في كل دول العالم وعبر التاريخ دعمت الدول القطاعات الاقتصادية المتعثرة، إما عن طريق إيجاد حلول كتقديم قروض بفوائد مخفّضة، أو إعفاء من الضرائب، أو سن قوانين تكفل استمرارية المنشآت وإنقاذ القطاع المتعثر من الإفلاس والإغلاق، ولكن وبعكس المنطق، يتم التضييق على الفنادق التي هي أحد أهم مكونات القطاع السياحي، ما أوصلها لدرجة الاختناق، وجعلها قاب قوسين من الإغلاق.
«الوطن» تواصلت مع العديد من أصحاب الفنادق في دمشق للوقوف على المشكلات التي تواجههم والتي هددت قدرتهم على الاستمرار بالعمل، فتلخصت هذه المشكلات بنقطتين أساسيتين كما قالوا: فواتير الكهرباء المرتفعة، والضرائب غير المنطقية.
تخبّط واضح في إدارة الملف أظهرته القرارات الارتجالية التي اتخذتها وزارتا المالية والكهرباء، فساعةً تطالب المالية أصحاب الفنادق بدفع ضريبة ثابتة على أجور الغرف، وهو مالا يناسب طبيعة العمل والتسويق، حيث تقوم الفنادق بتقديم أسعار تشجيعية وعروض وتختلف الأسعار بحسب المواسم، لتعود وتفرض رسوماً وإنفاقاً وضرائب تصل لـ24 بالمئة على جميع الفواتير، وساعةً تطالب بضرائب على الضيافات والخدمات المجانية المقدمة من قبل الفنادق لبعض الزبائن بهدف التسويق، أما وزارة الكهرباء فرفعت تكاليف الخط الذهبي للشريحة السياحية بشكل كبير.
الطاقة والكهرباء
«الوطن» تواصلت مع مجموعة من أصحاب الفنادق في قلب دمشق، وأغلبها تعمل منذ عشرات السنين، فكانت الشكوى أن مخصصات المازوت لتشغيل المولدات غير كافية وتعود لأمزجة القائمين على الشركة الموردة للمازوت، بالإضافة للتكلفة العالية التي تتكبدها الفنادق من صيانة للمولدات والحراقات والتدفئة في الشتاء، إضافة إلى الأعطال الدائمة التي تترتب على انقطاع التيار وتبدله بين كهرباء الدولة وكهرباء المولدة، ما جعل الاعتماد على المولدات شبه مستحيل، فبالشكل الطبيعي اتجهت إدارة الفندق إلى الخط الذهبي المعفى من التقنين، حيث طرحت وزارة الكهرباء الخط الذهبي للمنشآت السياحية بدايةً بسعر 300 ليرة لكل كيلو واط ساعي، وهو سعر جيد ويوفر أعباء الإصلاحات المتكررة للمولدات ويضمن استمرارية الخدمة، لتقوم الوزارة فيما بعد برفع رسوم اشتراك الخط الذهبي لتصل إلى 800 ليرة لكل كيلو واط ساعي، وفقاً لأسعار الشريحة السياحية، وهي أعلى سعراً من الشريحة التجارية والصناعية، وكأن القطاع السياحي لم يعان بما يكفي من تبعات الحرب والقيود المفروضة على السفر إلى سورية ومؤخراً تبعات وباء كورونا والتي ألقت بعبء ثقيل على القطاع السياحي حول العالم، وقد وصلت فاتورة كهرباء أحد الفنادق لمبلغ900 مليون ليرة، وقال مالك أحد الفنادق إن الخط التجاري على سبيل المثال تكلفة الكيلو واط الساعي 400 ليرة وهو ما لا يتوافق مع قانون انخفاض السعر الذي يتبع حجم الاستهلاك «سعر الجملة» حيث أن الفنادق تستهلك حجم أكبر بحكم حاجتها للتشغيل على مدار اليوم، في حين المراكز التجارية والمحال تغلق عند ساعة معينة، إضافة إلى عدم حاجتها للتدفئة والتكييف مثل الفنادق بحكم طبيعة عملها التي تحتم على أصحابها تأمين إقامة لائقة للسياح والنزلاء.
الرسوم والضرائب
يلخص أحد أصحاب الفنادق مشكلتهم بفرض ضرائب على الدخل وليس على ضرائب الأرباح، فهي تسدد بغض النظر عن القيمة الإجمالية لأرباح الفنادق مقارنةً مع المدفوعات، ما يعني ترتيب خسارة فوق الخسارة، وبالإضافة لضرائب الدخل ورسوم الإنفاق الإستهلاكي، تقوم المالية بفرض ضرائب غير منطقية مثل ضريبة «الضيافة»، وهي بحسب المصدر الملجأ الأخير للمالية لجباية الأموال من أصحاب الفندق، فعندما تتأكد من صحة الفواتير واستيفاء جميع الضرائب تبحث في فواتير الضيافة التي تقدم للزبائن بشكل مجاني، وتطالب بدفع ضرائب عليها، مع العلم أن نظام الضيافة موجود في جميع برامج إدارة الفنادق المعتمدة من قبل أصحاب الفنادق وبموافقة المالية، وبلغة بسيطة ممكن شرح فكرة ضريبة الضيافة: بأن تترتب على الفندق ضريبة إذا قام صاحب المنشأة بفعالية مجانية يقدمها للزبائن المميزين وكبار العملاء بهدف الترويج أو ضمان استمرار تعامل الزبون مع الفندق، والمبالغ المترتبة تصل إلى ملايين بالإضافة إلى إغلاق المنشأة لعدد من الأيام في حال التخلف عن الدفع، وأضاف إنه في إحدى زيارات المالية إلى فندقه، ترتب عليه عقوبة الإغلاق لمدة معينة، وهو مالا يتوافق مع طبيعة عمل الفندقة، فمن غير الممكن أن يقوم الفندق بالاعتذار من الزبائن والطلب منهم إخلاء الغرف بسبب مخالفة من المالية، فاتجه الفندق إلى دفع غرامة بديلة عن الإغلاق والتي تقدر بحسب القوانين بخمسين ألف ليرة سورية عن كل يوم، ولكن لم يقبل المسؤولون بأخذ الغرامة بديلة الإغلاق فقدم الفندق مبلغاً يصل إلى أضعاف المخالفة تحت مسمى «هبة».
ضرر بعجلة الاقتصاد
كل ما سبق جعل الفنادق في وضع يصفه أصحابها بالصعب جداً، فأصبح يقتصر عملهم على تجميع الأرباح بهدف تسديد الضرائب وفواتير الكهرباء وتسديد أجور الموظفين، من دون أي مربح أو فائض يمكّنهم من تنمية أعمالهم أو تجديد الغرف وصيانتها أو تقديم خدمات إضافية، وفي بعض الأحيان يصبح من الصعب المحافظة على كوادرهم بسبب عدم القدرة على رفع الأجور والرواتب، ما يترتب عليه خسارة كفاءات وخبرات دربتها وعلمتها هذه الفنادق على مدى عقود، ويضيف صاحب الفندق: إن الأزمة المالية أفقدتهم القدرة على التجديد، ما يؤثر على عدد كبير من المهن المستفيدة من استمرار عمل الفنادق، فعندما يفقد الفندق القدرة على تجديد غرفه يخسر العديد من أصحاب المهن عملهم، من نجارين وعمال صحية وغيرها من الورشات، وهو بالشكل الطبيعي يؤثر في دوران عجلة الاقتصاد واستمرار التدفق المالي بشكل صحيح، وأضاف المصدر إن الاستمرار بالعمل بهذا الوضع يعني بالنسبة لهم السير نحو الهاوية، وقد يصل بهم الحال إلى الإغلاق وعرض منشآتهم للبيع وذلك للحد من الخسائر والخروج بأقل الأضرار.
المراقب المالي هو المدير
ويسأل مدير أحد الفنادق: هل ما زلنا نحن ندير فنادقنا حقيقة؟ أم إن المراقب المالي هو من يديرها؟ فإن نظرنا إلى لائحة الضرائب والرسوم المفروضة على المنشآت الفندقية، نكتشف أن المراقب المالي بات هو من يقرر كيف يدار الفندق، وما نسب الحسومات التي يمكن أن نقدمها أو لا نقدمها، حتى إن المراقب قرر نيابة عنا ماذا نطعم موظفينا وعمالنا وعدد الوجبات! وقرر إعداد المجموعات السياحية والغرف التي يمكن أن نقدمها مجاناً لاستقطاب هذه المجموعات! وعملياً أصبحنا موظفين عند المراقب المالي الذي يقرر كيف يدار الفندق.
لا ردود من المسؤولين
«الوطن» حاولت التواصل مع مدير عام الهيئة العامة للضرائب والرسوم، لنقل حديث وشكوى أصحاب الفنادق إليها، والحصول على وجهة نظرها اتجاه الموضوع، لكن وبعد نحو عشرة أيام من طلب التواصل، جاء الرد بكلمتين فقط: مين الفندق!
أما وزارة الكهرباء، فطلبت التريث لأخذ وجهة نظر الوزير في الموضوع.
تدني خدمات البنى التحتية
مدير البحوث والاستشارات في المعهد الوطني للإدارة العامة والخبير الاقتصادي أيهم أسد، يرى أن المشكلة الأساسية لدى قطاع الأعمال ومنها قطاع الفنادق في سورية لا تكمن في معدلات الضريبة، بل في تدني مستوى جودة خدمات البنية التحتية في المقام الأول، ومنها الكهرباء والماء والنقل والاتصالات، حيث باتت تكاليف تجاوز صعوبات تلك الخدمات المتدنية بالنسبة لقطاع الأعمال أكبر بكثير من قيمة الضرائب المفروضة عليه والمحصلة منه.
وبالتالي فإن التركيز على تطوير خدمات البنية التحتية لقطاع الأعمال أجدى بكثير من التركيز على مسألة الضرائب في الوقت الحالي، كما أنه أهم بكثير لخلق بيئة جاذبة للاستثمار، فالمستثمر اليوم يقلقه وينفره تدني جودة خدمات البنية التحتية أكثر بكثير مما تقلقه أو تنفره الضرائب المفروضة عليه.
الضريبة تقتل الضريبة
أما بالنسبة للضرائب إن كانت عالية أم لا على قطاع الأعمال، فيمكن القول من حيث المبدأ إن هناك مبدأ عام في المالية العامة يقول بأن «الضريبة تقتل الضريبة»، وهذا معناه أنه عندما تقوم الإدارة المالية بزيادة معدلات الضرائب، فإن مردودها سيزيد أولاً، ومن ثم سوف يتناقص بسب زيادة نسبتها وتهرب قطاع الأعمال من دفعها بأي طريقة كانت.
وبالتالي فإن الضرائب المعتدلة والمناسبة للحالة الاقتصادية هي الحل الأنسب لاستمرار النشاط الاقتصادي، وهي الضامن لاستمرار قطاع الأعمال، على أن يلتزم قطاع الأعمال بدفع تلك الضرائب أولاً وألا يعكسها على مستهلك المنتج أو الخدمة ثانياً.
يضاف إلى ذلك أنه عند مطالبة قطاع الأعمال للحكومة بتخفيض الضرائب المفروضة على نشاطه، ففي الجانب الآخر سيكون مطلوباً منه أيضاً الالتزام بأنظمة وقوانين والعمل، والتي أقلها هو تسجيل عماله كافة في التأمينات الاجتماعية أولاً، وتسجيلهم بالقيم الحقيقية لرواتبهم ثانياً، حفاظاً على حقوق العمال، هذا عدا إمكانية مطالبته بتحقيق بقية ظروف العمل والمنصوص عليها بقانون العمل رقم 17 والتي لا يطبقها القسم الأكبر من قطاع الأعمال، وبالتالي فإن المطالبة بحق تخفيض الضرائب من وجهة نظر قطاع الأعمال تستلزم مطالبته بالحفاظ على حقوق العمال.