بقلم: السفير الصيني فنغ بياو
منذ مطلع عام 2020، شكل وباء فيروس كورونا المستجد المفاجئ صدمة وتأثيرا شديدين على الاقتصاد العالمي، ودفع الاقتصاد للتراجع بشكل حاد، ولم تكن الصين استثناء، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.8% في الربع الأول على الأساس السنوي، وشهد “ترويكا” الاستهلاك والاستثمار والتصدير نموا سلبيا.
في وجه الصدمة والتغيرات، عملت الصين، تحت القيادة القوية وبتوجيه الرئيس شي جينبينغ والحكومة الصينية، على دفع الأعمال المتعلقة بمكافحة الوباء والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بخطوات منسقة، واتخذت سلسلة من السياسات والإجراءات، وحققت انتصارا كبيرا في المعركة المحلية ضد الوباء، وفي نفس الوقت، حققت استئنافا متسارعا للعمل والإنتاج وإعادة فتح المحلات والأسواق، الأمر الذي جعل الصين أول دولة خرجت من غيوم الوباء وسجلت الانتعاش الاقتصادي. في النصف الأول للعام الجاري، شهد اقتصاد الصين هبوطا ثم صعودا، وشهد الربع الثاني تحولا من النمو الاقتصادي السلبي إلى النمو الإيجابي والانتعاش الاقتصادي بشكل مطرد وارتفاعا للمؤشرات الاقتصادية الأساسية، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي 45.6614 تريليون يوان صيني (حوالي 6.52 تريليون دولار أمريكي)، رغم أنه تراجع بنسبة 6.8% في الربع الأول على الأساس السنوي، غير أنه زاد بنسبة 3.2% على الأساس السنوي في الربع الثاني، و11.5% على الأساس الشهري. كما شهدت الصين زراعة قوية كالأساس وصناعة حيوية كالرائد، حيث سجلت رقما قياسيا جديدا في إنتاج الحبوب الصيفية وشهدت زخما واضحا للانتعاش الصناعي. في هذا السياق، حققت المؤسسات الصناعية الأساسية في كل أنحاء البلاد ربحا بقيمة 582.34 مليار يوان صيني (حوالي 83.2 مليار دولار أمريكي)، أي تحولت من التراجع بنسبة 4.3% على الأساس السنوي في إبريل الماضي إلى الزيادة بنسبة 6% على الأساس السنوي. كما تقلص التراجع في قطاع الخدمات، وانتعشت مبيعات الأسواق وازدادت مبيعات التجزئة على الانترنت بنسبة 14.3% على الأساس السنوي. واستعاد الاستثمار بشكل سريع، خاصة الاستثمار في قطاع التكنولوجيا المتقدمة والقطاعات الاجتماعية الذي تحول من النمو السلبي إلى الإيجابي.
خرج اقتصاد الصين من المأزق وبدأ الانتعاش قبل الآخرين في ظل التفشي الخطير لفيروس كورونا المستجد، جاء ذلك نتيجة للسياسات المتكاملة التي اتخذتها الحكومة الصينية في المجالات المالية والنقدية والاجتماعية. في النصف الأول للعام الجاري، خفضت الصين الضرائب والرسوم بقيمة 2.5 تريليون يوان صيني (حوالي 357.1 مليار دولار أمريكي)، وزادت العجز المالي وسندات الخزينة الخاصة لمكافحة الوباء بقيمة تريليوني يوان صيني (حوالي 285.7 مليار دولار أمريكي)، ودفعت القطاع المالي للتنازل عن 1.5 تريليون يوان صيني (حوالي 214.2 مليار دولار أمريكي) لشركات بأشكالها المختلفة. في نهاية يونيو الماضي، ازداد عرض النقود بمعناه الواسع (M2) بنسبة 11% على الأساس السنوي، مما كفلت وفرة السيولة. كما بذلت الصين قصارى جهدها للحفاظ على التوظيف المستقر والمعيشة الميسورة للشعب، وركزت جهودها على خريجي الجامعات والعمال الفلاحين وغيرهم من الفئات ذات الأولوية، ودعمت التوظيف المرن بقنوات متعددة، وزادت الدعم لضمان معيشة الشعب. لغاية نهاية يونيو، بلغ عدد الأيدي العاملة الفقرة في 25 مقاطعة التي تعمل في الخارج 28.309 مليون نسمة. كما نجحت الصين في الحفاظ على أساسيات التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي، وتحسين الخدمة لشركات التجارة الدولية، واستكمال طرق استرداد الرسوم الجمركية للتصدير، وتقليل صعوبة الشركات الأجنبية في السيولة، وتهيئة نقاط النمو الجديدة للاستثمار الأجنبي، الأمر الذي حقق ازديادا للاستثمار الأجنبي وتوازنا لميزان المدفوعات الدولية.
ليس من السهل للصين، كدولة نامية كبيرة يبلغ تعداد سكانها 1.4 مليار نسمة، أن تحقق خلال هذه الفترة الوجيزة السيطرة الفعالة على الوباء وتحول الاقتصاد من الانكماش إلى الازدياد وتحافظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وذلك يبين بجلاء ما يتمتع به الاقتصاد الصيني من الصلابة والإمكانيات الكامنة القويتين. لم يكن النمو في الربع الثاني إلا نموا في فترة الانتعاش، وهو أرسى أساسا متينا لمزيد من الانتعاش والازدياد في النصف الثاني لهذا العام. في الوقت نفسه، ولّدت فترة الوباء كثيرا من القطاعات الجديدة، مثل الاقتصاد الرقمي والصناعة الذكية والصحة، وأصبحت نقاط النمو الجديدة والركائز الجديدة لاقتصاد الصين، هي مقبلة على مستقبل واعد. ليس هناك مشكلة أمام الحكومة الصينية للوفاء بتعهداتها بشأن القضاء على الفقر نهائيا قبل نهاية هذا العام وبناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل في عام 2021.
تأثرت عملية العولمة والسلسلة الصناعية الدولية بهذا الوباء إلى حد ما، وإعادة الهيكلة والتعديل أمر لا مفر منه، غير أن الاتجاه العام للعولمة الاقتصادية والتعاون القطاعي الدولي لن يتغير. قد أثبت الوباء بشكل أوضح أن البشرية تعيش في مجتمع ذي مستقبل مشترك، وتترابط فيه مصاير الدول وتربح وتخسر فيه الدول كدولة واحدة. في فترة ما بعد الوباء، ستعمل الصين كالمعتاد على دفع العولمة والتعاون القطاعي الدولي إلى اتجاه أكثر انفتاحا وشمولا وتوازنا يحقق نفعا وكسبا للجميع، وبناء عالم يسوده السلام الدائم والأمن السائد والازدهار المشترك والانفتاح والشمول والنظافة والجمال.
تربط بين الصين وسورية الصداقة التاريخية، وتنظر الصين دائما إلى سورية كصديق حميم وأخ عزيز وشريك طيب لإقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية وإقامة نوع جديد من العلاقات الدولية، وستعمل كالمعتاد على دفع التعاون المتبادل المنفعة بين البلدين في كافة المجالات، وتقديم ما في وسعها من المساعدة للجانب السوري لمكافحة الوباء، بما يساعد الشعب السوري على هزيمة الوباء واستئناف العمل والإنتاج في يوم مبكر، بما يساهم في إعادة الإعمار الاقتصادي في سورية.