يبدو أن الإصرار الأميركي على محاصرة سورية، وإغلاق كل المنافذ في وجه اقتصادها، لم ينته عند “قيصر”، فلا تزال محاولات تضييق الخناق مستمرة عبر ذرائع وادعاءات مزورة تغلق أي متنفس للسوريين، بدءاً من الحصار الاقتصادي والمصرفي ومنع الشركات من تصدير أية سلعة إلى سورية وصولاً للتضييق بالغذاء والقمح، ليصل المطاف اليوم إلى بنود جديدة في فصل الحصار تحت ذريعة “تفكيك شبكات المخدرات” عبر قانون جديد بدأ الترويج والإعلان عنه مع نهاية العام الأقسى اقتصادياً على سورية.
مشروع القانون الجديد الذي أقره مجلس النواب الأمريكي تحت مسمى “قانون مكافحة الكبتاغون”، بحجة تعطيل شبكات المخدرات والإتجار بها، لم يعتمد على أي إثبات سوى ما تدعيه الشبكات المتصلة به، والحملات الإعلامية التي شنتها بعض وسائل الإعلام، أما على أرض الواقع، فيعاني السوريون من انعكاسات صناعة المخدرات في المناطق الخارجة عن السيطرة والمدعومة من جهات غربية وأميركية، حيث يؤكد المحامي العام بدمشق، القاضي خالد معربوني، خلوّ دمشق من أية قضية تتعلق بصناعة وزراعة المخدرات إذ تنحصر القضايا بالترويج والتعاطي والتهريب، أما صناعة المخدر وزراعته فهو يحتاج مساحات واسعة ومعامل حديثة لا يمكن إخفاؤها مما يؤكد تموضعها في المناطق الخارجة عن السيطرة، فيما تعمل الجهات المعنية على ملاحقة قضايا المخدرات بأشكالها للحد منها قدر الإمكان.
وبحجة المخدرات التي انتشرت خلال الحرب إثر خروج العديد من المناطق والحدود عن السيطرة الحكومية، والترويج لها بقصد تمويل المموعات الإرهابية، تتجه الولايات المتحدة مجدداً إلى تضييق الخناق على الشعب السوري الذي يواجه أقسى فصول الحصار والتدهور الاقتصادي، وسط مخاوف من مضاعفة تأثير المشروع الجديد على الاستيراد والتصدير لاسيما بالنسبة للمواد الأولية للصناعات الدوائية التي نواجه صعوبات جمة لتأمينها، فضلاً عن استهداف المزيد من الشركات والمؤسسات بالعقوبات الاقتصادية.
خبير اقتصادي فضّل عدم الكشف عن اسمه أوضح أن القانون الجديد الصادر عن مجلس النواب الأميركي والمتضمن ستة بنود يهدف لزيادة الضغط على سورية بالتوازي مع الضغط السابق المتمثل بالعقوبات، و”قانون قيصر” الذي دخل حيز التنفيذ عام 2019، وقد تقدم بالقانون كلا الحزبين الحاكمين في الولايات المتحدة بهدف طرحه بالكونغرس، فيما كلف وزراء الدفاع والخارجية والخزانة الأميركية بأن يقدموا خلال 6 أشهر بياناً مكتوباً على شكل استراتيجية تتضمن كيفية تطبيق هذا القانون.
وبيّن الخبير أن بنود القانون تتمحور حول تعميق العقوبات، وينص أحدها على إمكانية استخدام كل التشريعات القانونية – بما فيها “قيصر” – لزيادة الضغط على سورية ووضع عقوبات على الأفراد والكيانات الاقتصادية، بغية إحكام الحصار من كل النواحي.
ولا يقف الأمر عند الجانب الاقتصادي وحسب، بل يبدو أن هناك توجهاً لتشويه سمعة سورية أمام العالم والمجتمع الدولي بحجة المخدرات، حيث أشار الخبير الاقتصادي إلى أن أحد بنود القانون تركز على القيام بحملة اتصالات وإعلام عامة، ما يعني أننا قد نشهد استراتيجية إعلامية قذرة خلال الفترة المقبلة، فضلاً عن تنشيط ودعم الدول المحيطة التي يعتقد الأمريكي أنه يتم مرور شحنات المخدرات من خلالها.
في الوقت ذاته، تواصل العقوبات أحادية الجانب تقييدها لمعيشة السوريين بعد أن استهدفت جميع مصادر القطع الأجنبي وشلّت الحركة الإنتاجية، ليكون ختام هذا العام مع أقسى أزمة محروقات ناجمة عن احتلال آبار النفط السورية واستهداف التوريدات المرسلة من الحلفاء، وتدهور الواقع المعيشي الذي تمعن الولايات المتحدة والغرب بتأزيمه أكثر فأكثر.
البعث