هل العالم من دون الدولار والليبرالية المتوحشة أفضل؟

إنّ وزن أونصة الذهب من عيار(24) نحو (31) غراماً ويبلغ سعرها حالياً نحو (1850) دولاراً، أي إنّ سعر غرام الذهب نحو (60) دولاراً، بينما كان سعر الأونصة نفسها عندما حل الدولار محل الذهب سنة (1944) ووفقاً لاتفاقية «بريتون وودز» في ولاية (نيوهامشر الأمريكية) نحو (32) دولاراً، أي إنّ سعر غرام واحد من الذهب بحدود (1) دولار تقريباً، وهنا نشير إلى أنه عندما تم ربط الدولار بالذهب سنة (1944), ظهر«الدولار الذهبي», أي يمكن لكل من يملك دولاراً أن يبدله تقريباً بغرام من الذهب من أي بنك أمريكي، ومن هنا ظهرت الإشكالية الاقتصادية النقدية وهي هل الدولار يقيّم الذهب أم الذهب يقيّم الدولار؟!، وتجسد رأي الكثير من خبراء الاقتصاد على أن العلاقة بينهما هي علاقة عكسية، أي إنه كلما ارتفع سعر الدولار انخفض سعر الذهب والعكس صحيح ، لكننا لا نتفق مع هذا الرأي لأنه قد يرتفع سعرهما أو ينخفض في وقت واحد، ويبدو هذا واضحاً من خلال قراءة تاريخ كل منهما، فقد تم اعتماد الدولار كعملة أمريكية رسمية سنة (1862)، أما اعتماد معيار الذهب كقاعدة نقدية فقد ظهر سنة (1821) في المملكة المتحدة العظمى, وكانت في ذاك التاريخ قائدة العالم من الناحية الاقتصادية، وبسبب الحرب العالمية الأولى سنة (1914- 1918), ونفقاتها الباهظة ومحدودية الاحتياطيات الذهبية تخلّت الدول عن استخدام الذهب، ومهدت هذه الحرب للأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى سنة (1929), ومهدت هذه الأزمة للحرب العالمية الثانية (1939-1945) ، وبعد الحرب العالمية الثانية وخروج أمريكا منتصرة كانت تمتلك نسبة (75%) من الذهب العالمي, وبدأت تطمح للسيطرة على العالم اقتصادياً وعسكرياً من خلال دولارها، ولتجسيد ذلك وجهت لعقد اجتماع في أمريكا بحجة تجنب تداعيات الحرب السلبية وضمان الاستقرار الاقتصادي والتجاري, وبعد حوار طويل تم اعتماد فكرة (الدولار الذهبي)، وجوهر ذلك هو ربط الدولار بالذهب والذهب بالدولار، بحيث يحق لكل شخص أو دولة من دول العالم أن يبدل كل دولار بغرام من الذهب من أي بنك أمريكي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الاقتصادي المتميز الممثل للحكومة البريطانية في ذاك الوقت (جون ماينارد كينز) وقف ضد الفكرة, وعدّ أن هذا سيجعل العالم بشكل عام, وبريطانيا بشكل خاص تابعين لأمريكا، ولكن الحكومة البريطانية لم تهتم باقتراحاته وأصبحت فعلاً بريطانيا تابعة لأمريكا، وبدأت أغلبية دول العالم تربط عملاتها بالدولار الأمريكي, وتستخدم الدولار كاحتياطي نقدي لها لإصدار عملاتها واستغنت عن تغطية نقودها بالإنتاج أو بالذهب، ومن ذاك الوقت سيطر الدولار سيطرة شبه مطلقة على كل التعاملات النقدية العالمية، ولكن في سنة (1968) حصل ما لم يكن متوقعاً حيث طالب الرئيس الفرنسي المتمرد على السياسة الأمريكية والبريطانية – السيد تشارل ديغول بتحويل الدولارات الأمريكية الموجودة لدى البنك المركزي الفرنسي إلى ذهب, وعلى قاعدة الدولار الذهبي المعتمد باتفاقية (بريتون وودز ) وبأن كل دولار يعادل غرام ذهب تقريباً، وطرح للمبادلة (191) مليون دولار أي بما يعادل (191) مليون غرام ذهب تقريباً، وكان عندها سعر الأونصة قد ارتفع إلى نحو (35) دولاراً، وبعملية حسابية فإنه يجب على أمريكا تحويل نحو (171) طن ذهب عيار «24» إلى فرنسا، ولكن أمريكا رفضت ذلك وخرقت اتفاقية بريتون وودز سنة (1971), ما أدى إلى خلل نقدي عالمي كبير لكن أمريكا وكعادتها تعتمد شعار «أمريكا أولاً» لم تكترث بل أصدر نيكسون بيانه الشهير في سنة (1973) يلغي فيه التزام الولايات المتّحدة بتحويل الدولارات الأمريكية إلى ذهب والخروج من اتفاقية بريتون وودز بشكل نهائي، وعرف ذلك القرار لاحقاً بمصطلح “صدمة نيكسون- Nixon Shock” وبدأ منذ ذلك التاريخ تعويم العملات وتغلغلت الفوضى النقدية في كل المفاصل الاقتصادية العالمية، وبدأت آلات طباعة الدولارات الأمريكية تطبع من دون رقيب وحسيب, وكان الدولار قدر للعالم وهو غير مغطى بالإنتاج أو بالذهب، بل مغطى فقط بقوتها العسكرية، وحالياً ومع تراجع أمريكا وظهور قوى عالمية جديدة, هل ستتم إزاحة الدولار عن عرشه ويكون العالم أفضل من دون أمريكا ودولارها وليبراليتها المتوحشة ؟!

تشرين

شارك