الاقتصاد العالمي والبحر الأبيض المتوسط وشاعرنا نزار قباني ؟!

أ.د: حيان أحمد سلمان

تطلق عدة أسماء على البحر الأبيض المتوسط ومنها مثلاً بحر الروم أو بحر الشام أو بحر المتاعب أو وسط الأرض (ميداترانيوس Mediterranean ) وهو من أهم بحار العالم و يبلغ طوله /3860/ كم ومساحته حوالي /2،5/ مليون كم2 ، وتأتي أهميته الجيوسياسية من أنه تطل عليه /23/دولة، من أوروبا /12/ دولة وهي (إسبانيا- فرنسا- موناكو- سلوفينيا- كرواتيا- البوسنة والهرسك- الجبل الأسود- جبل طارق- إيطاليا – مالطا- ألبانيا- اليونان)، ومن قارة آسيا دول (سورية_ تركيا – قبرص ( الموحدة ) – لبنان- فلسطين ) ، ومن قارة أفريقيا دول (مصر- ليبيا- تونس-الجزائر- المغرب) ويضم أكثر من/3300/ جزيرة، أما أهميته الاقتصادية فهو منطقة هامة لعبور التجارة العالمية ، وأكبر خزان للغاز والطاقة.
وقد أكد تقرير صادر عن هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية تضمن أن البحر يعوم فوق بحيرة من الغاز و بمخزون حوالي /122/ تريليون قدم مكعبة وبنسبة /41% / من الغاز العالمي، ويحتوي على /107/ مليارات برميل من احتياطيات النفط، أي بنسبة /47%/ من احتياطي النفط العالمي ،وكميات كبيرة من الفوسفات والحديد والثروة السمكية ويمر به حوالي /24%/ من حمولة البضائع العالمية وخاصة حاملات النفط والغاز إلى أوروبا وأمريكا. كما يحتوي على حوالي /8%/ من مخزون الثروة البحرية الحيوانية العالمية و/18%/ من مخزون الثروة البحرية النباتية ، وتاريخياً كان سبباً في صراع القوى الكبرى، كالصراع بين حلف الناتو ووارسو بعد الحرب العالمية الثانية وحتى سنة /1990/ ، كما سعى الاتحاد الأوربي لإقامة ( الاتحاد من أجل المتوسط ) ويضم الدول الأوربية والدول المطلة عليه.
وهنا نسأل بل نتساءل: هل تسعى أمريكا وأوروبا للسيطرة على هذا البحر الهام لإبعاد كل من ( روسيا والصين وإيران وغيرها ) عنه وضمان السيطرة عليه؟ ،وحالياً نتلمس معالم حرب قادمة بين بعض دول الاتحاد الأوربي وخاصة الدول السبع أو اختصاراً منتدى ( ميد ) الذي تأسس سنة /2016/بسبب خلاف دول الاتحاد الأوربي حول كيفية حل الأزمة الاقتصادية اليونانية ، وهو منتدى غير رسمي أنهى منذ فترة قريبة عقد مؤتمره السابع وأكد تضامن هذه الدول مع ( اليونان وقبرص ) ضد تركيا ، ويضم المنتدى ( فرنسا – إيطاليا – إسبانيا – اليونان – البرتغال – قبرص – مالطا)، ولكن عملياً يعبر هذا المنتدى عن انقسام دول الاتحاد الأوربي، كما ينسق هذه الدول ليكون لها موقف موحد في القمة الأوربية القادمة في بروكسل يومي
(٢٤_٢٥/ ٩/ ٢٠٢٠) أي بعد أقل من نصف شهر، وتزداد الأمور تعقيداً وخاصة بعد زيادة التهديدات بين هذه الدول وتركيا ، ولا سيما بعد التصريحات العدوانية للرئيس التركي ( رجب طيب أردوغان ) ضد أوروبا وتهديده لها. فهل يتذكر القادة الأوربيون تصريحاتهم السابقة المتضامنة مع تركيا ضد سورية ؟!، وهل نتوجه في سورية ليكون لنا موقف قوي مما يجري في البحر المتوسط ، وخاصة بعد أن اتفقنا مع روسيا الصديقة لتفعيل الاستثمارات في هذا البحر الهام؟ ، وقد تم التأكيد على ذلك خلال زيارة الوفد الروسي الأخيرة إلى سورية برئاسة السيد يوري بوريس و مسؤولين آخرين ولقائهم مع السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد والمسؤولين السوريين وضرورة تطوير العلاقات الاقتصادية لتصل إلى مستوى العلاقات السياسية والعسكرية ، وتفعيل الاتفاقيات السابقة والاتفاق على /40/ اتفاقية جديدة، ومنها الاستثمار في البحر الأبيض المتوسط في مجال الطاقة من نفط وغاز وتبادل تجاري عن طريق الكريدور البحري وغيرها ، وهذا يعني اقتصادياً منع السيطرة الغربية الأمريكية والأوروبية والتركية عليه ، وعدم السماح بتحويله إلى بؤرة توتر عالمية و يتحول لونه الأزرق الجميل إلى اللون الأحمر ؟!، وعندها سنقول مع شاعرنا الكبير ( نزار قباني ) عندما قال :”هَل تَدخلينَ مَعي في احتمالات اللَّونِ الأزرَقْ – واحتمالات الغَرَقِ والدُوارْ، واحتمالات الوَجهِ الآخرِ للحُبّْ – لقد دمَّرتني العَلاقةُ ذاتُ البُعْدِ الواحد – والحِوار ذو الصَّوت الوَاحدْ- فلماذا لا تَخلعينَ جِلدَكِ وتَلبسينَ جِلدَ البَحرْ”؟.
فهل نعتمد إجراءات مع أصدقائنا الروس ليكون لنا موقف قوي في هذا البحر وتأمين الاستقرار به ؟!.

تشرين

شارك