مسألةٌ مُلحة، لا بل باتت ضرورةً أمام دعوات التحديث والتطوير لسائر قطاعاتنا الاقتصادية، التي لا بُدّ أنها تسير في ركب التقانة والحداثة التي لازمت الكثير من الأنشطة التجارية، ولم يعد مقبولاً بمكانٍ ما التغاضي عنها أو إهمالها على حساب مُقتضيات المصلحة العامة، بما فيها جوهر العمل عبر إصلاح نظامٍ وُصِف بالقديم والبالي أمام تطورات عصرية تستوجب النظر إليه بصفته أحد مدخلات الخزينة العامة للدولة، وتقوم عليها خطط وتطلعات مستقبلية للنهوض بمشاريع تعكس أثراً بالغاً في تقديم خدمات للمواطن، بما يُعزز ويُنمّي ثقافته الضريبية ودوره في نشرها كنوعٍ من الفائدة المُشتركة للطرفين.
حالةٌ من عدم اليقين تشوب العمل به، بدءاً بالتكليف وانتهاءً بالتحصيل، وبين المرحلتين تنمو الكثير من الظواهر التي تُعوق عمل المكلفين وتخفض من نسبة التحصيل..
حالةٌ من عدم اليقين تشوب العمل به، بدءاً بالتكليف وانتهاءً بالتحصيل، وبين المرحلتين تنمو الكثير من الظواهر التي تعوق عمل المكلفين وتخفض من نسبة التحصيل، وهنا يبقى لنا السؤال… هل ما تقوم عليه آلية العمل الحالية تتوافق مع واقع الأنشطة المحلية؟ وكيف لنا التحقق من سلامة عمل هذه الأجهزة وسط تهرب واضح من الجباية وغياب مفهوم الضرائب من ثقافة المجتمع ككل؟؟
د. العَدي: المطلوب هو ضبط إيقاع الشخص والفوترة قبل الربط الإلكتروني
تعديلات بسيطة
صدر بمرسوم عام 1949 ويقوم على أساس الضرائب النوعية، غير مواكب للتطورات وتخلت عنه جميع دول العالم، تعريفٌ بسيط لمبدأ عمل النظام الضريبي الحالي، يُظهر قِدَم النص والتعليمات المُتضمنة فيه قدّمها نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون العلمية الدكتور إبراهيم العَدي، ضمن حديثه مع “تشرين” واصفاً كل ما قامت به الحكومات المُتعاقبة من مساعٍ لتعديله بالمُحاولات الفاشلة، لكون النظام لا يتطلب تعديلاً بل استبدالاً، والذي إن تم فمن الواجب تضمينه مفهومين للضريبة، الأول هو الضريبة على الدخل والثانية الضريبة على الإنفاق، المعروفة بمسمى الضريبة على القيمة المُضافة وهي قيد الدراسة.
د. العَدي: على الحكومة البحث عن الأنشطة المكتومة التي تحقق ربحاً عالياً.. ومن ثم تحديد النشاط بمكان ما ومراقبة الربح الرائج وفق كلّ منطقة ..
محاولةٌ من العمل تخضع لمعايير وأسس برأي الدكتور العَدي، وإن تمت فمن الضروري تأمين مُتطلبات تطبيقها على الأرض وعلى رأسها تطبيق نظام الفوترة، الذي يتطلب قوة وإرادة حكومية بتطبيقها، لكون التاجر السوري تعود عدم الطاعة كما أنه مُتمرد على القوانين والأنظمة، ولا يمكن إلزامه بتبيان أرباحه إلّا بهذه الطريقة، فما يتم الحديث عنه من تطبيق للربط الإلكتروني كوسيلة هي كلمة حق يُراد بها باطل، والمطلوب هو ضبط ايقاع الشخص والفوترة قبل الربط، عدا عن أن إصدار الحكومة قرار غير قابل للتطبيق لا يخدم أحداً، وهنا نعود للدائرة الأولى بالقول إن وجود نص سيئ مع تطبيق جيد أفضل من نص جيد مع تطبيق سيئ.
تيناوي: التعديل يكون بنسف القانون القديم من عام 2003 الذي وضع بظروف معينة ولم يخدم الموظف، واستبداله بقانون عصري، فالضريبة أثقلت كاهل المواطن وساهمت بزيادة الأسعار
كما أنّ صدور المرسوم التشريعي رقم (30) لعام 2023 الذي حمل ملامح عصرية في بعض جوانبه، حمل في الجانب الآخر ظلماً لممارسي مهنة المحاسبة والتدقيق، قراءةٌ في نص المرسوم قدمها عضو لجنة الموازنة بمجلس الشعب زهير تيناوي، الذي راعى التضخم وشجع على الالتزام الضريبي بالنسب المذكورة ضمنه، إلّا أنّ بعض مواده كانت قاسية، ولم يكن نحو الإصلاح الضريبي، فالتعديل يكون بنسف القانون القديم من عام 2003 الذي وضع بظروف معينة ولم يخدم الموظف، واستبداله بقانون عصري، فاللجوء لفرض الضرائب بشكل كبير على التاجر والصناعي والمستثمر ساهم بتخفيض مستوى المعيشة للمواطن الذي يتحمل الضريبة وحده، ما أثقل كاهل المواطن وساهم بزيادة الأسعار.
موضوع الإصلاح الضريبي كان ولا يزال مطلباً حيوياً للسلطة التشريعية، كما أنه مطلب للسلطة التنفيذية أيضاً لمقابلة عجوزات الموازنة التي تزداد كل عام برأي تيناوي، مبرراً التحدي الكبير الذي يواجه الحكومة سنوياً، لتخفيض عجز الموازنة، عبر خطوات تخطوها وزارة المالية لتحسين واقع عمل الإدارة الضريبية وتوسيع قاعدة المكلفين وتحسين كفاءة التحصيل الضريبي وإعادة تصنيف بيانات الموازنة العامة، مُتسائلاً: هل نجحت في ذلك يا ترى ..؟
تيناوي: موضوع الإصلاح الضريبي كان ولا يزال مطلباً حيوياً للسلطة التشريعية، كما أنه مطلب للسلطة التنفيذية أيضاً لمقابلة عجوزات الموازنة التي تزداد كل عام..
“مبدأ الاعتماد على الذات” هو أسلوب العمل المُتبع من قبل المالية، وفي هذا المضمار تبرز ضرائب الدخل كأحد أهم الموارد المحلية، لكنه انعكس سلباً على معيشة المواطن، ولا شك بأن الحاجة باتت ضرورية لإيجاد نظام ضريبي عادل برأي تيناوي، يشجع على الاستثمار ويسعى إلى تخفيض معدلات الضريبة من دون أي محاباة لشريحة على حساب أخرى.
التوسع بالعمل
تراجعٌ ملحوظ في نسبة التحصيل الضريبي التي لم تتعدَّ حتى اليوم 35%، أظهرتها النتائج الأخيرة للعمل، والحصيلة الضريبية ضعيفة جداً، ما يُحمّل الحكومة مهمة جديدة وهي البحث عن مطارح ضريبية جديدة برأي د. العَدي، أهمها اقتصاد الظل، الذي يمثل شريحة كُبرى بل بات أكبر من الاقتصاد النظامي وسمته العامة هي الدفع لجهات عدة ويحقق أرباحاً أسطورية، بالتالي هو بحاجة للتنظيم بما يضمن التخفيف منه، لكون القضاء عليه أمراً صعباً.
هو نوعٌ من البحث عن الأنشطة المكتومة التي تحقق ربحاً عالياً، يجب التفكير به بجدية وفق رؤية العَدي، فأي بسطة لا تمثل نشاطاً صغيراً، ولا بدّ من تنظيمها بساحات خاصة بها، والدولة يحق لها وتمتلك أدواتٍ تُجبر هؤلاء الأشخاص على الالتزام، فالظاهرة خطرة، أمام تهربها من دفع الضرائب واستبدالها بالرشاوى، يُضاف لذلك تحديد النشاط بمكان ما قياساً بتحديد القيمة الرائجة في قانون البيوع العقارية، أي مراقبة الربح الرائج وفق كل منطقة، تبعاً لمؤشرات اقتصادية عدة، مثلاً كمهنة الحلاقة النسائية والمكتبات التي لا تخضع لقانون الضرائب بالرغم من مدخولها العالي.
البحث بأدوات جديدة لإدارة الملف الضريبي هي أولى عمليات الإصلاح، فلا يمكننا المحاربة اليوم بسيف عنترة وفق توصيف الدكتور إبراهيم العَدي نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون العلمية لواقع العمل الحالي، كما أن القانون مُستهلك، والكوادر بحاجة إلى التدريب والتأهيل، بموازاة وجود إدارة ضريبية سمتها التكنولوجيا الحديثة والبرامج المحاسبية لمراقبة العاملين بمجال المالية، سواء من مراقبي الدخل أو محاسبي الإدارة عبر إخضاعهم لرقابة فعّالة، والعمل على ألّا يكون التحصيل الضريبي بشكل فردي، والعمل على تعزيز وجود المرأة بأي لجنة، الذي وفق تحليل الدكتور إبراهيم العَدي يضبط إيقاع العمل ويخفف من الشخصنة والمساومة، فاليوم ما نحتاجه هو تطوير القوانين قبل الاعتماد على صحوة الذات من المُكلف، إضافة للمشاركة بين الجهات الحكومية والجامعة، وأن تُعطى الأخيرة دورها بحل المشاكل الاقتصادية، كما هو حال وزارة الصحة التي تأخذ دورها بحل المشاكل الصحية.
د.كنعان: العلاقة طردية بين العدالة والحصيلة.. إذا حققنا العدالة تنخفض الحصيلة وإن ارتفعت الحصيلة قد نلحق الضرر بالعدالة..
تحقيق المواءمة
مهما حصل من تبديل بطبيعة الضرائب وتطويرها فالهدف منها هو إشباع الحاجة المالية المتزايدة للدول عامة، قراءةٌ حول مساعي التحديث قدّمها الأستاذ في كلية الاقتصاد جامعة دمشق الدكتور علي كنعان عبر حديثه مع “تشرين”، الذي إن دلَّ على شيء فهو الخروج من عبء التهرب وتحقيق المواءمة بين الحصيلة والعدالة، لارتباط الحالتين بعلاقة طردية، إذا حققنا العدالة تنخفض الحصيلة وإن ارتفعت الحصيلة قد يُلحق الضرر بالعدالة، من هنا جاءت مساعي الحكومات للبحث فيهما على حدٍّ سواء برأيه.
أوروبا انتقلت لضرائب الدخل المباشرة على الرواتب والأجور والأرباح، ولضريبة القيمة المُضافة غير المباشرة على السلع والخدمات والتداول، إلّا أن لكل ضريبة شروطها، ولكي نسير بركب الأمم الأخرى لا بدّ لنا وفق رؤية الدكتور كنعان من تحقيق أمرين، فضريبة الدخل تصاعدية وتتطلب دخولاً عالية، الدخول المُتدنية لا تُحقق العدالة، ولا تتجاوز بأحسن أحوالها 25%، إذاً الهدف هو تحسين المستوى المعيشي لحد معين، في حين أن ضريبة الأرباح بكل دول العالم تصاعدية أيضاً وقد تصل لـ 70%.
الأمر الآخر يتعلق بتطبيق القيمة المُضافة التي تستوجب أنظمةً معلوماتية وبنية تحتية وتقانات ونقاط بيع وأجوراً عالية أيضاً، لأن أصحاب الرواتب والأجور يمثلون السواد الأعظم من الشعب برأي د.كنعان، إضافة لوجود نظام فوترة وأنظمة محاسبية موحدة ومتطورة لدى الجميع، للحصول على بيانات صحيحة.
سياسات إصلاحية
بشكل مباشر ومن دون النظر لها أو السؤال عن ملكية العقار، هي نقطة البدء بتنظيم اقتصاد الظل وفق رؤية الدكتور علي كنعان، بمنحه تراخيص مباشرة وربطه وإلزامه ضريبياً، والانتقال من الضريبة النوعية للضريبة العامة، وتخفيض الرسوم الجمركية التي نشطت التهريب مقابل السماح بالاستيراد وتخفيض الرسوم لتدعيم الخزينة بأموال كثيرة، مُطالباً بالوقت ذاته بتحرير الأجور لمواكبة معدلات التضخم، الذي بات أعلى بكثير، فالأجور تتطلب زيادة بنسبة 100% سنوياً لضمان حيوية البيع والشراء، وإعفاء المكافآت والحوافز من الضريبة.
كل ذلك لا يُلغي البدء بتطبيق القيمة المُضافة بمعدلات متدنية أي بنسبة 1 لـ2% وتأمين البنية التحتية لها، فالاقتصاد لم يعد يقبل نظاماً ورقياً، كما أن الأتمتة طغت على الأنشطة كافة وهي الأفضل ونحن من تأخر بها، وهناك من يؤخر إدخالها ويعرقل تطبيقها لأنها تلغي دور المنتفعين من الواقع الحالي.
حزمةٌ من الإصلاحات الضريبية الإيجابية برزت في السنوات الأخيرة، تقابلها جملةٌ من الملاحظات ذات صلة بقصور ضريبي في حالات أخرى، تحدث عنها عضو لجنة الموازنة بمجلس الشعب زهير تيناوي، مؤكداً أنّ هذه الإصلاحات لم ترتقِ إلى مستوى التحدي الاقتصادي الاجتماعي، بل ازدادت وتنوعت حالات التهرب الضريبي وارتفعت تكلفة التحصيل الضريبي وتباينت حالات الاجتهاد في كثير من قضايا الضرائب، وتساقطت العديد من القضايا الضريبية في المحاكم، وقد قابل ذلك انخفاض في حجم الاستثمارات وغلاء في المعيشة.
نعم ..البحث عن أصل المشكلة وكيفية حلها هو الأصعب من النظر إلى واقع المشكلة برأي تيناوي، فالمشكلة تكمن في ازدياد حجم العجز في الموازنة العامة، ومن أهم ما يمكن الإشارة إليه فيما يتعلق بالحل الجذري لهذا العجز يكمن في تحقيق الإصلاح الضريبي الحقيقي الواقعي المستند إلى أرضية صلبة قوامها دعم القطاع الصناعي والزراعي بكلّ مؤسساتهما، أي دعم الإنتاج، وبالتالي زيادة الصادرات وتقديم الدعم اللازم والحقيقي للمنتجين والمصدّرين والتخلص من الحلقات الطفيلية التي تسعى بكل الوسائل لتحقيق الفائدة القصوى من هذا الدعم والتي أثرت على حساب المواطن ولقمة عيشه.
تعارض واضح
من ضمن ما جاء في المرسوم التشريعي رقم (30) لعام 2023 المعدل لقانون الضريبة على الدخل، لا بدّ من الإشارة إلى المادة رقم (6) منه برأي عضو لجنة الموازنة بمجلس الشعب زهير تيناوي التي أفردت أحكاماً جديدة بحق فئة ممارسي مهنة المحاسبة والمحاسبين القانونيين، حيث أكدت ضرورة التزامهم بالبرامج المحاسبية المعتمدة من قبل الدوائر المالية ومعاقبة المحاسب القانوني بمبلغ يصل إلى مليون ليرة المالية للسنة الواحدة، إذا ظهر حين مصادقته على تلك البيانات أنها غير مطابقة للواقع بشكل جوهري أو تخالف القانون بالإضافة إلى إيقافه عن مزاولة المهنة لمدة سنة، وهو يتعارض مع أحكام قانون تنظيم مهنة المحاسبة والتدقيق رقم (33) لعام 2009، الذي حدد فيه أن تدقيق المحاسب القانوني يتم وفق نظام العينة، كما أن رأي المحاسب القانوني نسبي خصوصاً وأنّ البيان الضريبي المقدم للدوائر المالية يتم إعداده من قبل محاسب متخصص يتم تعيينه من قبل المكلف، وهذا يعني أنّ المسؤولية تقع على عاتق الإدارة (المكلف) التي اختارت محاسباً لإعداد بياناتها.
ويضيف تيناوي شارحاً الظلم الواقع بحق شريحة مدققي الحسابات قائلاً: “المُحاسب القانوني طرف محايد، وعمله يتم وفق معايير محددة، ولا يجوز تحميله المسؤولية عن أي مخالفة في البيانات الضريبية لأن إنشاء وتدقيق ودراسة وتكليف البيان الضريبي تشارك بها عدة جهات تبدأ من صاحب العلاقة (المكلف) وجهازه الإداري وتنتهي بالمحاسب القانوني، الذي هو مدقق خارجي.. الأمر الذي يستوجب إعادة النظر في هذه المادة”.
د. كنعان: نقطة البدء هي تنظيم اقتصاد الظل بمنحه تراخيص مباشرة وربطه وإلزامه ضريبياً، والانتقال من الضريبة النوعية للضريبة العامة..
الثقافة الضريبية
تكاد تكون معدومة أو ضعيفة، وتُبنى عليها العدالة بتوفير الخدمات وتوزيعها شبه مجانية، لجعل فكرة التحصيل الضريبي مقبولة لدى المواطن، هي ثقافة الضرائب التي عدّها د. كنعان جزءاً من الوعي المُجتمعي ولا علاقة له بالملكية الخاصة بدليل وجوده في دول الغرب، ينتج مع مجموعة أجزاء وعلى الدولة أن تسعى لتحقيق الرفاهية بتطبيق القانون في حال أرادت تعزيز هذه الثقافة لتحقيق المساواة أمام القانون وإتاحة الفُرص أمام الجميع، عبر إدارة المُلكية بطُرق صحيحة ومتساوية، لكون الملكية الفردية تجلب نقمة اجتماعية لفائدة فرد على حساب الكل.
من هنا نستنتج بأنّ قيادة الاقتصاد الوطني بيد الدولة، سواء بالنظامين الاشتراكي والرأسمالي، كما أنّ الضرائب والإنفاق العام يُشكلان 40% من الدخل القومي، وفق تحليل الأستاذ في كلية الاقتصاد جامعة دمشق الدكتور علي كنعان، لدورها في وضع سياسات لتحسين الكفاءة الإدارية ومعالجة نقص الكفاءة الحكومية، بما ينعكس على الضرائب.