السكن العشوائي.. أحزمة الفقر.. المخالفات.. تسميات تتفق باصطلاحها على قضية مستعصية تعاني منها معظم دول العالم – إن لم نقل كلها – وتسعى عبر خطط وبرامج حكومية إستراتيجية إلى معالجتها وتسوية أوضاعها التنظيمية وتحسين مستوى خدماتها، للوصول في نهاية المطاف إلى القضاء عليها أو حصرها في الحدود الدنيا على أقل تقدير.
وفي سورية لا يزال هذا الموضوع – القديم الحديث – يفرض نفسه بين الفينة والأخرى كإشكالية حارت الجهات المعنية – خاصة الإدارة المحلية – بكيفية اجتثاثها أو حتى الحد منها، بل إنها مستمرة بانتشارها على مرأى القاصي والداني ما يوصد الأبواب أكثر فأكثر ويضيق الحلول لمعالجتها.
وفي هذا السياق.. يشار بإصبع الاتهام دائما في حال وقوع مخالفة بناء إلى الوحدات الإدارية الواقعة في نطاقها المخالفة وخاصة البلديات ممثلة برئيسها ومدير المكتب الفني فيها، فهاتين الشخصيتين الاعتباريتين محط الاتهام بالتواطؤ المسبق للسماح بتمرير أي مخالفة خاصة في أيام العطل والأعياد، الأمر الذي ساهم وعلى مدى عقود من الزمن بتعقيد حل مسألة السكن العشوائي، وباتت أشبه بسرطان متفشي بجسم النسيج العمراني السوري على امتداد المحافظات والمدن والقرى.
التجربة تُقرْ
نحن لا نتهم وحدة إدارية بعينها ولا شخصا اعتباريا بعينه، وإنما سنحاول التطرق إلى هذا الموضوع الشائك بشكل عام دون الإشارة إلى أي مسؤول أو منطقة معينة، لكننا في المقابل لا ننكر بحكم تجربتنا الصحفية ونشرنا لعدة مخالفات وقعت في أكثر من منطقة، وجود تواطؤ فعلي بين السواد الأعظم –وليس الكل- من رؤساء البلديات وتجار المخالفات، ومن النادر جداً يكون المتواطئ شخصاً عادياً كوننا نلحظ أن عمليات الهدم تطال فقط –وللأسف- في معظم الأحيان الشخص المضطر لبناء غرفة أو جزءاً منها لعدم إتقانه تمرير ما يمكن تمريره تحت الطاولة من جهة، وعدم إمكانيته التمرير في حال إتقانه من جهة أخرى.
على قدم وساق!
على اعتبار أن كل بلدية لديها الإمكانيات والصلاحيات لمنع بناء أي مخالفة -وهي قادرة على ذلك عبر ورشة الهدم الموجودة لديها- وعلى اعتبار أن كل رئيس بلدية لديه توجيه صارم بهذا الخصوص، وفي حال تعذر عليه قمع المخالفة خاصة إذا كانت كبيرة فإنه يطلب المؤازرة من وحدة الهدم المركزية في المحافظة.. فلماذا نشهد التوسع السرطاني للسكن العشوائي في كل محافظات القطر؟
من يتحمل المسؤولية؟
يحمل بعض المراقبين وزارة الإدارة المحلية مسؤولية غض الطرف عن تزايد الوحدات السكنية العشوائية بدايةً، والتلويح بقمعها وإزالتها لاحقاً، ما بعث في نفوس رواد المخالفات الطمأنينة بعدم تعرض مخالفاتهم للهدم والمضي قدما شيئا فشيئا ببناء بيوتهم السكنية ومحلاتهم التجارية لاسيما أن إجراءات الوحدات المحلية غالبا ما تقتصر على هدم جزء بسيط من المخالفة.
في الوقت الذي لا ندعو فيه إلى تجييش الجهات المعنية – التي ساهمت بشكل أو بآخر بازدياد هذه الظاهرة – لهدم منازل عشوائية طالما آوت مواطنين لا قدرة لهم على اقتناء منازل فاخرة في مناطق راقية، تبين مصادر في وزارة الإدارة المحلية أن الأسباب الكامنة وراء انتشار السكن العشوائي تتمثل بارتفاع أسعار العقارات، إضافة إلى التفاوت الإنمائي بين منطقة وأخرى لاسيما بين الأرياف والمدن الرئيسية ما شجع على الهجرة المحلية بهدف الحصول على فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة إلى جانب الحصول على مستوى أعلى من الخدمات، مشيرة إلى أن العمل على تحقيق التنمية المتوازنة سيثبت المواطن بأرضه ومكان ولادته وبالتالي سيحد من الهجرة المحلية ويخفف من انتشار السكن العشوائي، كما أشارت المصادر إلى أن تحقيق هذه التنمية لا يقتصر على وزارة الإدارة المحلية بل يستدعي تضافر جهود أكثر من وزارة وجهة معنية.
رؤى
سبق وتحدثت الإدارة المحلية عن رؤى وتدخلات يمكن القيام بها لمعالجة وتسوية المخالفات منها إعادة التأهيل والارتقاء بها، ودمج مناطق السكن العشوائي بالمخططات التنظيمية، وتثبيت الملكية تفاديا لنشوب إشكاليات اجتماعية، إضافة إلى تحسين مستوى الخدمات والبنى التحتية لها، وذلك بهدف دمجها اجتماعيا واقتصاديا مع المجتمع، إلا أن هذا الأمر لا يزال يسير بوتيرة بطيئة!
رأي
ويرى المختص بالشأن الهندسي المهندس علي حسن أن اللجوء إلى الهدم يتوقف على طبيعة الموقع ومدى تأثيره على سلامة السكان، فهو ليس الأولوية في المعالجة، ويتحدد ذلك حسب تصنيف الموقع ومتطلبات التدخل الذي تحدد خصوصية كل منطقة، فالهدم ليس هو القول الفصل وإنما تصنيف المناطق ودراسة طبيعة التدخل تحدد آليات التدخل، مشيراً إلى ضرورة اعتماد مبدأ التشاركية مع القطاع الخاص لحل معضلة العشوائيات، إضافة إلى وجوب وجود خطة عمل تفضي إلى نتائج إيجابية ومنطقية ترضي السكان في نهاية المطاف.
البعث