وأكد أن هذه التغيرات الجذرية في الحياة والأعمال تتطلب تطويراً كبيراً على المستوى الاجتماعي والإنساني من مختلف الجوانب الاقتصادية والمجتمعية والأخلاقية والقانونية والتشريعية والتنظيمية. ولا بد من التعامل معها بسرعة منذ الآن.
تساؤلات عديدة تقدم بها الباحث خلال محاضرته مثل: هل يمكن أن يفوق «ذكاء» الأنظمة الحاسوبية يوماً الذكاء البشري؟
وهل يمكن أن تصبح هذه الأنظمة الذكية واعية بذاتها وأن تخرج عن سيطرة الإنسان؟! موضحاً إنه حتى اليوم، ليست تقنيات الذكاء الصنعي بديلاً عن خبرة الإنسان وقدرته على الحكم.
ماذا يفعل العالم؟
وأكد الصابوني أن الدول اليوم تقوم بوضع سياسات وإستراتيجيات وطنية للذكاء الصنعي، تضمن تطوير البنية التحتية اللازمة لنشر تقانات الذكاء الصنعي وتحديد القطاعات ذات الأولوية، والمشروعات الوطنية. وتحديد الاستثمارات المتاحة ورصدها، إضافة إلى توفير متطلبات التعليم والتأهيل وتعزيز الابتكار في المجالات المرتبطة بالذكاء الصنعي واستعمالاته والتأهيل المستمر وتنمية الموارد البشرية. وإعادة تنظيم أسواق العمل لتعظيم الفائدة وتقليص الآثار الضارة لاعتماد الذكاء الصنعي على العمالة والأجور، إضافة إلى مواجهة الآثار الضارة المحتملة للذكاء الصنعي على مستوى أمن المعلومات والخصوصية.
أما على مستوى المؤسسات والشركات، فإن الذكاء الصنعي يعمل على تطوّر الشركات وإستراتيجيات أعمالها لجهة تحديد الاستثمارات اللازمة لاعتماد واستيعاب تقانات الذكاء الصنعي. وإعادة هندسة إجراءات العمل مرة أخرى. وعلى مستوى الأفراد، يطوّر الأفراد المهارات اللازمة للعمل والتوظيف في اقتصاد «الذكاء الصنعي». وللتأقلم مع الانتشار المتسارع للذكاء الصنعي في الحياة.
التحديات والمخاطر المرتبطة بالذكاء الصنعي
وحول التحديات والمخاطر قال الباحث إنه قد لا يكون توزيع المنفعة المتأتية من الذكاء الصنعي عادلاً. قد تكون آليات عمل أدوات الذكاء الصنعي معقدة وقد يؤدي اعتماد تقانات الذكاء الصنعي إلى توسيع ما يعرف بالـ «شفافية»، وعصيّة على الفهم أحياناً لغير المختصين.
وأشار الصابوني إلى أن هناك نقاشاً واسعاً في العالم اليوم بخصوص تنظيم استعمال الذكاء الصنعي، والتشريع له، ووضع مدوّنات أخلاقية لتلافي آثاره الضارة المحتملة. ومن أهم النقاط التي يتناولها المنظم أو المشرّع في مجال الذكاء الصنعي:
حوكمة النظم الذكية وبخاصة النظم المستقلة ذاتياً بحيث يتم وضع الضوابط الخاصة بنشرها واستعمالها والثقة بها؛ ووسائل التوعية المجتمعية المرتبطة بذلك. مع تحديد المسؤوليات الناجمة عن استعمال الذكاء الصنعي؛ وهذا يشمل المسؤوليات القانونية والأخلاقية المرتبطة بتصميم وتشغيل الأنظمة الذكية، ونتائج استعمالها، والضرر الممكن حصوله من جراء ذلك، وأثرها في الإنسان والبيئة. كذلك تنظيم القضايا الخاصة بالسلامة والأمن والخصوصية والشفافية؛ وهذا يشمل حماية البيانات، ومنع الاختراق، معالجة القضايا المستجدة في مجال الملكية الفكرية والصنعية.
وأضاف الصابوني إنه من المرجح أن يكون الأثر الاقتصادي لاستعمال الذكاء الصنعي في مختلف المجالات الاقتصادية والخدمية كبيراً ومتسارعاً في العقد الحالي وبعده. وقد يفوق الأثر المتوقع للذكاء الصنعي أثر التقانات الرقمية والتحول الرقمي، مفضياً إلى «الثورة الصنعية الخامسة» وسيكون الذكاء الصنعي أهم عوامل تحسين إنتاجية المؤسسات والعاملين في المرحلة القادمة، مؤكداً أنه سيكون هناك إلغاء للكثير من الوظائف بفعل «الأتمتة» الذكية في مقابل توليد وظائف جديدة قد تفوق في عددها الوظائف الملغاة على المدى البعيد أي إن هناك تغييراً شاملاً في طبيعة الوظائف باتجاه الوظائف المؤهلة معرفياً.
التوزع الجغرافي للوظائف
وأشار الصابوني إلى أن النسبة الصافية للوظائف المتأثرة بالذكاء الصنعي بحلول عام 2030 تصل إلى قرابة ١٠ بالمئة من إجمالي الوظائف في العالم.
بالمقابل من المتوقع أن تؤدي زيادة الابتكار وزيادة النشاط الاقتصادي بفعل الذكاء الصنعي إلى زيادة الطلب على العمالة الذكية (المؤهلة معرفياً) ومن ثم توليد فرص عمل جديدة على المدى البعيد.
أثر الذكاء الصنعي في النمو
وأوضح الباحث أن الدراسات تشير إلى أن اعتماد الذكاء الصنعي سيؤدي إلى زيادة صافية في الناتج الإجمالي العالمي تصل إلى ما بين ١٦ و١٨ بالمئة، أي بين ١٣ و١٦ تريليون دولار بأسعار صرف 2016 أي زيادة وسطية بـ١٫٢ بالمئة سنوياً منذ ٢٠١٦، مبيناً أن الأثر الاقتصادي يبدأ بطيئاً بسبب الكلف الاستثمارية العالية اللازمة لإدخال تقانات الذكاء الصنعي، والمهلة الزمنية اللازمة لاستيعاب هذه التقانات ثم يتسارع بفعل التنافسية.
وذكر أنه يقدر إسهام الاقتصاد الرقمي كاملاً في الناتج المحلي الإجمالي بـ٢٠ إلى ٣٠ بالمئة في العقد 2020-2030 في نمو الناتج المحلي العالمي بـ0.3 بالمئة سنوياً في العقد الأول من القرن التاسع عشر، و٠.٤ بالمئة سنوياً في تسعينيات القرن العشرين و٠.٦ بالمئة سنوياً في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
الذكاء الصنعي في أسواق المال والمؤسسات المالية
وعن أهمية الذكاء الصنعي عند تداول الأسهم والأوراق النقدية في أسواق المال؛ وفق توقع اتجاهات أسعارها. قال: يساعد في دراسة حركة أسواق المال والمساعدة في تجنب حدوث الأزمات المالية. والمساعدة في تجنب المضاربات غير المشروعة والاحتيال في أسواق الأوراق المالية، كما يساعد المصارف على تقييم ملاءة المقترضين والمخاطر واحتمالات التعثر في السداد، ويساعد مؤسسات إدارة الثروة على تقديم الحلول المناسبة للمستثمرين، والمساعدة في التدقيق المالي على المؤسسات المالية، ومكافحة غسيل الأموال.
تطبيقات الذكاء الصنعي في الحكومة
وتطرق الباحث إلى تطبيقات الذكاء الصنعي في القطاعات الحكومية، موضحاً أنه يمكن للتقانات المعرفية أن تحدث ثورة حقيقية في العمل الحكومي، مبينا أن أهم التطبيقات في مجال الحكومة والحوكمة التنبؤ بالاتجاهات الاقتصادية ووضع السيناريوهات والتنقيب في البيانات الحكومية وتعريف الأنماط والمساعدة في تنظيم الاستفتاءات والانتخابات والتنبؤ بنتائجها ومن ثم تحلیل استطلاعات الرأي وتعرّف توجهات الرأي العام. كذلك استعمال النظم الخبيرة في المساعدة على صنع القرار، إضافة إلى التواصل مع المواطن لتقديم الخدمات. والمساعدة في إنجاز الأعمال النمطية.
وعن التطبيقات في مجال السياسة المالية بين الصابوني أن تقدير حجم الإنفاق الحكومي يكون وفق البيانات السابقة والمشاريع المساعدة في وضع السياسة الضريبة وفق تقييم الحالة الاقتصادية.
تطبيقات الذكاء الصنعي في النشاطات الاقتصادية
للذكاء الصنعي تطبيقات عديدة في جميع القطاعات والنشاطات الاقتصادية أهمها:
استعمال الذكاء الصنعي في الإحصاء والنمذجة والاقتصاد القياسي حيث تسمح أدوات الذكاء الصنعي بالتحقق إحصائياً من القوانين الاقتصادية. كما يستعمل الذكاء الصنعي في المناهج والدراسات الاقتصادية.
وتحدث الصابوني عن استعمال الذكاء الصنعي في التحليل الاقتصادي ووضع السياسات، مؤكداً أن تقنيات الذكاء الصنعي تساعد الاقتصاديين في تحليل البيانات الكبيرة الحجم والتنبؤ وتسمح باستكشاف الأنماط والاتجاهات والعلاقات التي قد يكون من الصعب اكتشافها بالطرائق التقليدية.
وكشف الصابوني عن العديد من التنبؤات بقيم المتغيرات الاقتصادية الكلية، كالناتج المحلي، والتضخم، ومعدل البطالة، والتنبؤ باتجاهات البورصات وأسواق المال، وتسمح أدوات الذكاء الصنعي بتحسين إجرائيات وضع السياسات وصنع القرار.
وأضاف: يقدر حجم سوق الذكاء الصنعي العالمي بـ210 مليارات دولار في ٢٠٢٣؛ ومن المتوقع أن يصل إلى ٤٢٠ مليار دولار في 2025، وإلى 1.8 تريليون دولار في ٢٠٣٠، بمعدل نمو وسطي بأكثر من ٣٧ بالمئة سنوياً.
وأضاف: إن حجم الاستثمار في شركات الذكاء الصنعي الناشئة قد ازداد بنحو 6 مرات بين عامي 2001 و2022. ونمت نسبة الشركات التي تستعمل الذكاء الصنعي بـ270 بالمئة خلال السنوات الأربع الماضية وتطبق على ٣٥ بالمئة من إجمالي الشركات في العالم اليوم شكلاً من أشكال الذكاء الصنعي في أعمالها، وستتجاوز هذه النسبة ٧٠ بالمئة في ٢٠٣٠.
والنسبة أعلى بكثير في المؤسسات المالية ومن المتوقع أن تستند ٩٥ بالمئة من معاملات الزبائن إلى تطبيقات الذكاء الصنعي في ٢٠٢٥. حتى إنه ستكون سيارة من عشرة في العالم ذاتية القيادة بحلول ٢٠٣٠.
الوطن