سعر الصرف والدعم الحكومي.. رمال متحركة تكبل أقدام الاقتصاد السوري

نسمع كثيراً من المحللين الاقتصاديين خلال سنوات الأزمة، وخصوصاً في الفترة الأخيرة مصطلح “تراجع القوة الشرائية لليرة السورية”، فالراتب الذي كان يكفي المواطن لشهر كامل في السابق بات بالكاد يكمل الأيام الخمسة الأولى من الشهر، والأمر مرتبط بعدة أسباب سنستعرضها لاحقاً..
وعلى عكس ما يعتقد البعض، فتراجع القوة الشرائية لليرة السورية ليس هو ذاته تراجع قيمتها في سوق العملات، والدليل على ذلك هو أنه رغم استقرار سعر الصرف في سوق العملات لفترات طويلة في الأشهر الماضية بشكل ملحوظ، وانخفاض سعر الصرف في السوق السوداء من 3000 ليرة سورية إلى 2100 ليرة سورية، إلا أن الليرة بقيت تفقد من قيمتها الشرائية الشيء الكثير، لذلك يجب توضيح مصطلح القوة الشرائية لليرة قبل أن نربط الموضوع بمجمله بسعر الصرف، فذلك لا يعدو كونه أحد الأسباب فقط لضعف وتراجع القوة الشرائية لليرة السورية..
ما معنى القوة الشرائية؟
يطلق هذا المصطلح على حجم الاقتصاد الوطني المرتبط بقدرة الأفراد بالتكيف مع مفرداته، وبمعنى آخر عندما تكون القوة الشرائية للعملة الوطنية مرتفعة فهذا يدل على أن المواطنين يعيشون في بحبوحة اقتصادية، لكن عندما تنخفض هذه القدرة أو القوة الشرائية، فهذا مؤشر على أن هناك أزمة اقتصادية تلوح في الأفق، وأن كمية السلع والمصاريف الأخرى التي يمكن للمواطن أن يشتريها أو تسديد قيمتها من مدخوله الشهري أو الأسبوعي بدأت تنخفض خلال نفس المدة الزمنية مقارنةً مع الأشهر أو الأسابيع السابقة التي كان يعيش فيها ببحبوحة..
أما أسباب انخفاض القوة الشرائية للعملة، فلا شك أن أول هذه الأسباب هو انهيار سعر الصرف مقابل الدولار، فهذا سيؤدي حتماً إلى تراجع القوة الشرائية للعملة، وبالتالي ستنخفض مؤشراتها وأسهمها ورصيدها في سوق العملات وفي التبادلات والتعاملات التجارية، وربما سيؤدي ذلك إلى غياب الثقة باستخدامها والتعامل بها، لكن هذا السبب خاضع للتبدل والتغير عندما يكون هناك مصادر وسلع مميزة للدولة، عندها تجبر الدول الأخرى على التعامل بعملتها أو إحدى العملات الأخرى التي تريدها، لكن في كثير من الأحيان تنخفض القوة الشرائية للعملة عند قيام الدولة بطباعة المزيد من العملات الورقية وإنفاقها في مجالات غير انتاجية، دون أن يقابل ذلك أي زيادة في الانتاج، وهذا هو السبب الثاني، ما يتسبب في ارتفاع الأسعار للسلع والخدمات، وبالتالي الوقوع في دوامة التضخم، فإذا ما ارتفعت الأسعار وبقيت الأجور ثابتة، أو حتى زادت الأجور بنسب أقل من معدل التضخم فإن القوة الشرائية تبدأ بالتآكل، والعكس صحيح..
وينطبق هذا الطرح على واقع الاقتصاد السوري بشكل كبير، حيث يتراجع الانتاج على حساب انفاق موارد الدولة في القطاعات الاستهلاكية، ليغدو الاقتصاد السوري كالمتوقف على رمال متحركة،  وهو بحاجة إلى من ينتشله، وأي حركة غير محسوبة بشكل دقيق فسيؤدي ذلك إلى تدهور القوة الشرائية للعملة والتورط بالتضخم، وهذا يعتبر السبب الثالث وربما أخطرها، فإذا ما بقيت الأجور على حالها فسنفقد السيطرة على هذا التضخم بالتزامن مع استمرار الاستهلاك على حساب الإنتاج.
نقطة نظام..
قد ينطبق ما تم ذكره على الليرة السورية كما أسلفنا، إذ أن الدين الداخلي في سورية يزداد بإستمرار في ظل غياب القطاعات الإنتاجية، وهذا الدين الداخلي الذي تتورط به الدولة، بالإضافة إلى تقديم الدعم للمنتجات الأساسية، ما هو إلا إلتفاف على المشكلة الحقيقية، واعتماد الدولة على سياسة جباية الضرائب لملء خزينتها لن يؤتي أكله، فعما قريب ستفرغ جيوب المواطنين من العملة، وعندها لن تجد الدولة ما يعود إلى خزينتها في ظل غياب الإنتاج والمنتجين.

المشهد

شارك