بين فتح باب الاستيراد على مصراعيه، أو تركه مقفلاً حيناً وموارباً حيناً آخر، لم تفلح كل محاولات ضبط إيقاع الاستيراد وتقليص عجز الميزان التجاري في إرخاء انعكاساتها على واقع الأسعار ورفع القدرة الشرائية للمواطن، لتمكينه من الحصول على كل احتياجاته بيسر وسهولة.
يُحسب لإجراءات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية والمصرف المركزي خلال العام الأخير أنها تمكنت من تحقيق استقرار نسبي في سعر الصرف، وتقليص حجم المستوردات إلى 4 مليار يورو، غير أنه لم يك لذلك أي أثر على أسعار المواد سواء الممولة من المركزي، أو غير الممولة، فهي سجلت، وما زالت تسجل ارتفاعات يومية بحجج أطلقها تجار وتبنتها الحكومة.
عصفورين بحجر..
تعود اليوم أصوات التجار يرافقها -على غير العادة- أصوات بعض الصناعيين لفتح باب الاستيراد بغية خلق المنافسة اللازمة لضبط إيقاع الأسعار، وتأمين المواد الأولية للصناعة، وضمن شروط تحددها الجهات المعنية بما ينسجم مع السياسة المالية والاقتصادية، ويحقق الرؤية التي يطرحها قطاع الأعمال في آن واحد، غير أن الرد الحكومي دائماً ما يكون بجهة ضبط القطع وتحويله لاستيراد القمح والمشتقات النفطية، والإشراف المباشر على المستوردات عبر تحديد قوائم يسمح باستيرادها وأخرى يمولها المركزي، إضافة إلى حماية الصناعة الوطنية، وهو ما عبّر عنه وزير التجارة الداخلية مؤخراً حين ردّ على المطالب بفتح باب الاستيراد بأنه سيخفض قيمة الليرة ولن يفيد أحداً.
ضمان المنافسة
يرى الأستاذ في كلية الاقتصاد بحلب د.حسن حزوري أن المنع المطلق لاستيراد بعض المواد جعلها خاضعة للتهريب، لاسيما وأن مساحات واسعة من الحدود مازالت خارج السيطرة الحكومية ويصعب ضبطها، معتبراً أنه يجب السماح باستيراد المواد الأساسية ومدخلات الإنتاج جميعها لجميع المستوردين، أما ما يتم اعتباره كماليات، فيمكن رفع رسومه الجمركية بما يضمن وجوده في الأسواق لمن يرغب بشكل نظامي من جهة، ويضمن بقاء المنتج الوطني منافساً لجهة السعر من جهة أخرى.
نقطة ضعف
لا أحد ينكر أن ترشيد الاستيراد ساهم بتخفيض سعر الصرف، لكن يدرك الجميع –والحديث لحزوري- أن صاحب المال يحصل على كل السلع المتوفرة بالأسواق “تهريباً”، مبيناً أن منع استيراد السيارات مثلاً رفع أسعارها لمستويات قياسية، ومع ذلك نرى في شوارع سورية سيارات موديل 2020!
ويشير حزوري إلى أنه وبمجرد إعلان وزير الزراعة مضاعفة كمية الموز المستوردة من لبنان، انخفض سعر كيلو الموز من 3600 ليرة إلى 2000-2500 ليرة، مؤكداً أن محدودية المنافسة في الاستيراد هو نقطة ضعف تسببت باحتكار العديد من المواد، من بينها الزيوت النباتية التي سجلت أسعارها في سورية ضعفي سعرها في دول الجوار، ومثلها العديد من المواد الغذائية.
إجراءات معقدة
ويتساءل استاذ الاقتصاد: ما الفائدة من تثبيت سعر الصرف إذا كانت الأسعار ترتفع بشكل أسبوعي وشبه يومي حتى.؟ وكل ذلك بسبب تعقيد إجراءات الاستيراد وحصره بفئة معينة، مشدداً على ضرورة تفعيل المنافسة في الأسواق لتنخفض الأسعار تلقائياً.
ويلفت حزوري إلى الإجراءات الحكومية لفتح باب الاستيراد لمعدات الطاقات المتجددة، حيث حددت رسوم جمركية على الألواح الشمسية مثلاً 1%، غير أنها فرضت 20% على البطاريات وهي عنصر ملازم لبقية التجهيزات، داعياً لإعداد تشريع لتخفيض الرسوم على كامل مستلزمات الطاقة، والتدقيق على الجودة حتى لا تكون سورية مكباً لنفايات العالم.
ضغط تمويل
أما حول انعكاسات آلية تمويل المستوردات بعد أشهر من تطبيقها، فيرى حزوري أنها لم تنجح بهدفها بضبط الأسعار في السوق، فحتى التاجر الذي يمول مستورداته من المركزي، يعود ليبيع المنتج بناءً على سعر صرف 5000 ليرة! مضيفاً أن التمويل يشكل ضغطاً على المركزي لتأمين القطع ويحصره بشركات صرافة محدودة، داعياً للسماح للمستوردين بتأمين القطع من المصادر الخارجية.
المشهد