بحسب التقويم الصيني للأبراج فإن 2022 هو عام “نمر الماء”.
ومنذ بداية العام، يبدو أن مخالب “النمر” قد غرزت عميقاً في جسد اقتصاد العالم، مع اشتعال التوتر في منطقة غنية بالموارد الطبيعية، وأنابيب النفط والغاز. هذا يجرنا بالطبع إلى الحديث عن التأثير الذي أحدثته العقوبات على موسكو، على أسواق السلع والمعادن.
وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، يحتل الاقتصاد الروسي الترتيب الـ12 بين الاقتصادات الأكبر عالمياً، أي أقلّ بـنسبة 25% من اقتصاد إيطاليا، وبنسبة 20% من اقتصاد كندا. لكن رغم ذلك، يبدو أنّ تأثير ذلك الاقتصاد بات واضحاً على منحى أسعار أغلبية السلع، يترافق ذلك مع تطبيق العقوبات وتضييق الخناق على صادرات السلع الروسية.
وبتفصيل أكثر للبيانات التجارية، يبدو أن أكثر من ثلثي الصادرات الروسية من النفط والغاز، يذهب لدول فرضت عقوبات على موسكو. كما تستحوذ دول العقوبات على 55% من صادرات المعادن الصناعية، و80% من صادرات المعادن النفيسة، إضافة إلى 30% من صادرات المنتجات الزراعية.
أما من ناحية الاستيراد يبدو الاقتصاد الروسي، مصمم بحيث لا يحتاج لاستيراد الكثير من المواد والبضائع من الدول التي فرضت العقوبات.
فعلى سبيل المثال، تم استيراد ما قيمته 6.4 مليارات دولار من الولايات المتحدة، في 2021 و ذلك الرقم يعد متواضعاً، ويمثل أقلّ من “خُمس” صادرات الولايات المتحدة إلى بلدٍ صغير مثل بلجيكا.
لكن تداعيات العقوبات ستكون أكثر تأثيراً، على أوروبا، نظراً لاعتمادها بنسبة 40% من احتياجاتها من الطاقة على روسيا. كما وأشارت البيانات إلى أنه وخلال الربيع والصيف الماضيين لم تقم كل من أوروبا وأوكرانيا بتخزين احتياطيات كافية من الغاز، لجوء الطرفين إلى ذلك كان مرده، لتوقعات أن يحدث تراجع في الأسعار.
ووفقاً لتقديرات شركة “Gazprom” الروسية، فإنه في يناير2022، تم ملء منشآت الغاز الأوروبية بمستويات أقل مما كانت عليه في نفس الشهر من العام الماضي بنقصان 18 مليار متر مكعب.
وبالعودة إلى القارة العجوز، التي تكثف جهودها في محاولة إيجاد بدائل عن الغاز الروسي، الذي يصل أراضيها منذ عقود عبر شبكة من الأنابيب الممتدة في كل أصقاع القارة، حيث تتكثف الجهود لوضع خطة عمل تجعل نقل الغاز المسال من الولايات المتحدة الأميركية أمراً أكثر سهولة وأقل تكلفة.
لكن الحديث عن كسر اتكالية أوروبا على غاز الجارة الروسية، ليس بالأمر الحديث، بل يعود لسنوات ماضية.
في 2015، عُقد في لندن اجتماع تحت مسمى قواعد دار تشاتام، المعهد الملكي للشؤون الدولية، حيث يعتبر المركز واحداً من المراكز البحثية الرئيسية، في حجم تغطيته لاقتصادات العالم.
وعُقد المؤتمر برعاية من مركز جامعة كولومبيا لسياسات الطاقة العالمية، وحمل عنوان: “دور نفط وغاز الولايات المتحدة في أمن وتجارة الطاقة الأوروبية”.
فعلى الرغم من أنّ النقاش دار حول مواضيع، تتعلّق باعتماد أوروبا على الطاقة الروسية، وقضيّة أوكرانيا، وكيف يمكن للغاز الصخري الأمريكي أن يملأ الفراغ.
لكن الملفت أن التركيز الأكبر من قبل خبراء الطاقة وأصحاب المصلحة، الذين اجتمعوا في لندن، كان على أرباح شركة غازبروم الروسية، أكثر من اهتمامهم بأمن الطاقة في أوروبا، بحسب ما جاءت به بنود التقرير.
الجدير بالذكر بهذا الخصوص أن شركة غازبروم وحدها تمتلك ربع احتياطات الغاز العالمية، وتسيطر على 90% من الإنتاج الروسي، وهي أكبر مَصْدَر للعملة الصعبة لروسيا.
وتناول التقرير المذكور أيضاً النفط الخام، مع تركيزه على الواردات الروسية إلى أوروبا، و بشكل خاص الدول التي تستخدم نظام خط الأنابيب دروجيا، مثل: سلوفاكيا والمجر وجمهورية التشيك و بولندا. يعتبر خط دروجيا أطول خط أنابيب في العالم، لا يزال قيد العمل، حيث تم الانتهاء من تشييده في ستينيات القرن الماضي، بهدف تأمين الطاقة لدول الاتحاد السوفيتي سابقا، واليوم هو يؤمن ذلك لدول شرق وغرب أوروبا.
وتخلص الدراسات إلى أن محاولة إيجاد إمدادات لتعويض أوروبا عن الغاز الروسي ليس أمراً مستحيلاً، لكنه صعب جداً، ويعود السبب في صعوبة التعويض إلى أن تجارة الغاز محددة التوجه، إذ أن الغاز المستورد يتوجه مباشرة لمحطات توليد الكهرباء، أو لقيماً للمصانع البتروكيماوية.
لذلك فأي تأخير في وصول الشحنات، سيؤدي إلى توقف تلك المحطات و المصانع.
كما ان المشكلة في صناعة الغاز المسال هي أنها لا تتوفر لديها نفس المرونة المتواجدة في صناعة النفط. فالعقود عادة ما تخدم محطات كهرباء معينة، وأي تغيير في حجم الإمدادات أو مواعيد وصولها يؤثر سلبا على الإنتاج المستمر للكهرباء.
لذلك فإن فرضية تحقيق الاستغناء عن الغاز الروسي، يمكن لذلك التسبب بإحداث هزة كبيرة في أسعار الغاز العالمية.
ومن ثم زيادة أسعار المواد الصناعية والبتروكيماوية. كما أن ارتفاع سعر الغاز أو ارتباك تجارته، سيؤدي بدوره إلى زيادة الطلب على المنتجات البترولية وحتى الفحم الحجري، كما حصل خلال الأشهر الماضية.
وحتى في حال تعويض الغاز الأوروبي، فمن المتوقع أن المعادلات السعرية ستختلف عن تلك المتبعة في العقود الروسية.
وكالات