خسائر بالجملة يتكبدها الاقتصاد السوري جراء نقص شديد في جميع أنواع المحروقات، هذا النقص ليس حالة طارئة سيما لمادة المازوت الذي أرخى بظلاله على مختلف قطاعات الاقتصاد الإنتاجية والخدمية.
وكان رئيس الحكومة السورية حسين عرنوس بشر السوريين بوصول ناقلة نفط إلى الساحل السوري محملة بمليون برميل نفط في ميناء بانياس، وبين إنها الباخرة الأولى منذ ٤٢ يوما التي تصل سورية، ولعل السبب الأبرز وراء ذلك ما أعلنه مسؤول بعثي خلال الأسبوع الماضي عن مصادرة ومنع عدد من ناقلات النفط المتجهة إلى سورية، إضافة لباخرة قمح.
القمح في خطر
الخسائر اليومية لنقص المحروقات، وقد يكون في مقدمتها عدم توفر المازوت لمزارعي القمح في فترة حرجة من عمر المحصول، والذي يحتاج إلى الرية الأخيرة خلال شهر نيسان في ظل انحباس الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، ما يهدد إنتاجية المساحات المروية والتي يعول عليها في سد جزء من الاحتياجات ضمن المناخ الدولي الذي يشهد شحاً في إمدادات المواد الغذائية وعلى رأسها القمح.
إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل من مراكز الإنتاج إلى المستهلك النهائي والتي بالنتيجة سيدفعها المواطن الذي كان ينتظر بفارغ الصبر قدوم الصيف بإنتاجه الزراعي الوفير والذي يمكنه من سد رمقه ضمن إمكانيات دخله المتهالكة…
ربع الطاقة
وإذا كان هذا على صعيد الزراعة فإن معاناة القطاع الصناعي لم تتوقف، حيث كان قبل بداية أزمة المحروقات يعمل بربع طاقته الإنتاجية لنقص الطاقة والمواد الأولية وارتفاع أسعارها مقابل انخفاض القدرة الشرائية للمستهلك، وهذا ما زاد من الأسعار التي أصبحت تربط ببورصة أسعار المازوت في السوق السوداء والذي تجاوز سعره ٦٥٠٠ ليرة لليتر، ما أدى إلى ارتفاعات شبه يومية في أسعار المنتجات.
الدراجات الهوائية لنقل الطلاب
أما أثر نقص المازوت على حركة النقل ضمن المدن وبين المحافظات فحدث ولا حرج، جزء كبير من سبب ارتفاع الأسعار يعود لارتفاع تكاليف النقل، فطلب سيارة شحن صغيرة من موقع تاجر الجملة إلى تاجر المفرق داخل المدينة يكلف أكثر من ٢٥ ألف ليرة، أما أجور النقل بين المحافظات فقد أصبح رقمها في خانة المليون.
وهذه التكاليف بكل تأكيد ستضاف إلى سعر الشراء النهائي للمستهلك، كما يعاني الموظفون وطلاب الجامعات من هذا الأمر إذ بات عليهم أن يجهزوا أنفسهم رياضيا ونفسيا لخوض السباقات والمعارك في سبيل تأمين توصيلة من وإلى منازلهم، وهذا ما خلق فرصة عمل لأصحاب الدراجات النارية ودفع طلاب الجامعات بالتوجه إلى الدراجات الهوائية التي تضاعفت أسعارها بعد زيادة الطلب عليها.
الخدمات
لا يتوقف نقص المحروقات خلال الشهرين الماضيين على القطاعات الإنتاجية بل تعداه إلى القطاع الخدمي، وخاصة بعد التوجيهات الحكومية بالأولوية لمحصول القمح والمنشآت الحيوية كالمشافي والأفران، ما زاد على هموم المواطنين هم الحصول على الأوراق الرسمية من مراكز الخدمات التي لا تقوى على تشغيل مولدات الكهرباء بسبب عدم وجود المازوت.
كما يعاني أغلب المشتركين بخدمات الهاتف والإنترنت من انقطاع خدمات الاتصالات بعد انقطاع الكهرباء.. هذا على مستوى معاناة الأفراد أما على صعيد الشركات والمنشآت فقد أثر غياب الطاقة على انتاجيتها ورفع تكاليف الإنتاج عندها.
استغلال الفرص
وفي تصريح ل”هاشتاغ” بين خبير الطاقة الدكتور زياد أيوب عربش أن معوقات الإمداد الداخلي من مشتقات الطاقة تأتي في سياق دولي معقد، ليس فقط لارتفاع أسعارها عالمياً بفعل معركة كسر العضم بين روسيا الاتحادية والغرب، بل لارتفاع أسعار العديد من السلع والمواد الوسيطة بما فيها المدخلات الأولية للزراعة والأسمدة والمبيدات مع صعوبات الإمداد الدولي كممرات عبور، خاصة وأن الغرب يمارس الضغوط والحصار على أصدقاء سورية، وتحديداً روسيا الاتحادية فيما يخص ممرات العبور الآمن.
وأصبح من الضروري جداً الاستغلال الجدي والمكثف للفرص الكامنة والعديدة واتخاذ التدابير الجوهرية لتخفيض كافة أنواع الفواقد والهدر، والإسراع بمتابعة تنفيذ السياسات الواجبة للولوج الجدي للطاقات المتجددة، بحيث يصبح مكون الطاقة وخاصة في العملية الإنتاجية عاملاً محفزا للنمو ومتابعة عملية الإعمار، بدلا من أن يكون ضاغطا عليها، خاصة وأن الطلب على مادتي البنزين والمازوت ينخفض الآن ككل عام نتيجة انتهاء فصل الشتاء وبالتالي.
وقال إنه قبل قدوم فصل الصيف وتوقع ازدياد الطلب على البنزين ثم على المازوت مع نهاية الخريف لابد من استعجال تنفيذ مشاريع الطاقات المتجددة المقرة وتحفيز المبادرات الكلية وتلك التي من الممكن أن يقوم بها قطاع الأعمال (بتبسيط الإجراءات والاقراض الميّسر والتحفيز السعري) وبنتيجتها تؤدي إلى تخفيف الضغط على ميزان القطع الأجنبي، سيما وأن المتطلبات المجتمعية وعلى رأسها المعيشية تشكل تحديات جوهرية لا يمكن مواجهتها إلا باستغلال الموارد الكامنة وإزالة عوائق الدفع بعملية الإنتاج السلعي والخدمي في الأجل المنظور.
هاشتاغ