ثبات سعر الصرف هل هو حقيقي أم تخيّلي؟.. مسؤول اقتصادي: امتناع السوريين عن تبديل العملة لادّخارها أدّى لثباته

                              المواطن لا يمكنه لمس ثباته في الأسواق.. والآثار الإيجابية قد تطول

“الأمر ليس بيدنا.. الأخضر يرتفع” هذه العبارة كانت تتردد كثيراً على ألسنة الباعة في كل مرّة يسأل فيها المواطن عن سبب ارتفاع أسعار السلع المبالغ به، حتى أصبح بائع البقدونس أيضاً يردد ذات العبارة.

اليوم ومع ثبات سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية، توقّع المواطن انخفاضاً في الأسعار حتى وإن كان بنسبة قليلة، إلا أن ما حدث هو استمراراً لمسلسل ارتفاع الأسعار، وفي أغلب السلع، بل وبقرارات حكومية في البعض منها.

إذ تكمن المشكلة في ازدياد الأسعار مع ثبات سعر الصرف بشكل تقريبي حيث تراوح بين 3400-3560 ليرة، خلال فترة رصدتها “المشهد” مدتها حوالي ثلاثة أشهر أي من 1 أيلول وحتى اليوم، ما شكل العديد من إشارات الاستفهام حول معادلة احتساب الأسعار، وهل بإمكاننا اعتبار أن هذا الثبات هو مؤشر إيجابي؟ وإن كان ذلك فأين نستطيع لمس نتائجه ومتى؟

رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية في سوريا عابد فضلية، اعتبر في تصريح لـ “المشهد” أن الدولار سلعة كغيرها من السلع، وبالتالي فإن سعرها مرتبط بالعرض والطلب، لذا فإن ما نلاحظه اليوم من ثبات سعره أمام الليرة يعود إلى استقرار الطلب على الدولار بأكثر من جانب، إذ امتنع السوريون عن تبديل أموالهم إلى دولار للاكتناز وادّخار الأموال، وخاصة أن انخفاض سعره جعلهم مدركين لمخاطر تبديل العملة بدلائل باتت معروفة، حيث وصل سعر الدولار في العام الماضي إلى أربعة آلاف ليرة، فيما انخفض منذ عدة أشهر إلى 3200 ليرة، مشيراً إلى أن الليرة السورية صارت شبه مستقرّة، ولا يوجد هناك توقّعات بهبوطها مجدداً.

إذاً، استقر الطلب على الدولار مقارنة ببداية الأزمة ووسطها ونهايتها، يقول فضلية، ” حيث شهدنا في الفترة السابقة مواطنين حّولوا مليارات الليرات إلى قطع أجنبي لمغادرة البلاد، وبعضهم أغلقوا معاملهم وهاجروا هروباً من البيئة الاقتصادية، إضافة إلى أن الوضع الاستثماري اليوم في وضعه السائد والمقبول بالنسبة للاستثمار هذا ما نتج عنه استقرار الطلب على الدولار في هذا الجانب”.

ويرى فضلية أن لمصرف سورية المركزي دوراً كبيراً في ذلك، حيث بات اليوم أكثر قدرة على التدخل الفاعل في السوق، والقيام بوظيفته الأساسية بتثبيت سعر الدولار، من حيث أنّه وضع عدّة أسعار للنشرة الرسمية منها لمن يريد الدخول إلى سورية وللاستيراد أو لدفع البدل.

ومن الجانب السياسي يعتبر فضلية أن لتطور العلاقات بين سوريا وبعض الدول أيضاً دوراً كبيراً في التطور الاقتصادي، باعتبار أن الاقتصاد هو الجانب الآخر للسياسة.

وفيما يخص تأثير ذلك على اقتصاد السوق، أشار إلى أن المواطن لا يمكنه لمس هذا الثبات بسبب عدة عوامل جعلت عملية استيراد وشراء المواد والسلع أصعب من السابق، منها قانون قيصر، إضافة إلى ارتفاع سعر النفط عالمياً، وارتفاع أجور النقل والشحن إلى سوريا، إذ أصبحت الشركات العالمية تستغل عودة نشاط الطلب على الشحن بعد إعادة الاستيراد وفتح المعابر التي تم إغلاقها بسبب الإجراءات التي فرضتها الحكومات نتيجة تفشي فيروس كورونا، كما أن لارتفاع أسعار نقل الحاويات نصيباً في مواصلة ارتفاع أسعار السلع.

وتابع فضلية: نحن تأثرنا كأي دولة بالارتفاع العالمي لأسعار النفط ومشتقاته وخدمات الشحن، ولكن كان هذا التأثير علينا مضاعفاً باعتبارنا دولة محاصرة، إذ ازدادت المصاعب علينا وهذا ما يسمى اقتصادياً باستيراد التضخم، إذ تصل المواد الأولية بأسعار مضاعفة، وتزداد تكاليف السلع 100%، ناهيك عن صعوبة إيجاد المادة في المكان والوقت اللازمين، لذا فإن ارتفاع التكلفة يزيد من قيمة السلعة، مشيراً إلى العوامل الداخلية أيضاً التي أدت إلى ارتفاع أتعاب مقدم الخدمة، حيث أصبح يحتاج لربح أكثر كي يغطي تكاليف المعيشة العالية.

وأشار إلى أن الوضع المعيشي سيء والاقتصاد جامد والإنتاج صغير، لكن إقلاعه كي يصبح ممتازاً يحتاج إلى وقت قد يطول، ما سيؤثر سلباً على المواطنين، لكون الأمور التي تخص مستوى المعيشة تعتبر أموراً لحظية، مضيفاً: لا نستطيع طمأنة المواطنين بأن هذا التحسن سيكون قريباً ولكن نستطيع القول بأن اتجاه السهم إيجابي.

ويمتلك فضلية نظرة تفاؤلية لمستقبل الاقتصاد السوري، إذ يرى أن هذا الثبات يجذب المستثمرين، فعلى المدى المتوسط هناك توقعات بأن تصبح الظروف الاقتصادية جيدة، أما على المدى الطويل ستكون ممتازة وذلك وفق تطلعات اقتصادية وسياسية، معتبراً أن آثار عودة العلاقات السياسية تحتاج إلى أسابيع وربما إلى أشهر.

المشهد

شارك