لم تنجح محافظة دمشق في ضبط “بورصة” أجرة “التكاسي” التي أصبح اتخاذ قرار ركوبها من أصعب القرارات وأكثرها ضرورة، في ظل انعدام وسائل النقل العامة وشحّها من المازوت “حسب زعم أصحابها” وامتلاء خزانات الوقود بالبنزين من منحى آخر، وفي ظل هذه المعادلة المستحيلة الحلّ على ما يبدو من قبل الجهات المعنية كان خيار الرياضة ومشي المواطن أكبر مسافة ممكنة، ثم نيل شرف ركوب “التكسي” لاختصار المسافة وبالتالي الأجرة هو الخيار الأكثر شيوعاً في ظل هذا الأيام العصيبة!.
وعلى الرغم من أن القرار الأخير الصادر عن محافظة دمشق لضبط أجور “التكاسي” العامة جاء منصفاً ويراعي ارتفاع أجور الصيانة، إضافة إلى ارتفاع أسعار البنزين المدعوم وفق ما أكدته المحافظة، إلّا أن عدم التزام أصحاب التكاسي بهذا القرار لا يزال سيّد الموقف تحت الذرائع والمبررات نفسها، وعدم إنصاف قرارات المحافظة لهم مع عدم مراعاتها الساعات الطويلة التي يمضيها السائق في الكازية بانتظار التعبئة، مؤكدين أن أجرة التكسي المدفوعة تكون برضا الزبون دوماً، وأنّ المربح الصافي لأي تكسي لا يقلّ عن 200 ألف يومياً قابلة للزيادة بالتناسب طرداً مع عدم تسيير وسائل النقل الأخرى من قبل أصحابها.
تخبّط في القرار!
وعلى مبدأ “مصائب قوم عند قوم فوائد” فقد ملأت موجة الصقيع التي شهدتها البلاد الأيام الماضية جيوب أصحاب التكاسي بالمال، ولاسيّما أن مالكي السرافيس وجدوا بهذه الموجة أيضاً فرصة لبيع مخصّصات وسائل نقلهم من مادة المازوت والجلوس بمنازلهم بجيوب ممتلئة دون تعب، بعد أن تهافتت على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي طلبات المازوت من المواطنين الذين على ما يبدو لم تكفهم الخمسين ليتراً من المادة التي خصّصتها لهم “حماية المستهلك”، لنشهد بورصة وبازاراً وسوقاً حالكة السواد لمادة المازوت خلال الأسبوع الماضي على منصات التواصل وفي الطرقات وفي الكازيات التي كان لها مواعيد مخصّصة وكميات معيّنة تُباع “بالمخفي” على عينك يا وزارة، إذ تجاوز سعر ليتر المازوت خلال موجة الصقيع في بعض المناطق الـ4000 ليرة، ولأن “صاحب الحاجة أرعن” لم يكن أمام المواطن البردان سوى الشراء من هؤلاء التجّار، واللافت للانتباه اضطرار الكثيرين لشراء المازوت بكميات قليلة لا تتجاوز العشر ليترات والتي بالكاد تكفي لتدفئة ساعة، بانتظار الخمسين ليتراً التي وعدت بها الوزارة التي ستبقى تتخبّط في قرارات توزيع المازوت الحر والمستحقات النظامية من المادة للمواطن حتى انتهاء فصل الشتاء ككل عام.
بروظة إعلامية
ومن جهة أخرى كان لوسائل النقل بين المحافظات قصص وروايات في الامتناع عن السفر ونقل الركاب الذين وجدوا في العطلة الأسبوعية فرصة للسفر إلى ذويهم وعائلاتهم، خاصّة وأن الكثير من الموظفين غير قادرين على السفر بشكل أسبوعي إلى قراهم، ليستغل أصحاب الباصات حاجة هذه الفئة للسفر وبالتالي رفع سعر التنقل بين المحافظات أضعافاً مضاعفة عن التسعيرة الموضوعة من قبل المحافظة، ناهيك عن إضراب البعض منهم عن السفر في حال امتنع المسافرون عن دفع المبلغ الذي يقرّره صاحب الآلية، والذي يختلف من ساعة لأخرى حسب حالة الطرقات وحالته المادية، ليُضاف إلى هذا وذاك تراجيديا إغلاق الكثير من الطرقات بسبب الحالة الجوية التي تُفضي إلى زيادة التسعيرة تلقائياً بانتظار فتح الطرقات، وعدم اضطرار السائق للانتظار في الطرقات دون تعويض مادي، الأمر الذي أثر على عودة المسافرين خلال اليومين الماضيين إلى مناطق سكنهم وحدّ من التزامهم بمباشرة الدوام في عملهم، وعلى الرغم من مناشدات المواطنين عبر المنصات الإعلامية لأصحاب القرار باتخاذ حلول ووضع ضوابط لحالة الانفلات غير المسبوقة لوسائل النقل، إلّا أن الجهة المعنية لم تستطع حتى اليوم لجم جنوح هذه الأزمة المستمرة نحو الأسوأ، وخاصّة مع تتالي انتكاسات قطاع النقل ومراوحته في مكانه لسنوات تخللتها حلول لم تخرج عن دائرة التصريحات و”البروظة الإعلامية” التي زادت من تعقيدها وخلقت ازدحاماً كبيراً ومنافسة متصاعدة على جيوب المواطن.
مخالفات وعقوبات
وبين مخالفات وتجاوزات التكاسي والسرافيس مروراً بالفانات وباصات السفر بات خروج المواطن من منزله والتنقل ضمن المنطقة الواحدة عبر باصات النقل الداخلي والسرافيس يحتاج للتفكير مراراً وتكراراً، في حين يحتاج الركوب في تكسي أو السفر بين المحافظات للكثير من التحدي والجرأة، إذ لم تُفلح قرارات المحافظة بوضع مراقبي خطوط لهذه المناطق في ضبط حالات الانفلات الحاصلة في كل دقيقة لتطال التجاوزات والمخالفات الكثير من مراقبي هذه الخطوط أيضاً، الأمر الذي أكده مازن دباس عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في دمشق، حيث تحدث عن تهرّب السائقين من نقل الركاب وقيامهم ببيع مخصّصاتهم من المازوت رغم وجود مراقبين لضبط الخطوط، لافتاً إلى اتخاذ المحافظة والتموين جملة من العقوبات بحق المخالفين، أهمها حرمان سائقي السرافيس من مادة المحروقات لمدة شهر مع غرامات مالية تتفاوت حسب نوع المخالفة. وأكد دباس عدم تخفيض عدد وسائل النقل في محافظة دمشق وريفها خلال الأسبوع الماضي، وما جرى هو تخفيض عدد طلبات المازوت لوسائل النقل فقط خلال فترة العطلة في محافظة ريف دمشق، لكن ما حصل اليوم بعد انتهاء موجة الصقيع وعودة الدوام الرسمي واضطرار المواطنين للخروج إلى عملهم وجامعاتهم قيام مديرية المحروقات بتخفيض كمية المحروقات للآليات دون الرجوع إلى لجان المحافظة، الأمر الذي حال دون تعبئة نصف الآليات تقريباً اليوم، تحت حجة تحويل المادة للتدفئة، الأمر الذي أدى لازدحام مضاعف على وسائل النقل.
ثقافة الشكوى
ولفت عضو المكتب التنفيذي في حديثه إلى محاولات المحافظة اتخاذ إجراءات للحدّ من الاختناقات المرورية، أهمها تشغيل 12 باص نقل داخلي جديداً في منطقة قدسيا و8 باصات لضاحية قدسيا و3 باصات لتخديم منطقة الديماس، إضافة إلى 7 باصات لتخديم منطقة جرمانا الكراجات، ناهيك عن وعود تلوح في الأفق بوصول باصات جديدة في الشهر السادس من هذا العام ضمن إطار التعاقد مع الصين وروسيا.
وعن تطبيق خدمة الـGPS للحدّ من تسرب وسائل النقل، أكد دباس سعي المحافظة للإسراع بتطبيق الخدمة وهي محور المطالب في كل اجتماع، وجرى الاتفاق مع رئاسة مجلس الوزراء لتطبيق الخدمة في جميع أنحاء سورية وعدم حصرها في محافظة دمشق فقط وهي الآن على طاولة مجلس الوزراء لتوقيع القرار وتطبيقه في القريب العاجل. وحول مخالفات التكاسي المتنوعة وعدم التزامها بقرار المحافظة أكد دباس أن هناك أكثر من سبع حجوزات يومياً للتكاسي المخالفة، مشيراً إلى غياب ثقافة الشكوى على وسائل النقل بين المحافظات التي ضاعف أصحابها أجورهم بشكل ذاتي دون قرار رسمي رغم توفر الآليات والمحروقات لتسييرها، لكن عدم ورود شكاوى نظامية بحق أي منها يحول دون توقيفها ومعالجة الأمر فوراً!!.
البعث