خبراء يعلقون على قرار تجميد العقوبات المؤقت … حزوري: فيه إيجابيات لكنه يعتمد على سرعة إجراء عقود التوريد … سليمان: السماح بإدخال مستلزمات عمليات الإغاثة يظهر كذب الحديث بأنها كانت مستثناة أساساً

بعد قرار الخزانة الأميركية بالرفع الجزئي والمؤقت للعقوبات عن سورية لمدة 6 أشهر، اختلفت وجهات النظر حول القرار، فهناك من رآه جيداً لبعض القطاعات في مثل هذه الظروف رغم قلة استثناءاته، والبعض رآه فارغاً ومجرد حبر على ورق.

ولمعرفة دقيقة حول تفاصيله، تواصلت الوطن مع عدد من خبراء الاقتصاد، فقال أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب الدكتور حسن حزوري: إن القرار جاء بناء على ضغط شعبي وعالمي أحرج حكومة الولايات المتحدة، وأهدافه سياسية أكثر منها اقتصادية، لكونه محدود المدة، حيث يسمح فقط للشركات والأفراد من مختلف دول العالم بما فيهم المواطنون الأميركيون ودول العالم أن تحول الأموال وكل المنتجات التي تخدم أغراض الإغاثة من الزلزال وذلك حتى تاريخ 8 آب 2023.

إيجابية السماح بنقل الأموال

وحسب حزوري، فإن من إيجابيات القرار أنه يسمح بحركة نقل الأموال عبر المنظومات المصرفية من مختلف دول العالم، إلى المنظومة المصرفية السورية، بما فيها البنوك، بعد أن كانت الحوالات تأتي فقط عبر شركات تحويل محددة، ومن المفترض أن ينعكس ذلك إيجابياً على سعر صرف الليرة السورية، وخصوصاً بعد القرارات الاقتصادية الأخيرة الصادرة عن مصرف سورية المركزي، وتحديداً سعر صرف الحوالات، كما يسمح القرار بإدخال كل متطلبات إزالة آثار الزلزال المدمر من تجهيزات وآلات ومعدات، والتي تساعد بإعادة بناء البنية التحتية في المناطق المنكوبة، وهذا شيء إيجابي لعملية إعادة الإعمار.

محوران أساسيان

ورأى حزوري أن الاستفادة من القرار تعتمد على محورين: الأول: ما مدى قدرة الشركات في مختلف دول العالم وخاصة الدول الصديقة أو الحليفة – وهو فرصة لهم – على الإسراع بإجراء عقود إنشاء أو توريد مواد ومستلزمات في مختلف المجالات بشروط عادلة وميسرة، والاستفادة القصوى من الزمن المحدد، لتأمين كل ما نحتاجه من مواد أساسية كانت محظورة ومستلزمات بناء ومعدات خلال مدة رفع الحظر من أجل دعم الاقتصاد الوطني بأقصى ما يمكن خلال المدة المذكورة؟

أما المحور الثاني فيعتمد أيضاً على سؤال ما مدى قدرة مؤسسات الدولة السورية وشركاتها وقطاعها الخاص على إدخال واستيراد كل ما تحتاجه من مواد ومعدات وآلات تساعد في إعادة الإعمار لمختلف القطاعات، وخاصة في ترميم قطاع البناء والتشييد، وتجهيزات المنظومة الكهربائية من محولات ومحطات تحويل وغيرها، وكذلك حاجة القطاع التعليمي من ترميم للمدارس، والصحي وما يتضمن من سيارات إسعاف ومواد طبية ومعدات طبية مفقودة، وكذلك منظومة الدفاع المدني، ولاسيما أن هذه القطاعات تأثرت كثيراً خلال 12 سنة حرب، ومن ثم أتى الزلزال وما أضافه من دمار للحجر والبشر.

ويوضح حزوري أن هذا الرفع الجزئي للعقوبات يؤكد ضرورة متابعة الجهود الدبلوماسية والسياسية وتعبئة الرأي العام الدولي للضغط على حكومة الولايات المتحدة للمطالبة بأن يكون الرفع دائماً وشاملاً للعقوبات وليس مؤقتاً ولمدة محدودة، لأن إزالة آثار الزلزال وإعادة المباني التي دمرت يحتاج لسنوات، وهو ليس بمجرد مساعدات إنسانية وغذائية وإزالة الأنقاض.

التحسن مرتبط بانخفاض الطلب

من جهته، وقبل الحديث عن القرار، اعتبر الباحث والأكاديمي في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق عدنان سليمان في تصريح للوطن أن التحسن النسبي الذي شهدته الليرة السورية خلال اليومين الأخيرين يرتبط بانخفاض الطلب على القطع الأجنبي خلال هذه الأيام من قبل الأفراد والشركات بسبب الظرف العام في البلد وحالة الجمود والترقب أكثر من ارتباطه بقرار الخزانة الأميركية الذي صدر بعد خمسة أيام من حدوث الكارثة في سورية.

وطلب سليمان أن يفصح البنك المركزي عن قيم الحوالات المالية الواردة من الخارج خاصة بعد الإيجابية التي أحدثها قرار المركزي لسعر الصرف المشابه لسعر التداول في السوق الموازية والذي يسهم بتحسن ورود حوالات السوريين من الخارج.

حيث كان معدل الحوالات اليومي على مدار السنوات الماضية ما بين 8-9 ملايين دولار ووصل في بعض السنوات لـ 4 مليارات دولار سنوياً وهو رقم مهم ويغطي جزءاً جيداً من القطع الأجنبي الذي يحتاجه تأمين الاحتياحات الأساسية من المواد الغذائية والأدوية وغيره.

النفاق واضح

و حول بيان وزارة الخزانة الأميركية الذي أعلنت فيه عن تعليق مؤقت للعقوبات المفروضة على التعاملات المالية الخاصة بجهود المساعدات الإنسانية في سورية لغاية آب 2023. أي لمدة 6 أشهر (180) يوماً، بين سليمان أن المهم هو في تفاصيل القرار الذي اشتمل على مسألتين مسألة الإغاثة الخاصة بالكوارث والثانية مسألة التحويلات المالية من الخارج إلى سورية.

وما يظهر النفاق في القرار أنه سمح بإدخال مستلزمات عملية الإغاثة المتعلقة بالكوارث والتي هي بالأساس كان يفترض أن تكون مسموحة وفق قانون قيصر.

لكن تطبيقات قيصر على أرض الواقع كانت تحول من دون إدخال وتوريد المواد الغذائية والإغاثية إلى سورية بفعل التقييدات التي كانت تنفذ على أرض الواقع لعرقلة وصول مثل هذه المواد الأساسية لسورية.

لكن الشيء الأهم من كل ذلك هو ما تحتاجه سورية بالدرجة الأولى وهو المشتقات النفطية وتأمينها والتي لم يلحظها القرار بشكل صريح رغم الحاجة والضرورة الكبيرة جداً حالياً للمشتقات النفطية لتشغيل معدات الإنقاذ وعمليات التدفئة وسط ظروف صعبة وطقس قارس البرودة في المناطق المتضررة.

و حالياً عودة قرار الخزانة الأميركية باستثناء ذلك (استثناء المستثنى) هو دليل على زيف وعدم مصداقية الاستثناء الأساسي المتعلق بالسماح بإدخال الأدوية والمواد الغذائية والإغاثية للدولة السورية.

العرب بادروا فوراً

وبيّن سليمان أن الدول العربية من اللحظات الأولى ساهمت بتأمين جزء مهم مما تحتاجه سورية لمعالجة هذه الكارثة وتداعيات الزلزال لجهة تأمين جزء من مواد الإغاثة الطبية والغذائية، وكان من الأولى أن يسمح قرار الخزانة الأميركية بشكل صريح وواضح بإدخال وتأمين مستلزمات عمليات الإنقاذ من معدات وآلات ثقيلة وأجهزة الكشف الحديثة عن الأشخاص العالقين تحت الركام والأنقاض.

وبيّن سليمان أنه من خلال اتصالاته علم بأنه لم يتمكن الكثير من الأفراد والمنظمات التي تود تحويل تبرعات مالية لسورية من فتح أي حساب في الدول الأوروبية رغم صدور قرار الخزانة الأميركية بسبب الأنظمة المالية والمصرفية التي مازالت تحول من دون تنفيذ ذلك في هذه الدول، كما أن ربط القرار وتقييده بمدة زمنية لا تتجاوز 180 يوماً هو غير محفز للمصارف والبنوك والأنظمة المالية لتفتح حسابات وتغير من سياستها تجاه التحويلات والتعاملات مع سورية، خاصة أن قرار الخزانة الأميركية يحتوي على العديد من التعقيدات والتفاصيل التي تحتاج لتفسيرات.

مستشهداً بأنه رغم أن جزءاً من المناطق الشمالية خارج سيطرة الدولة إلا أن المساعدات والمعونات لم تصل إليها.

هل ستثق الدول بالقرار؟

أما الدكتور علي محمد أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين، فقال في تصريح لـ«الوطن» إن القرار قد يشكّل أريحية من الناحية المالية من جهة عدم تخوّف الدول والأفراد والمنظمات سواء كانت دولية أم منظمات وجمعيات تم إحداثها لغرض جمع المال لتحويله إلى متضرري الزلزال من التحويل المالي والعيني لسورية، وبناء على ذلك يمكن لهذه الجهات في أي دولة بالعالم فتح حساب بنكي والتحويل إلى سورية.

وتساءل الدكتور محمد إن كانت البنوك العالمية ستقبل بفتح حسابات بنكية للراغبين بالتبرع المالي إلى سورية؟ وهل ستثق هذه الدول بالقرار الأميركي من ناحية مساءلتهم لاحقاً عن حجم الأموال التي تم تحويلها وعن الأسباب والثبوتيات التي قد تطلب للتأكد من أنها ذهبت للغاية التي سمح بها القرار وهي الإغاثة؟ متوقعاً أن يكون هناك تحوّطاً من أميركا وتخوفاً منها، متابعاً: «وهل ستقبل البنوك العالمية فتح حسابات بنكية للبنوك العامة والخاصة السوريّة؟، فعادة يستغرق فتح أي حساب في بنك خارجي مدة زمنية تصل إلى شهر – وهي المدة التي تتطلّبها بعض الإجراءات الإدارية الخاصة بالمصارف، والموافقات المطلوبة لذلك من إداراتها التنفيذية، فماذا لو كان هذا الحساب لمصرف سوري؟ فقد يستغرق الأمر شهراً ونصف الشهر إلى شهرين من أصل مدة رفع العقوبات المحددة بـ 6 أشهر، حيث إن البنوك العالمية تمنع فتح حسابات فردية لأشخاص يحملون الجنسية السورية نتيجة العقوبات المفروضة على القطاع المصرفي السوري وعلى السوريين عموماً، فهل سيتم فتح حسابات مصرفية لهم خلال هذه الفترة؟ وهل ستغلق هذه الحسابات بعد انقضاء الفترة المحددة أم لا؟ لكون السوريين في كل دول العالم أُجبروا على إغلاق حساباتهم المصرفية»، مشيراً إلى أن كل التساؤلات السابقة قد تكون عائقاً أمام تفاؤل السوريين بهذا القرار لحظة صدوره.

تعديلات ضرورية

واعتبر محمد أن هذا القرار من الممكن أن يعوّل عليه وأن يصدر له تعديلات أخرى ولكن يجب أن تقترن بالتساؤلات التي تم طرحها، فما نفع أن تجمع المنظمات أموالاً لتحويلها إلى سورية ولا تزال المصارف السورية معاقبة أو قد لا تقدر على فتح حسابات بالمصارف المراسلة، لكون نظام التحويلات الدولي يقطع الطريق أمامها للوصول إلى الأموال، إضافة إلى العقوبات الموضوعة بحق شركات التأمين السورية التي ينشط عملها في الكوارث الطبيعية، حيث يُمنَع أن يكون هناك شركات إعادة تأمين، التي من الممكن أن تسهم في التعويض عن المتضررين بهذه الحالات بشكل كبير.

وأشار إلى أن كون القرار صدر بشكل مؤقت فسيبقى هذا الأمر يشكّل عائقاً من ناحية الأريحية التامة في تطبيقه والاستفادة منه، ذاكراً أن الأمر الإيجابي في القرار أنه لا يوجد فيه حظر سوى على استيراد المشتقات النفطية ذات المنشأ السوري، لكون سورية بالأساس لا تصدّر مواد نفطية، لافتاً إلى أن هذا الاستثناء يلفت النظر إلى تساؤل بأن أميركا ماذا تسمي النفط الذي تأخذه من منطقة شرق الفرات؟

أهمية النفط

وتابع: «ونستطيع من خلال قرار رفع العقوبات الجزئي استيراد غاز ونفط من بعض الدول التي أبدت مساندتها لسورية في محنتها الأخيرة، كالجزائر والعراق وبعض الدول الخليجية، نتيجة للحاجة الماسّة للمشتقات النفطية لتلبية متطلبات الإغاثة، في حال رغبت هذه الدول بالتعاون معنا من دون خوف من حجز الناقلات النفطية المتجهة إلى سورية»، لافتاً إلى أهمية هذه المواد من ناحية تشغيل آليات الإنقاذ ولعمل المشافي، إضافة إلى ضرورة الاستفادة من هذا القرار من ناحية استيراد قطع التبديل التي تخص قطاع الكهرباء الذي يمكن تصنيفه كموضوع إغاثي أيضاً، وهذا ما يخفف ضغطاً من ناحية تأمين هذه المواد داخلياً.

وأكد محمد أن الكرة الآن بملعب الدول الأخرى باعتبار أن السفارات السورية تعمل من اللحظات الأولى لوقوع الزلزال، على نشر حجم المأساة والكارثة التي ألمّت في سورية، واستقبالها لكل المتبرعين من كل دول العالم.

الوطن

شارك