قبيل العيد .. الحلويات “للفرجة” والألبسة مجرد ألوان براقة يتحسر الأطفال على شرائها!

على الرغم من ازدحامها الكبير، إلّا أن الأيدي الخاوية من أكياس الثياب والحلويات كانت أكبر شاهد على الركود المستفحل في الأسواق السورية قبيل العيد، لتتحول محال الحلويات “للفرجة” فقط، فيما شكلت بسطات الألبسة والأحذية ملاذاً لعدد قليل من متوسطي الدخل المضطرين لشراء شيء جديد لأطفالهم، بينما كان لطبقة الفقراء خيار وحيد بعدم ارتياد الأسواق في العيد وتصنيفه كباقي أيام السنة!.

وبينما كان الحل خلال السنوات القريبة الماضية بصنع حلويات العيد في المنزل، والتوجه إلى أسواق البالة لشراء كسوة العيد، لكن الحال تغير، فارتفاع  أسعار المواد الأساسية المكونة لها من سكر وسمن وزيت وطحين بات يشكل وجعاً وثقلاً على كاهل المواطنين، الأمر الذي أدى إلى إحجام معظم المواطنين عن شرائها وعن التفكير بصناعتها في المنزل وبشكل قاطع، كذلك حلّقت أسعار الملابس في محال البالة هي الأخرى لتفوق في الكثير من المطارح أسعار الألبسة الجاهزة التي لم تطلها يد الكثيرين هذا العيد وبقيت مجرد ألوان برّاقة على واجهات المحال يتمتع المواطن برؤيتها ويتحسّر على شرائها.

مقاطعة للشراء

وفي الوقت الذي يوجّه به المواطن أصابع الإتهام أولاً على التجار وتحميلهم مسؤولية ارتفاع أسعار حاجيات العيد نجد أن التجار يصروّن على رمي الكرة في ملعب الجهات المعنية التي لا زالت برأيهم تتخبط في قراراتها وغير قادرة على إيجاد حل متوازن لضبط الأسعار بدءاً من أسعار المواد الداخلة في الإنتاج وصولاً إلى سعر المنتج النهائي، إذ يرى التجار أن حالة الركود في الأسواق تنعكس عليهم سلباً أيضاً طالما يعاني المواطن من ضعف القوة الشرائية واستحالة شراء كسوة العيد لأسرته المكونة في أضعف الحالات من أربع أشخاص، يكون التاجر-برأيهم- في الكفة الأخرى يعاني من تكديس بضاعته “ألبسة وأحذية وحلويات…” وخسارته المتلاحقة شهراً تلو شهر، لاسيّما وأن معظم التجار ينتظرون مواسم الأعياد لتسويق بضاعتهم، لكنّ الحال هذا العيد لم يختلف عن باقي الأعياد التي لم يظفر بها تجار الألبسة والحلويات سوى بفرد بضاعتهم وإعطاء تسعيراتها التي تحتاج لحبوب مهدأة كي يتقبلها المواطن، دون بيع أكثر من قطعة في اليوم الواحد في أحسن الأحوال، تحت مبررات ارتفاع سعر جميع المواد الداخلة بالصناعات السورية رافقه تحليق في أجور الشحن وندرة في المحروقات، الأمر الذي ينعكس على التسعيرة والتي يضطر التاجر لتخفيض هامش الربح له في الكثير من الأحيان لتسويق منتجه.

للأثرياء فقط

وبينما نسي معظم المواطنون طعم الحلويات الجاهزة منذ سنوات مضت رافعين شعار مقاطعة شراءها والتي باتت هي الأخرى من الرفاهيات والكماليات التي لا يحتاج لها المواطن، نجد أن شريحة قليلة وصلت إلى 20% لا زالت تتوجه إلى أفخم محال الحلويات لشرائها مهما بلغت تكلفتها، إذ يرى الحرفي محمد الخاوندي أن جزم الطبقات المتوسطة والفقيرة بالتخلي والإحجام عن شراء الحلويات خلال شهر رمضان مروراً بعيد الفطر لم يحول دون استمرار الكثير من المحال من العمل وصناعة الحلويات بانتظار الزبائن من “المستوى الرفيع” والذين لم تؤثر الحرب على جيوبهم بل على العكس زادتهم غنى، وانتقد الخاوندي تجاهل الجهات المسؤولة لمعاناة أصحاب هذه الصناعة وعدم سعيهم لتوفير مستلزمات إنتاجها من غاز ومحروقات وتركهم عُرضة لتحكم تجار السوق السوداء بهم وبتسعيرة الغاز والمازوت لديهم، لنجد أن اختلاف سعر الحلويات خلال الأشهر الماضية ترافق مع تسعيرة هذه المواد في السوق السوداء، ما دفع الكثيرين لشراء الحلويات “بالقطعة” لأطفالهم كباقي الخضار والفواكه التي باتت بعيدة عن المنال!.

مراسلات يومية

ولأن أغلب هموم صُنّاع الحلويات تركزت حول عدم توفر حوامل الطاقة وشرائهم لها بأسعار السوق السوداء توجهنا إلى اتحاد الحرفيين ليؤكد ناجي حضوة رئيس الاتحاد أن آلية توزيع المازوت والغاز لهذه الورش داخل أي محافظة هو شأن شركة “سادكوب” بالتنسيق مع الجمعيات الحرفية والاتحاد الفرعي في المحافظة، لافتاً إلى أن الاتحاد يطالب بشكل يومي بزيادة مخصصات الحرفيين من حوامل الطاقة عبر مراسلات يومية وموثقة، ونوّه حضوة إلى أن الإتحاد يضع بشكل دائم حلول إسعافية خلال فترة الأعياد للمنشآت التي تعمل على حوامل الطاقة، لكن مخصصات هذه المواد لا تكفي في جميع القطاعات الصناعية  ليس فقط بالمنشآت الحرفية المختصّة بصناعة الحلويات، وانتقد رئيس الاتحاد تبرير الحرفيين بأن ارتفاع سعر الحلويات أكثر من 80% عن العام الماضي سببه فقط ارتفاع سعر الغاز والمازوت وشرائه من السوق السوداء، لاسيّما وأن الغاز يشكل 10% من هذه الصناعة في حين وصل سعر تنكة السمنة مليون ونصف ليرة، بالتالي إن ارتفاع جميع مدخلات صناعة الحلويات بدءاً بالسمنة والزيت والسكر وانتهاء بالمحروقات هم جميعاً عوامل أساسية لارتفاع سعر المادة، وتحدث حضوة عن وجود دوريات من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لضبط الورش والمحال المخالفة بالتسعير أو بالصناعة خاصة خلال فترة الأعياد، وضبط حالات الغش الحاصلة خلال هذه الفترة بخلط السمن النباتي مع الحيواني لصناعة الحلويات وتخفيف التكلفة على صاحب المنشأة الذي قام بترخيص منشأته على أنها تصنع المادة بالسمن الحيواني الأمر الذي يعُرضه للمساءلة تحت بند الغش في المكونات و الربح غير المشروع.

قلة مخصصات

كذلك أكد محمد سليم كلش رئيس اتحاد الجمعيات الحرفية بدمشق أن جمع الورش المختصة بصناعة الحلويات والمرخصة أصولاً تحصل على مخصصاتها من حوامل الطاقة، لكن الجمعية الحرفية لصناعة البوظة والحلويات هي من أكثر الجمعيات التي تحتاج لهذه الحوامل نظراً لطبيعة عملها، مشيراً إلى أنه لا علاقة للاتحاد بكمية المخصصات لأي جمعية لاسيمّا وأن صاحب أي منشأة حرفية يقوم بتقديم طلب للجمعية المختصّة والتي تقوم بإعطائه شهادة حرفية، ثم يتم تقديم طلب بكتاب إلى الاتحاد والمحافظة التي ترسل لجنة لإجراء كشف فني ، ليتم على أساس هذا الكشف تخصيص مستحقاته من المازوت والغاز وتحويل الطلب إلى شركة تكامل، ولم ينف كلش أن المخصصات لا تكفي لجميع الورش وسعي الاتحاد دوماً لتلبية حاجيات الجمعيات التابعة لهم لاستمرار عملها حتى في أضعف مقومات الإنتاج.

“شوية” رحمة

ما يريده المواطن قبل العيد أن يكون هناك “شوية” رحمة في قلوب من يحتكرون المواد ويبيعونها بأسعار نارية، والأهم أن تكون أجهزة الرقابة حاضرة لمراقبة أسواق العيد وفرض أسعار شعبية تناسب أصحاب الدخل المحدود الذين بات العيد عندهم يمر كالحلم الوردي يتذكرون من خلاله الأيام الخوالي، عندما كان العيد مناسبة لشراء أفخر وأطيب أنواع الحلويات وأحدث موديلات الألبسة وإعطاء “العيدية” بسخاء لأطفالهم ليعيشوا أجمل اللحظات!

البعث

شارك