كل خبراء الاقتصاد يؤكدون أن الاقتصاد السوري يسير من الركود التضخمي إلى ركود تضخمي أعقد، وصولاً إلى الاقتصاد المخنوق، أو “إدارة الاقتصاد بالخنق” ..!!
قد يكون الظرف السياسي والاقتصادي يتطلب التأني في فتح أبواب الاقتصاد خلال هذه الفترة، لكن الدخول بمتاهات وأنفاق مظلمة في توليفة التوازن الاقتصادي القائم على الدخل والاستهلاك والإنفاق على الأولويات بات أمرا مقلقا بالفعل .
قالها عبد الله الدردري في أكثر من مناسبة – وقتما كان نائبا لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية- قال “إن الخزينة العامة للدولة ستصل إلى مرحلة لن تستطيع أن تفي باستحقاقات الدعم“، والله في وقتها استوعبنا وآمنا بالقصة ..!!!
كل سوري كبير وصغير وغني و”أمير” يعلم بأن الحرب قتلت الموارد العامة للدولة إلى حدود متطرفة جدا. مقابل ذلك احتاجت الدولة إلى الموارد وإلى القطع الأحنبي والمال لاستيراد القمح والنفط والقطن والكثير من المواد التي كان ينتجها الاقتصاد السوري ويتم تصديرها إلى الخارج .
الحرب الثانية
كان القتلة وعتاة الإرهاب في العالم يقومون بالتفجير الأول في منطقة معينة، وبدافع الإنسانية والحس البشري يهرع الناس إلى المكان لإنقاذ الناس المصابة، فتكون المفاجأة بالتفجير الثاني الذي كان يحصد أرواحا مضاعفة عن الأول.
الخشية والخوف من “الصدمة الاقتصادية الثانية..” وأن تكون هي التفجير الثاني للبنية الاقتصادية السورية جراء استمرار كل هذه الحرب الاقتصادية الخارجية التي تقوم على البلاد .
عدمية مطلقة
يعيش المجتمع والاقتصاد وفق حالة متناغمة مترابطة مع بعضهما البعض بالتأثر والتأثير كأعضاء الجسد الواحد، إذ لاتكتمل أي وظيفة عضوية أو تستمر في حال شاب الخلل أي وظيفة أخرى، وهنا فإن اللجوء السهل إلى سلسلة من رفع الأسعار قد أوصلت المستهلك الأخير إلى “العدمية المطلقة” في التعامل مع الحياة، ومن هنا فلا فائدة من الصناعة ولا التجارة ولا الزراعة ولا من أي شيء إلا وفق حالة من العجز التي لاتبني ولا تسير بالاقتصاد والمجتمع إلى الأمام، إنه خلل بنيوي سيحتاج إلى السنوات والسنوات لكي يتم إعادة ترميمه؛ هذا إن كان ذلك متاحا .
الغريب أننا نلجأ إلى أسهل الحلول في معالجة المشكلة، بدون عناء (دعونا نرفع الأسعار) وتسويق القول بأننا لم نعد نتحمل .. !!!
سرقة مواردنا
حسناً؛ ما العمل، وما هو الحل ..؟
هو الجواب الصعب، ونحن نعلم أنه لو كان هناك سيناريوهات أخرى أقل حدة لمى لجأت الدولة إلى رفع الأسعار.
الجميع يعلم بأن سرقة مواردنا الزراعية والنفطية في المنطقة الشرقية هي أسّ المشكلة، وأن الحل الاقتصادي لن يقوم إلا على الحل السياسي في تلك المنطقة، أو وفق اعتبارات السيادة السورية في السيناريو الذي يقوم .
لكن الغريب العجيب هو التوقف عن عمل أي شيء له علاقة بتحسين حياة الناس، وهذا لو حدث لغير قواعد اللعبة بالمطلق؛ نعم لكان غيًر قواعد اللعبة بالكامل، وهناك الكثير الكثير مما يمكن القيام به .
أسئلة مقلقة
إذاً؛ من يسأل عن حال الشباب السوري المتخرج من الجامعات السورية وبسويات علمية كبيرة جدا؟.. ألا يمكن بناء برامج تنمية مهولة على أكتاف هؤلاء بدلا من تركهم على قارعة الطريق ؟!
من يسأل عن برامج التمويل الصغير التي تم الإعلان عنها مؤخرا..؟
من يسأل عن إجراءات تأسيس مشروع صغير في سورية..؟
من يسأل عن رعاية رواد الأعمال في سورية ؟
من يسأل عن ضمانات التمويل لأي مشروع صغير ومتوسط، والذي أسسنا له مؤسسة كاملة تسمى هيئة ضمان المخاطر ..؟!
ومن يسأل عن.. وعن .. والقائمة تطول.. أهكذا يتم التعامل مع مجتمع ما بعد الحرب؟!
هكذا يتم التعامل مع الويلات الاقتصادية والاجتماعية التي خلفتها الحرب فوق رؤوسنا؟!
بيئة تمكينية وتنموية
نعلم أننا نمر بمرحلة مخاض ماقبل “الإعمار” وهو برزخ وولادة من الخاصرة سيكون ثمنها صعب علينا، لكن أن يكون العجز إلى هذا المستوى فهذا مالا يمكن احتماله.
تحدثت في أول الطرح بأننا كمواطنيين نعلم الحالة التي تمر بها البلاد والتي فرضت محدودية في الموارد، لكن هناك الكثير من الأعمال والخطوات والإجراءات لا تحتاج منا إلا إلى الإرادة والتفرغ إن أردنا، وهي تستند إلى السيادة الوطنية بمعناها الواسع والكبير، بمعنى أن الدولة القوية بمؤسساتها والتي استطاعت أن تجتاز “حريق الإرهاب” لن يكون صعبا عليهاأن ترعى أبناءها وتهيء لهم البيئة التمكينية والتنموية للعمل والحياة بدلا من انسداد الأفق أمام جيل لاتُقدّر قدراته بثمن، و تخسره سورية كل يوم، وقد يكون من الصعب تعويضه في المرحلة القريبة القادمة .
ما يجري وفق تصوري هو كمن يصب النار فوق البنزين، في بلاد أهرقتها وأحرقتها الحرب، لكنها بقيت كبيرة كالجبال بإرادة وصمود أبنائها على مختلف مستوياتهم .
هاشتاغ-مرشد ملوك