هل طارت الودائع العربية في مصارف لبنان؟ صحيفة لبنانية.. ودائع مصرف لبنان تتراجع 32 ملياراً؟

تواجه المصارف اللبنانية ازمة هيكلية في ظل افتقادها السيولة بالدولار الاميركي، الذي يجعلها في وضع العاجز عن تلبية طلبات زبائنها. وما فاقم هذه الازمة، لم يتم إتخاذ أي إجراءات لمواجهتها، ولاستعادة العمل المصرفي طبيعته.

وما يزيد أكثر تسجيل ” مصرف لبنان المركزي” تراجعاً في حجم الودائع  من ١٧٤ مليار دولار مطلع السنة الى ١٤٢ ملياراً في تشرين الاول(اكتوبر) الماضي.

حيث أكثر من عام على تفجر أزمة السيولة في القطاع المصرفي اللبناني، ولم تسجل حتى اليوم أي خطوة أو إجراء من شأنه أن يطمئن المودعين في المصارف إلى مصير ودائعهم، بعدما حجزت القيود الصارمة المفروضة على المودعين تلك الودائع، وحرمت أصحابها من حرية التصرف بها، خلافاً للقوانين اللبنانية المرعية، وبغياب أي قانون استثنائي ينظم تلك القيود. بحسب صحيفة “النهار” اللبنانية.

فباستثناء التعاميم الدورية الصادرة عن المصرف المركزي، الذي ينظم حركة السحوبات ويحددها، فشلت المصارف في إقناع السلطات اللبنانية بإقرار قانون ينظم حركة السحوبات والتحويلات، في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. وهذا امر طبيعي، وسجل سابقة مماثلة مع صدور قانون استثنائي في العام 1967 غداة ازمة بنك “إنترا” الشهيرة ، عُمل به لبضعة اشهر حتى تصفية كل الحسابات العالقة بنتيجة تلك الازمة.

فلا طلب المصرف المركزي إلى المصارف رفع رسملتها بنسبة ٢٠ في المئة نجح في ادخال أموال جديدة اليها، في ظل تمنع المساهمين الكبار عن ضخ اي استثمارات جديدة في القطاع، ولا هو نجح الى جانب الحكومة في فرض اعادة هيكلة للقطاع المالي، بل تُركت المصارف لإدارة ازمتها، فيما هي تحمل كامل مسؤولية الفجوة المالية الحاصلة في المصرف المركزي والبالغة نحو ٦٠ مليار دولار للدولة، بفعل تمويل عجوزات الخزينة والهدر الذي حصل من أموال المودعين.

وقد أدى مرور الوقت الى تفاقم الازمة وزيادة حدتها، خصوصاً ان البلاد تشهد أسوأ أزمة سياسية في ظل تعذر تشكيل حكومة جديدة، بعد استقالة حكومة حسان دياب منذ أكثر من ثلاثة اشهر، وتحديداً غداة انفجار الرابع من آب (اغسطس) الماضي.

غياب المعالجات، وتبين الاستهداف المبرمج للقطاع المصرفي والمالي، دفعا اصحاب الودائع اللبنانيين وغير اللبنانيين الى ابتداع الوسائل الكفيلة بتحرير ودائعهم بأقل الخسائر الممكنة. ذلك ان حجز الاموال افقد المودع اي حرية تصرف بوديعته، وخصوصا تلك المحررة بالدولار الاميركي. فعمد هؤلاء، اما الى الاستثمار في القطاع العقاري من خلال شراء الاراضي او الشقق والمباني، وفق حجم الوديعة، وإما القبول باقتطاع نسبة وان كبيرة، وصلت الى ٦٠ و٦٥ في المئة من تلك الودائع وتحويلها “كاش”، ومن ثم تحويها الى الخارج.

لقد ساهمت غالبية هذه العمليات، اضافة الى غيرها من العوامل كالتهريب، في تراجع حجم الودائع  من ١٧٤ مليار دولار مطلع السنة الى ١٤٢ ملياراً في تشرين الاول(اكتوبر) الماضي. وقد انسحب هذا التراجع على الودائع العائدة للبنانيين ولغيرهم ايضا من الرعايا العرب الذين أودعوا أموالاً في المصارف اللبنانية. وتشير آخر الإحصاءات الى ان ودائع المقيمين تراجعت بقيمة ١١ مليار دولا، فيما تراجعت ودائع غير المقيمين بقيمة ٤،٥ مليارات دولار ( من ٣٢،٥ مليار دولار في كانون الاول (ديسمبر) ٢٠١٩ الى ٢٨ ملياراً حتى تموز (يوليو) الماضي.

تعول قيادات هذه المصارف على أن يبادر البرلمان إلى اقرار قانون القيود على التحويلات او “كابيتال كونترول”، ليس بهدف وقف خروج الودائع، وهو امر تراجع كثيراً في الآونة الاخيرة، بعدما صُفرت حسابات المصارف اللبنانية لدى المصارف المراسلة في الخارج، وانما خوفاً او تفادياً للنزاع القضائي الذي بدأ يظهر لدى اكثر من مصرف مع زبائن بدأوا مقاضاة مصارفهم في الخارج من اجل تحرير ودائعهم. وتخشى المصارف ارتفاع وتيرة هذه القضايا التي تكبدها اكلافا باهظة تفوق في بعض الحالات قيمة الوديعة نفسها.

فهل الحل بهذا القانون ام ان الازمة بلغت مستويات اللا عودة؟

تؤكد مصادر مصرفية متابعة ان لبنان دخل في دائرة الحلقة المفرغة في ظل غياب وجود سلطة سياسية فاعلة قادرة على اتخاذ القرارات، وغياب الرعاية الدولية له. اذ بدلاً من ان يستعطف لبنان الخارج من اجل مد يد العون له، هو يتعرض لحملة ضغوط دولية تقودها واشنطن على خلفية سياسية تتصل بالتضييق على “حزب الله”، وهذا الامر مرشح لأن يتفاقم في المرحلة المقبلة مع استمرار سياسية لبنان الخارجية بالابتعاد عن الحضن العربي الطبيعي لامتداده الجيوسياسي. وهذا الواقع سيزيد حجم الضغط على القطاع المصرفي، ما يهدد الودائع بالتبخر عملياً. اذ لا يكفي ان تكون موجودة في حسابات المصارف دفترياً اذا كان سيتعذر على أصحابها التصرف بها.

أما البرنامج مع صندوق النقد الدولي، وهو الخيار الاخير المتاح امام البلاد للخروج من كبوتها، فإن شروطه لن تستثني عمليات “هيركات”، كانت اقترحتها خطة حكومة حسان دياب على كبار المودعين. ما يعني عملياً ان قرار اعادة هيكلة القطاع المالي، بما فيه السير في التدقيق الجنائي لحسابات المصرف المركزي، لن يخفف حجم الخسارة التي سيتحملها المودعون قسراً، قبل ان تستعيد البلاد والقطاع المصرفي عافيتهما. وهو امر غير متوقع قبل سنوات من الآن.  ما يهدد فعلا مصير الودائع الموجودة في المصارف للبنانيين او لغيرهم، ويطرح السؤال الذي يتداول به كل المودعين، كيف سيستعيدون اموالهم، وما حجم الخسارة التي ستفرض عليهم نتيجة سوء الادارة والسياسات المخاطِرة للسلطة النقدية؟

لكن هذه الصورة المتشائمة، وإنما الواقعية لما آلت إليه أوضاع المصارف، لا تلغي فرضية امكان التعافي المشروطة باستعادة الثقة الداخلية والخارجية، وهذا تحدٍ لم يرتقِ اليه من هم في السلطة اليوم.

وكالات

شارك