجاح القرار في حضرة قرار العطلة الذي تبعه توجيهات بوجوب تغيير برامج التقنين الكهربائية على الأقل في الأسبوع الأكثر برودةً، و السؤال الأهم الذي يطرح في هذا السياق: هل الحكومة لا تعلم قيمة الاستهلاك الكامل لتلك المدن والمناطق الصناعية ولو بشكل تقريبي؟ وما الغاية من تعطيلها جزئيا من الخامسة مساء إلى السابعة صباحاً إن لم تتوفر حسابات توضح وجود وفر “محرز” يقدم لصالح المواطن؟ ولماذا لم تصدر وزارة الكهرباء بياناً، ولم لم تخبر الحكومة بالمقدار الحقيقي الحاصل في حال التعطل لكيلا يبنى عليه قرارات عديمة النتائج، وانتظرت لتجيب في تصريح صحفي لصحيفة محلية؟!.
من المؤسف غياب المعلومات أو ندرتها في إدارة الأزمات الاقتصادية التي تعصف في الاقتصاد الوطني، هذا كان رأي عدد من خبراء الاقتصاد – فضلوا عدم ذكر أسمائهم – في تصريح خاص لـ “البعث”، إذ رأوا أن قرار تعطيل المدن والمناطق الصناعية مقابل (١٥٠ ميغا واط) خاطئ حكما، نظراً لكون تلك الكمية لا تكفي ولا تستطيع تغيير الواقع الكهربائي ولا تغني أو تسمن من جوع للمواطن للخدمات من جهة، مشددين على ضرورة بقاء عملية الإنتاج قائمة علها تكون رداعا لعدم حدوث موجة ارتفاع أسعار جديدة تلسع جيوب المواطنين عقب المنخفض، وذلك لجهوزية الذريعة – وهي العطلة – وإن لم يكونوا بحاجتها عموماً من جهة أخرى، لافتين إلى وجود ثغرات في العمل الحكومي كشفه ربط رئيس الحكومة قرار العطلة بوجود وفر كهربائي يمكنه أن يدعم المواطنين بمواجهة موجة البرد، الأمر الذي يشي بغياب المعلومة التي ربما لم يؤخذ بها لأسباب غير معلومة، ليأتي وزير الكهرباء ويكشف عن مقدار الوفر، وهو ١٥٠ ميغاواط، وما يمكنه تقديمه وإحداث فارق ملموس عند المواطنين في ظل تزايد الطلب على الطاقة والمقدر بـ ٣٠٠% حسب الزامل.
الخبراء تساءلوا عن آلية صدور القرارات دون اعتماد معطيات رسمية من الوزارة صاحبة الشأن! أم أنها معطيات ومعلومات تم جمعها حديثاً بعد الانتقادات الموجهة لهم بعدم تطبيق توجيهات الحكومة بزيادة حصة الاستهلاك المنزلي، وهذه إشكالية أخرى كشفتها المطالبة والتدقيق..
بالمقابل، عول بعضهم على نتائج العطلة في مسار آخر – على الرغم من التناقض بين وجود قيم عالية يمكن توفيرها من عدمها بين الحكومة ووزارة الكهرباء – عول على شفافية الحكومة وقدرتها في حساب الفائض من تعطيل الجهات العامة لجهة المحروقات من مادتي المازوت والبنزين فقط كونها تمتلك إحصاء شبه دقيق لقيم الاستهلاك، وتستطيع إن أرادت النجاح في تأمين المادة للمواطنين وتسليمها لهم خلال الفترة الحالية لتكون النقطة المضيئة في ذلك القرار.