ينظر البعض إلى عمال المطاعم والمقاهي ومحطات الوقود بشفقة، لصعوبة أعمالهم وطول ساعات عملهم، ويزداد الأمر حين يعلمون أنهم بلا رواتب ثابتة أو كافية، وأن دخلهم الشهري يعتمد فقط على ما يجود به الناس عليهم عند خدمتهم، لكن الحقيقة أن الكثير من هؤلاء العمال الذي لا يتقاضون أجوراً شهرية ثابتة، يصل دخلهم اليومي في بعض الأحيان إلى ما يعادل راتب الموظف الشهري، وأحياناً أكثر بكثير، وذلك ضمن اتفاق شبه سري مع رب العمل بما يضمن رضا العامل بأَجره القليل المعطى له، ورضا رب العمل بتهربه عن دفع مستلزماته التأمينية.
عضو المكتب التنفيذي بالاتحاد العام لنقابة العمال وأمين الشؤون الاقتصادية طلال عليوي أوضح أنه لا يمكن تسمية هذه الشريحة باقتصاد ظل أو اقتصاد خارجي لأنها تدعم الاقتصاد بشكل عام، لكن يمكن تسميتها بالاقتصاد مجهول الهوية.
وأضاف: «أما عن الاتفاقيات الأخرى بين رب العمل والعامل باعتماده على «البخشيش»، لا تعتبر عمالة منظمة بالمطلق لأن أساس العمالة المنظمة هو العقد المسجل بين الطرفين والمصدق أصولاً بالتأمينات الاجتماعية والعمل».
وأكد عليوي أن اتحاد العمال لم يتلقَ أي شكوى عن وضع الأجور المتدني بالنسبة للعمال المسجلين بالحد الأدنى من الرواتب ويعتمدون على «البخشيش»، ومن المعروف أن هناك اتفاقات مبرمة بين العمال وصاحب العمل بهذا الخصوص وكلها غير قانونية، ولا يمكن اعتبارها في عداد الأجر المنصوص عليها بالقانون العام رقم 50 أو بالقانون 17 المنظم للأجور في العمل الخاص، والمحددة ضمن ما يقارب الحد الأدنى من الأجور في القانون العام وهو 97 ألفاً، بالتالي إذا كان هناك اتفاق بين العامل ورب العمل فهو لا يظهر للعلن.
وأشار إلى غياب الإحصائيات الخاصة بهذه الفئة من العمال، إضافة لغياب تأمينهم الاجتماعي، فالعامل بهذه الحالة يكون غير مسجل تأمينياً ضمن استمارة العمل، بالتالي حتى الحد الأدنى من الأصول التأمينية التي من الممكن أن تدرج تحت ما يسمى إصابة العمل يحرمون منها.
وأشار إلى أن هذه المشكلة صادفتهم خلال جائحة كورونا، من صعوبة الوصول لإحصائية دقيقة بعدد العمال المتضررين والواجب تعويضهم، ما دفعهم لإنشاء منصة إلكترونية بالتعاون مع الشؤون الاجتماعية والعمل واعتمادهم على المسجل فقط، مبيناً، أن هذه المنصة لم تعطهم العدد الحقيقي لهذه العمالة بما فيهم عمال الكازيات وعمال المحال، وعمال البسطات، وبائعو الخبز على الطرقات.
من جهته الخبير التنموي ماهر رزق بيّن لـ«الوطن»،أن كل الدول تعاني من قياس السوق غير المنظم في العمل، وهو ما يمكن إعادته لعدة أسباب أهمها عدم وجود قانون تأمينات اجتماعية منضبط، كما أن الرواتب العادية لا تتناسب مع الحياة المعيشية، فصاحب العمل دائما يتّعمد التّهرب من أي كلفة لأن الكلفة بالنسبة له ضرائب ودفع كلف، ويترتب عليه رقم أعمال أكبر وبالتالي يخضع للضريبة، وهو ما يسعى جميع أصحاب العمل للتهرب منه عن طريق عدم إثبات وجود الموظفين، وهو خلل أساسي بالبنية التشريعية.
وشدد رزق على ضرورة الربط بين الترخيص وعدد العمالة، وربط فتح أي منشأة بحاجتها للعمالة، مبيناً وقوع ثغرة كبيرة عند الترخيص لأي منشأة وهي ألا يُؤخذ بعين الاعتبار عدد العمال الذي يجب أن يتناسبوا مع حجمها مثلاً «فندق فيه 100 غرفة يحتاج 100 عامل».
وأشار إلى أن المشكلة مكونة من شقين: «ضعف تشريعات ووجود فساد بسقف هذه الرواتب الحالية اليوم، كما أن الحكومة عندما تكون غير قادرة على رفع رواتب موظفيها كيف تطلب من القطاع الخاص رفع سقوف هذه الرواتب؟ والقطاع الخاص يستغل هذه النقطة لجانبه».
وعن قياس آثار اقتصاد الظل، أكد رزق أنه أمر شبه مستحيل لأنه يشكل من 40 لـ50 بالمئة من الاقتصاد النظامي، كما أن هذا الاقتصاد ينمو بطريقة خاطئة، فالثروات تتراكم بيد قلة معينة ويزداد حجم من هم خارج أنظمة الحماية الاجتماعية كعاملين.
وأرجع رزق صعوبة القياس بشكل عام لغياب الإحصائيات وهذه مشكلة قديمة جديدة، وعندما نعتمد في التخطيط على أرقام غير صحيحة فمن المؤكد عدم صدور نتائج صحيحة.
وبيّن، أن القضية العمالية مشكلتها بالحد الأدنى المحدد للأجور والذي وضعته إستراتيجية العمل للقطاع العام قبل أن تضعه للقطاع الخاص، ففعليا الحد الأدنى عندما يوضع بحسب الاتفاقيات الدولية يجب أن يصل حد الكفاف للعائلة وليس للعامل، فهناك خلل وفجوة بما يسمى المعادلة المستحيلة بين الأجور والأسعار.
وأوضح رزق، أن التجارب أثبتت اليوم فائدة هذا القطاع غير المنظم رغم خلله، عبر تقليص سوق البطالة وتأمين حاجات الإنسان، كما أن المواطن السوري اليوم لديه القدرة على استنباط منابع العيش بقدرة غير طبيعية.