معقبو المعاملات… أفخاخ ومصائد على أبواب المؤسسات والدوائر.. والفهلوة والاحتيال أداة رئيسة!

لا تتطلب المسألة أكثر من كرسي وطاولة صغيرة ومن فوقها مظلة ومجموعة أوراق، لتنصب نفسك في هذا الموقع، فقط إذا تسلحت بالفهلوية والشطارة اللازمتين “كعدة ” لزوم المهنة التي ربما تجعلك في مصافي ميسوري الحال في أقصر زمن، هو مشهد يومي لمن يطوف الدوائر والمؤسسات الحكومية، إما موظفاً أو مراجعاً أو طالباً حاجة أو حتى عابر سبيل، فمن الغرابة أن تمر بمؤسسة عامة دون أن ترى صورةً مألوفة باتت جزءاً من المؤسسة بحد ذاتها!.

ثمة فجوة!

وما بين المحبذ والمتحفظ لظاهرة “معقبي المعاملات” ثمة فجوةً كبيرة تراكمت عبر عقود وتحولت فيها الدوائر الحكومية إلى أنموذج للتعقيد والبيروقراطية والروتين القاتل الذي من الصعوبة بمكان أن يقدم أداءَ مباشراً وفعالاً بلا وسيط، بكل الأحوال يجب ألا يكون نزيها، فالدور هنا يتمثل صراحةً بأشخاص يتمتعون بصفات القفز والتعامي عن القانون، ويمكن القول إن هناك مبرراً لوجود هذا المعقب أو ذاك بشكله المعروف أو المبطن، وبالتالي نسمح لأنفسنا أن نقول إن الظاهرة وليدة أزمة فساد إداري واقتصادي، لا بل نتيجة حتمية لهياكلٍ ارتضت إداراتها أن تنغمس في صراعٍ غير نظيف مفاده المصلحة الشخصية التي تعلو أية مصلحة عامة!.

ومن قبيل الإنصاف لا يمكننا أن نحمل أشخاصاً يبحثون عن فرصة عمل ولم يجدوها ينخرطون بهذا المعترك مسؤولية الزيادة المفرطة في عدد وتعداد هذه الشريحة  التي استوعبت ما هب ودب من حالات تنوعت ما بين المحتال والنصاب والمستغل والمتاجر، في الوقت الذي اضطر عديدُ من الخريجين في الجامعات للدخول في هذا المعترك لضعف ذات اليد في الحصول على فرصة عمل تناسب شهادته، وكل ذلك لا يعني بالضرورة أننا أمام عملٍ ليس قانوني بل له تاريخ يفاجئ البعض بأنه يعود إلى خمسينيات القرن الماضي عندما صدر أول نص يقونن هذه المهنة وكان مذيلاً بتوقيع رئيس الجمهورية آنذاك هاشم الاتاسي ورئيس الوزراء خالد العظم فحمل القانون رقم 119 الصادر بتاريخ 9 تموز 1951 النص التشريعي اللازم.

معترك صعب

مع مرور الزمن تعقدت وتداخلت التفاصيل لندخل في معترك من الصعوبة بمكان أن ننقلب عليه بقرار أو نغير فيه بعصا سحرية، فالوقائع للأسف أقوى مما يحمله الرأي العام وصاحب القرار من أفكار تخص هذا القطاع، فأصبحنا أمام معقب ومحامي وموظف وممتهن ومتطفل، كلها أقطاب لهدف واحد وهو اصطياد المواطن والمراجع قبل أن تطأ قدماه باب المؤسسة، وليس غربياً إن أفلت من هذا الفخ أن يجبر بالعودة إليه عندما يكتشف أن هذا المدير أو ذلك الموظف غير مستجيب، إلا عبر هذا الوسيط أو ما يمكن أن نصفه بالدلال أو المفتاح الذي يوصل الأضابير والمعاملات إلى مبتغاها.

ومع القول أن أغلب المؤسسات ابتلت بالظاهرة، لكن يبدو أن هناك دوائر انتابها الكثير من الإغراء بحكم طبيعة عملها، لتجذب أكبر قدر من المعقبين أكثر من غيرها وهذا ما نراه في المصالح العقارية والدوائر المالية والعدلية ودوائر النقل والأحوال المدنية، فهنا الطامة الكبرى التي تجعل أي مار مرتبكاً من كثرة التزاحم عليه والصراخ في مناداته بحثاً عن زبون أو طعم، ليكتشف أنه أمام ما يشبه الباعة في سوق الهال، ومهما أوتي من العزم فمن الصعوبة أن يفلت من هذا الفخ، ودعونا نعترف أن المراجع نفسه قد ساهم وما زال في تأصيل هذه الظاهرة لأن باباً من الفساد يحقق خدمةً له إن كانت معاملته غير نظامية أو منقوصة أو ربما تجنباً للروتين، لذلك لا مانع من دفع المعلوم لكسب الوقت والجهد وراحة البال!.

قد يحار المتابع والمتقصي لحقيقة ما يجري على أبواب المؤسسات ويتسائل: هل نحن أمام مجرد ظاهرة “تخدم ” إن صح التعبير أم أننا بصدد شكلٍ من  أشكال (المافوية) التي تمارس (السبعة وذمتها ) ليس فقط “في تمشاية” المعاملات والأضابير بل في حياكة القضايا الشائكة التي تخص كل شيء؟، فما يتهيأ  للمواطن بأن دور معقب المعاملات يقتصر على كتابة المعروض والمساعدة في قضاء الحاجات يعد ضرباً من الخيال، فهنا كل شيء مباح وهذا ما تكتشفه بمجرد الاحتكاك المباشر مع هذه الشريحة التي تلبيك في لبن العصفور إن أردت المهم أن تدفع المعلوم!.

أصوله وضوابطه

لمن لا يعرف فإن لهذا العمل أصوله وأعرافه إن تحدثنا من منطلق القوننة التي كفتلها الأنظمة التي تشتغل على أساسها جمعية معقبي المعاملات وبحسب عبد الوهاب نويلاتي، رئيس الجمعية، فإن معقب المعاملات يخضع لدورة تدريبية لفترة شهر تقريباً، ولامتحان خاص أول ما يبدأ بالمهنة أصولاً، وليحصل على الإجازة من الجمعية، على أن تكرر هذه الدورة مرة كل عام طوال عمله، بالإضافة إلى السيرة الذاتية الحسنة على اعتبار أن أغلب من يرغب بشرعنة عمله يفترض أن له زمن يعمل ولديه خبرة. وأوضح نويلاتي أنه في حال النجاح في الاختبار فإن الجمعية مسؤولة عن جميع التجاوزات أو الأخطاء أو أي تلاعب صادر عن معقبي المعاملات والمسجلة أسماؤهم في الجمعية، ولها حق التصرف بحكم الانظمة أن تنظر في القضية وتبت بها من حيث العقوبة المناسبة، ويشير نويلاتي هنا أنه يوجد أكثر من 1500 معقب مسجلة أسماؤهم في الجمعية ومرخص لهم ويزاولون المهنة.

 عدم تجاوب

نويلاتي لم يخفِ  وجود معوقات تقف في وجه المعقبين ومنها عدم تجاوب بعض دوائر الدولة والموظفين مع المعقبين وعدم الاعتراف بشهادة المجاز القانوني،علماً أنه في أغلب الأحيان يوجد تحويلات موقعة ومختومة ومسجلة من الجهة صاحبة الطلب، وللأسف تلقى هذه الطلبات تعنت وتمنع البعض جراء النظرة السلبية لهذه المهنة التي ابتليت ببعض الدخلاء الذين يتعاملون مع الموظفين بمبدأ الرشوة والإكراميات التي تسيء للمهنة جملةً وتفصيلاً، وهؤلاء الأشخاص ليس فقط يضرون بمصالح المعقب بل يسيؤون لسمعته  لأن همهم الربح السريع وليس أن تكون المعاملة قانونية أو سليمة وهذا ما يعرض نسبة كبيرة من المواطنين للوقوع في أيدي الدخلاء وبالتالي الوقوع في شرك النصب والاحتيال.

ليس مخالفة

وبدردشة بسيطة مع نموذج من الناشطين في هذا القطاع يعترف أحدهم أن المشكلة في عمل المعقب أنه ليس مخالفة  القانون، بل العكس صحيح أننا نسهل ونيسر ونسرع  حاجة المواطن، – حسب قوله – بحيث يتم  التخفيف  من الازدحام الذي قد يحصل في الدوائر، وبالتالي التخفيف من الضغط على الموظفين وعبء الشرح لكل مواطن ما يلزم من الأوراق الضرورية لأي معاملة، وبالتالي فإن دور المعقب أنه يساهم في هذه  العملية بحكم خبرته ودوره المنوط به.

في المقلب الآخر يرى معقب أن المعاناة لا تتوقف عند هذا الحد بل يتعرض البعض منهم لهجوم كبير من قبل المحامين كونهم يمارسون عملاً يتقاطع مع مهنتهم، وبالتالي لا يمكن إغفال تضارب المصالح والوصول إلى درجة “التناطح” في كسب أكبر مساحة من النشاط، لا سيما أن كلفة المعاملة الذي يقوم بها المعقب أقل بكثير من كلفتها على يد المحامين.

وهنا يؤكد أغلب المعقبين أن عملهم يختلف تماماً عن عمل المحامي، فعملهم يقتصر على الدوائر المالية والمصالح العقارية والسجلات العامة، إضافة إلى تنظيم بعض الوكالات التابعة لكتاب العدل وليس لهم علاقة بالأمور المدنية أو الشرعية أو الصلح أو أي دعاوي أخرى.

كتاب عرائض

وعلى ذمة المعقبين أنفسهم أن جمعيتهم أحدثت قبل نقابة المحامين بسنة واحدة، وكان المجازيون القانونون يسمّون كتاب عرائض، ولكن صدور المرسوم رقم 31 لعام 1970 حل النقابات المهنية ومنها جمعية المعقبين، وبالتالي بقيوا على قارعة الطريق ولا يتبعون لأي نقابة حتى عام 1974، حيث نسبوا لاتحاد الحرفين.

وبالعودة إلى شيخ كار المهنة، فإن المعقبين لطالما طالبوا بتعديل القانون رقم 119 لعام 1951 لأنه غير منصف بحق المعقبين مع تعديل شهادة المهنة من الابتدائية، كما ينص القانون “العتيق” إلى الشهادة الثانوية وتعديل الغرامة المتمثلة بعشرين ليرة إلى 25000 ليرة سورية تدفع لمصدق الجمعية لقاء الحصول على الإجازة، والسجن ستة أشهر بدلاً من ثلاثة أشهر، لكل من يزاول المهنة دون أن يكون منتسبا إلى الجمعية أو حاصلا على شهادة مجاز قانوني، مع التنويه إلى أن ضريبة الدخل التي يدفعها المجاز القانوني تعود إلى خزينة الدولة وليس لجيب الجمعية.

وحتى هذه اللحظة يعاني المعقب من مشاكل ويأمل من الجهات المعنية أن تنظر بحاله وتنصفه، خصوصاً أن حالة النصب والاحتيال ازدادت في الفترة الأخيرة وكل هذا يسيء لسمعة المجاز القانوني.

اختلاف واتفاق

لا يخلو كلام المواطن حول عمل المعقبين من اختلاف واتفاق في آن معاً، فما بين مؤيد ومعارض تتسع المسافة وتتعقد الأمور، فأغلب من التقيناهم مقتنعون بأن المعقب هو وسيلة مجبرون عليها، وليسوا مخيرين، لاسيما أن مكاسب يحققها المراجع وإن كلفته أعباء مالية، إلا أن البحث عن الراحة وضمان النتيجة هو ما يدفع باتجاه المعقب، مقابل من يرى أن هذه الشريحة لا تعدو كونها حلقة من حلقات الروتين والفساد المستشري على أبواب المؤسسات وفي أروقة ودهاليز الدوائر، ومع صعوبة الاتصال مع أحد المسؤولين في الحكومة لتقفي وجهة النظر الرسمية حول هذا الملف، إلا أن أحدا لم يبادر للتصريح وإبداء الرأي على اعتبار أن  المسألة أكبر من سلطة المؤسسة التي يعمل على أبوابها المعقبون!.

البعث

شارك