الزحف العمراني تجاوز الخط “الأخضر”.. والمحافظة تلحظ زيادة حصة الفرد.. و “الزراعة” تعترف بعدم الاستمرار بالسقاية

ما إن انفضّ تجمعهم بعد التقاط الصور التذكارية وهم يغرسون بعض الشجيرات، وأدلوا بتصريحاتهم المفعمة بخطاب تعبوي يمجّد عيد الشجرة ويحث على توسيع الرقعة الخضراء.. حتى عادت الأمور إلى ما كانت عليه من إهمال ولا مبالاة بالمسطحات الخضراء التي باتت تنحسر شيئاً فشيئاً، ففضلاً عما فعلته الحرائق بغاباتنا ومحاصيلنا، ها هو الزحف العمراني يتجاوز “الخطوط الخضراء” ليحوّل بعض المناطق إلى غابات إسمنتية دون أدنى مراعاة لأصول وأدبيات الحفاظ على البيئة!.

خطط وقوانين!

إذا ما أردنا تقليب ما يصدر عن وزارة الزراعة من خطط، وما ينبثق عنها من قرارات وتعاميم، سرعان ما سنجد أن الوزارة توجّه بوصلتها نحو استعادة مساحات الغطاء الحراجي تدريجياً عبر زيادة عدد الغراس الحراجية المنتجة، وإطلاق حملات التشجير، وتشديد مخالفات الاعتداء على المواقع الحراجية، إضافة إلى زيادة نسبة المساحات الخضراء مع دارسات متكاملة لإنتاج مزيد من الغراس الحراجية، وزيادة الطاقة الإنتاجية خلال السنوات القادمة بهدف إعادة زراعة المساحات التي تعرّضت للتعديات، ولاسيما زيادة خطة التحريج الاصطناعي، والعمل أيضاً على متابعة المواقع الحراجية وإطلاق حملات التشجير والتربية والعناية بالمواقع التي تعرّضت للعبث، إلا أن انعكاس هذا السيل من القرارات والتعاميم على الحماية الفعلية للمسطحات الخضراء لا يزال خجولاً!!.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن هناك تشريعات عدة تضبط حماية وتنمية الغابات الطبيعية والاصطناعية، منها قانون الحراج رقم 6 للعام 2018 وقانون الضابطة الحراجية رقم 41 للعام 2006 الذي أعطى الصلاحية للضابطة الحراجية كقوة تنفيذية تتمتّع بصلاحيات الضابطة العدلية والمانعة، ومهمتها حماية أحراج الدولة والخاصة، والحيلولة دون وقوع التعديات عليها وقمع المخالفات الحراجية، حيث تتضمن العقوبة غرامات مالية وفي بعض الحالات تُفرض عقوبة السجن المؤبد أو الإعدام في حال تسبّب حريق متعمد بعاهة دائمة أو وفاة أحد الأشخاص العاملين على إطفائه.

مدير زراعة دمشق وريفها المهندس عرفان زيادة تحدث حول نسبة تنفيذ ما يُحكى وينشر من تصريحات وبيانات وإحصائيات لوزارة الزراعة، وحول توسيع رقعة المسطحات الخضراء، مبيناً أن هناك خطة لإنتاج نحو 3.4 ملايين شجرة مثمرة لتعويض ما تمّ قطعه على يد العصابات الإرهابية في ريف دمشق، إذ تعمل المديرية بالتعاون مع المحافظة على تقييم الأضرار الزراعية وخاصة في الغوطة الشرقية، ليكون هناك خطة متكاملة لإعادة زراعة ما تمّ قطعه وتأمين الغراس، إضافة إلى العمل على إعادة تأهيل وتجميل طريق المطار، وقد تمّ بيع 200 ألف غرسة مثمرة للمزارعين بأسعار رمزية مع توزيع 32 ألف غرسة مجاناً في الغوطة.

وأوضح زيادة أن المديرية تقوم بالتنسيق مع المديريات والجهات المعنية بتنظيم الضبوط حسب نوع المخالفة وأصناف الأشجار ما بين مثمر وحراجي، إذ يعاقب المخالف بغرامة 200 ألف ليرة لكل دونم بالنسبة للأشجار المثمرة وتصل العقوبة إلى السجن، وقد تصل للإعدام في حال أحدث حريقاً وتسبّب بوفاة أشخاص، مشيراً إلى أن غرامة كل سنة من عمر الأشجار المقطوعة حراجياً تصل إلى ألف ليرة لكل عام، وذلك حسب قانون الحراج رقم 6 لعام 2018.

من جهتها قامت محافظة دمشق بمخاطبة رئاسة مجلس الوزراء من أجل تخصيص بلديات ودوائر الخدمات والحدائق بغراس حراجية  توزع مجاناً، ليكون هناك تعاون من قبل البلديات لسقاية الغراس والمحافظة عليها، مع الإشارة هنا إلى أن مدير الزراعة خصّ “البعث” بصورة عن ميزان استعمالات الأراضي على مستوى محافظة ريف دمشق.

تشجير الجبال

ولم يخفِ مدير الزراعة عدم قدرة المديرية في الاستمرار بالسقاية لجميع المواقع والأشجار لأكثر من سنتين، لافتاً إلى توجّه الزراعة إلى إعادة تشجير الجبال وخاصة ذات الهطول المطري الجيد، ولاسيما السلسلة الغربية من ريف دمشق، علماً أن الخطط كانت تركز على جوانب الطرقات فقط خلال سنوات الحرب وهذا لا يصنع غابات، حسب رأي مدير الزراعة.

وفي مقارنة بين دمشق وريفها يجد المتابع انحسار المساحات الخضراء في الريف أكثر من المدينة، نتيجة الزحف العمراني الجائر على الأراضي الزراعية كما حدث في بلدة صحنايا التي كان يلفها حزام من أشجار الزيتون لكنه بدأ بالتلاشي أمام تمدّد البناء، مما أدى إلى تشويه المنظر العام والبيئي بشكل خاص، حسب تأكيدات المواطنين.

تقلص المساحات

يحذّر الكثير من الخبراء والمختصين من تأثيرات تقلّص المساحات الخضراء في محيط المدن وضمنها وانعكاس ذلك على زيادة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، وخاصة مع توسّع المساحات المبنية على المساحات الخضراء، وتدني حصة الفرد من المساحات الخضراء المفتوحة في سورية إلى الحدّ الأدنى الذي لا يتجاوز في دمشق 3 أمتار مربعة، فمن يتابع الحدائق في دمشق وريفها يرى غياب المعايير نتيجة زيادة الأبنية العمرانية في محيط تلك الحدائق، ما يتطلّب من المعنيين الأخذ بعين الاعتبار لحظ توزيع الحدائق وزيادة نسبة الفرد في المخططات التنظيمية الجديدة، وفقاً لما أكده نائب محافظ دمشق الدكتور أحمد النابلسي، والذي أوضح أن المحافظة وضعت ضمن دراسة المخططات الجديدة، ولاسيما “المرسوم 66 والقابون”، موضوع توزيع الحدائق وزيادة نسبة الفرد حسب التوزع السكاني ضمن المخطط، لافتاً إلى أن الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للحدائق والمتنزهات في المدن يشمل دورها التأثير غير المباشر في رفع الإنتاج والإنتاجية لسكان المدن.

وشدّد النابلسي على تطبيق التشريعات والقوانين بحق المخالفين، ومنع الاعتداءات على المساحات الخضراء، وضرورة الاهتمام بالحدائق كونها المتنفس الوحيد في المدينة.

ما سبق ذكره يحتّم التطوير الدائم للخطط الفعلية والدراسات الإستراتيجية للارتقاء وتحسين الجانب البيئي، وتوسيع دائرة المساحات الخضراء، لتكون المخططات المستقبلية وأبنيتها كلها مفتوحة بشكل مباشر على المساحات الخضراء، مع تخطيط ممرات المشاة والفراغات العامة واعتماد الطاقة النظيفة.

البعث

شارك