قضى سكان مدينة حلب ليلة عصيبة إثر حدوث زلزال مدمر أتى على عشرات المباني وخلف عشرات الضحايا، وآثر الكثير منهم المبيت في الشوارع والساحات والخلاء خشية من الهزات الارتدادية التي حدثت إحداها ظهر أمس.
وعلى الرغم من الأمطار المتساقطة ومخاوف الهزات الارتدادية، واصلت فرق الإنقاذ عملها واصلة الليل بالنهار لرفع أنقاض الأبنية المهدمة وانتشال الجثث، على أمل العثور على ناجين.
ورصدت «الوطن» خروج آلاف العائلات في شطري المدينة الشرقي والغربي أثناء وعقب حدوث الزلزال قبيل فجر الليلة ما قبل الماضية، حيث بقوا نهار أمس في الطرقات والساحات البعيدة عن الأبنية خوفاً من تكرار سيناريو الليلة السابقة، مع انتشار شائعات عن احتمال حدوث زلزال بالقوة نفسها مركزه مناطق جنوب تركيا، ولاسيما ولاية مرعش، وارتدادات انتقالها المدمرة على مدن الشمال السوري، ومنها حلب.
وعاش أبناء الأحياء الواقعة شرق المدينة رعباً مضاعفاً، بسبب وقوعها ضمن حزام المناطق العشوائية البناء، والتي لقيت حظها الأوفر والأسوأ من تعداد الأبنية التي تهدمت بفعل الزلزال، وخاصة في أحياء بستان القصر والكلاسة والفردوس والصالحين والشعار وطريق الباب.
وخفف من المصاب الأليم لأهالي المدينة تسمرهم خارج أبنيتهم، التي انهار بعضها صباح أمس بعد ساعات من حدوث الزلزال، بينما لاقى الذين بقوا أو عادوا إلى بيوتهم عقب الزلزال قدرهم المحتوم.
كما رصدت «الوطن» مشاعر ووجوه بؤس الناس وجهود فرق الإنقاذ خلال عمليات رفع أنقاض ثلاث كتل سكنية متلاصقة ببعضها بعضاً ومكونة من ٥ طوابق في حي المشارقة وسط المدينة، حيث وصل عدد الجثث التي تم سحبها من تحت الأنقاض حتى عصر أمس لـ١٤ جثة، بينها عائلة مكونة من أم و٤ أطفال، ورجح سكان الأبنية المجاورة تضاعف عدد الوفيات مع استمرار إزالة الأنقاض.
وفضلت الكثير من الأسر الحلبية قضاء نهار أمس داخل المساجد والكنائس التي فتحت أبوابها على مدار الساعة لاستقبال المنكوبين والمتخوفين من حدوث زلازل وهزات ارتدادية أخرى.
وبينما قطعت مؤسسة المياه مياه الشرب عن أحياء مركز المدينة بشكل مؤقت منعاً لحدوث تسربات إلى أساسات الأبنية واحتمال تعرضها لخطر السقوط، خفف من تداعي الزلزال انقطاع التيار الكهربائي عن معظم أحياء المدينة، وخصوصاً أثناء وعقب حدوث الزلزال، ما قلل من إمكانية حدوث حرائق.
ونشطت سيارات الإسعاف طوال أمس بين الأحياء التي انهارت أبنية فيها لنقل الجثث والمصابين إلى المشافي، التي استنفرت الحكومية والخاصة منها لاحتواء الموقف الجلل الذي لم تعشه المدينة منذ عشرات السنين.
وأفاد مصدر في الدفاع الوطني لـ«الوطن» بأن عمليات سحب الأنقاض ما زالت مستمرة في الأبنية التي تعرضت للسقوط من جراء الزلزال، وعددها ٣ أبنية بارتفاع ٤ طوابق، في حي الكلاسة قرب جامع زيد بن حارثة على أمل العثور على أحياء تحت الأنقاض بعد انتشال ٣ جثث حتى عصر أمس.
محافظة حلب، وفي حصيلة أولية، أحصت انهيار ٣٦ مبنى وإصابة ١٩٥ شخصاً ووفاة ٤٣ آخرين، إلا أن عدد الوفيات والإصابات قد يتضاعف مع مواصلة فرق الدفاع المدني والإطفاء والصحة والإسعاف والهلال الأحمر وكوادر وآليات القطاع العام عمليات الإنقاذ ورفع الأنقاض والبحث عن ناجين وإسعاف الجرحى.
وعقدت اللجنة الفرعية للإغاثة بحلب أمس اجتماعاً طارئاً ضم جميع الفعاليات المعنية، برئاسة محافظ حلب حسين دياب، ضمن غرفة عمليات موسعة بمبنى المحافظة لتقييم الواقع ومتابعة توزيع الآليات والكوادر البشرية والفنية والصحية على مواقع الأبنية المنهارة في أحياء المدينة، وبمؤازرة الأهالي والفعاليات الأهلية.
وقررت اللجنة تأمين السكن المؤقت ضمن المتاح وضمن مدينة هنانو ومباني السكك الحديدية، إلى جانب تأمين المواد الإغاثية والاسعافية اللازمة. ووجهت الآليات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة إلى جميع مواقع الأبنية المهدمة والاستمرار في عمليات رفع الأنقاض والإنقاذ والإسعاف والبحث عن ناجين.
واستجابة للحالة الطارئة في المحافظة، وخلال اجتماع اللجنة الفرعية للإغاثة، جرى تأمين مراكز إيواء في حي مساكن هنانو بواقع ١٥٠ شقة تابعة لمجلس المدينة و٢٥ شقة للسكك الحديدية في مبنى التأهيل والتدريب في حي الشيخ طه، على حين جرى تخصيص ١٧ مدرسة لإيواء مؤقت لعشرات العائلات مع تأمين الوجبات الغذائية والمواد الإغاثية من حرامات وفرش وسلل غذائية وغيرها.
وقال مصدر في محافظة حلب لـ«الوطن»: إن العمل جار على تأمين شقق إيواء أخرى للمتضررين من الزلزال والباحثين عن مكان آمن مع استمرار عمل فرق الإنقاذ وإحصاء الأضرار البشرية والمادية، ولفت إلى أن كل إمكانيات ومقدرات المحافظة مسخرة كلها للتعامل مع الكارثة التي أصابت المدينة والتقليل من نتائجها.
إلى ذلك، فتحت الأمانة السورية للتنمية أبواب كل مناراتها المجتمعية في محافظة حلب لاستضافة الأهالي الذين خسروا منازلهم، وحرصت على تقديم كل ما يلزم لإقامتهم خلال هذه الفترة الحرجة
الوطن