سباق جديد حول الخيار الادخاري الأكثر شعبيّة في ثقافة السوريين

-031M.jpg

يتسابق السوريون على اكتناز الذهب، بعد أن بات حصولهم على العملات الأجنبية صعب نسبياً، إما لقلّة المعروض منها وصعوبة الحصول عليها، أو لأسباب تتعلق بإجراءات وقوانين تحدّ من إمكانية تداول القطع الأجنبي في غير القنوات المخصصة رسمياً.
ويبدو المعدن الأصفر حالياً هو الضامن الأبرز لمدخرات ” هواة الادخار” والساعين للحفاظ على قيمة مدخراتهم أمام تذبذبات سعر الصرف، والضغط الهائل الذي تشكله الحرب وظروف الحصار على الليرة السورية، إلّا أن أسعار الذهب بدورها آخذه بالتذبذب لأسباب تتعلق بتذبذبات الدولار أو دونه، إذا نرى أن ” بورصة المعدن النفيس” ترتفع وتنخفض دون أن يتحرك سعر صرف الدولار واليورو في أسواقنا، كما أن الطلب يلعب دوراً كبيراً على السعر إذ يرتفع أو يتراجع بمعدل 2000 ليرة في اليوم الواحد، وهذا من شأنه أن يحدث توتراً وقلقاً في علاقة حائزي ” المدخرات الذهبية” مع السوق التي لجؤوا إليها من أجل الهروب من عصف وتعسف سوق العملات ذات المخاطر الكبيرة.

رغم هذه الوقائع التي تعزز من أداء سوق الصاغة وكذلك أرباح العاملين والمستثمرين فيها، إلا أن اللافت والمريب أن ثمة شكاوى دائمة من الركود المطبق، وهذا تناقض كبير دفعنا لسؤال أحد الخبراء حول الأسباب، ليأتي الجواب بأنّ الطلب كبير على السبائك والليرات الذهبية السورية، وليس على المشغولات، فالطلب واضح أنه يتركّز على العامل الادخاري وليس البعد الاستهلاكي التقليدي ” هدايا، أفراح، مناسبات اجتماعية”، لأن ادخار المشغولات لا يصلح غالباً للخيار الادخاري على اعتبار أن ثمة خسارة ستترتّب عليه في حال البيع.
ويرى كبار تجار سوق الصاغة بدمشق، أنه خلال جائحة كورونا تبدّدت آمال الصاغة والمواطنين على حدّ سواء، فلا السعر المرتفع حقّق للصائغ أرباحاً إضافية في ظل ضعف القوة الشرائية للشاري، ولا المواطن بات بمقدوره شراء الكميات التي يريدها بفعل التضخم في أسعار الذهب.

ويجمع حرفيو المعدن الأصفر – وفق تصريحات إعلامية متكررة – على أن الأسواق تأثرت كثيراً بفعل النتائج الارتدادية لفيروس كورونا على الدورة الاقتصادية، حيث انخفضت عمليات الشراء بشكل كبير، ويؤكد بعضهم أن سوق الذهب لم يشهد أياماً قاسية كتلك التي شهدها مؤخراً، فمنذ بداية جائحة كورونا أُغلقت المحال والورشات لمدة شهرين، ما تسبّب بخسائر كبيرة ، ولكن حتى بعد عودة فتح محال الصاغة فإن الطلب على الذهب ضعيف جداً، وهناك تخوّف من قبل المواطنين من الشراء، كما أنهم يحتفظون بمقتنياتهم من الذهب رغم ارتفاع أسعاره، على اعتبار أنه ملاذ آمن بالنسبة لهم خوفاً من أيام عصبية أكثر ربما قد تأتي، أما بالنسبة لأصحاب الورشات فقد اضطر كثيرون منهم للاستغناء عن أغلب العمال، كما أن هناك بعض من تجار الذهب اضطروا لتغيير المهنة بحدّ ذاتها.

ويؤكد رئيس جمعية الصاغة وصنع المجوهرات في دمشق غسان جزماتي، في تصريح إعلامي، أنه منذ بداية جائحة كورونا انخفض الطلب على الذهب بشكل كبير جداً، فحجم المبيعات لا يتجاوز النصف كيلو يومياً والمواطن ليس لديه السيولة الكافية ليشتري الذهب، كما أن أغلب مناسبات الزواج والخطوبة تأجّلت نتيجة ارتفاع الأسعار، في حين أن الكميات التي يشتريها الصاغة من الحرفيين لا تتجاوز الـ500 غرام يومياً.
أبعد من ذلك، بيّن جزماتي أن قانون قيصر ليس له تأثير في استيراد الذهب، على اعتبار أنه يُستورد من بيروت في الأحوال العادية، ولكن حالياً لا يتمّ استيراده من بيروت نتيجة عزوف تجار الذهب عن الذهاب إلى لبنان بسبب كورونا، في حين أن تذبذب أسعار صرف الدولار عالمياً هو من يؤثر بشكل كبير في أسعار الذهب، الأمر الذي يؤدي إلى تغيير التسعيرة باستمرار تماشياً مع سعر الصرف العالمي، مبيناً أنه تمّ إعادة دمغ الذهب منذ شهر تموز الماضي، بعد توقفه لمدة ثلاثة أشهر وإعادة الدمغة كان بهدف تنشيط السوق.

وحول إحجام المواطنين عن بيع الذهب نتيجة ارتفاع أسعاره، أشار إلى أن الذهب بالنسبة للمواطن عامل ضمان للمستقبل وهو في ارتفاع دائم، وإذا لم يكن مضطراً للبيع فهو لا يقدم على تلك الخطوة.
أخيراً من المهم أن توجه السوريين باتجاه الذهب كوعاء ادخاري مضمون، خفف كثيراً من الضغط الذي تسبّب به الدولار على الليرة السورية، بعد أن تمّ تحييد العملة الخضراء من خيارات السوريين وتوجّهاتهم الادخارية، أي كما يرى كثير من الخبراء أن تعزيز خيارات العرض في سوق الذهب سوف يتيح تغيّراً نوعيّاً لثقافة الادخار في سورية، إضافة إلى ضرب مصالح تجار ” الفوركس” والمضاربين بالعملات الأجنبية الذين أرهقوا الاقتصاد والبلاد والعباد على حدٍّ سواء

الثورة

شارك