العقارات تحكمها الفوضى والتسعير العشوائي.. ويد الجهات الحكومية مغلولة بمهامها! 

قفزات سعرية جنونية وفوضى عارمة تتصدّر سوق العقارات وبدلات الإيجار دون حسيب أو رقيب، يحكمها تجار البناء والسماسرة الذين استثمروا ما أفضت إليه الأزمة من ارتفاع نسب الدمار في مجال الأبنية السكنية من جهة، وهجرة أصحابها إلى مناطق جديدة والاستقرار فيها من جهة ثانية، بالتوازي مع غياب أي تدخل حكومي إيجابي في هذا القطاع أو مستلزماته، حيث شهدت مواد البناء ارتفاعات متتالية ساهمت بشكل أو بآخر بانتشار التسعير العشوائي الخاضع لقانون السوق بقلّة العرض وارتفاع الطلب، فسجلت العقارات أرقاماً فلكية انسحب أثرها على الإيجارات أيضاً، لتتضاعف قيمتها بشكل ملحوظ، بغضّ النظر عن ملاءمتها لمواصفات المسكن وموقعه من جهة، والقدرة الشرائية للمواطنين من جهة أخرى، ليصبح مشهد تنقل المواطنين من مسكن إلى آخر مشهداً يومياً، يرافقه مشاحنات بين طرفي العلاقة تصل أحياناً إلى بوابة القضاء والمحاكم وإبرام تعهدات بإخلاء فوريّ دون النظر في منطقية الإيجارات المطلوبة، أو البحث عن بديل سرعان ما تصيبه العدوى وتعيد الأحداث دورتها، وبالتالي وصل سوق العقارات إلى مستوى غير مسبوق من الفوضى، يحكمه مالكوها وتجارها، ولاسيما أنها لا تزال خارج أية مظلة قانونية أو تشريع واضح.

ليس سهلاً..

لاشك أن ارتفاع أعداد من هُجّروا من مناطقهم جراء الأزمة والأضرار التي طالت ممتلكاتهم العقارية ساهم بشكل ملحوظ في توظيف هذا الملف في سياق الاستثمار السريع، ولاسيما أنه لا تزال معظم المناطق المحرّرة –في حال تم إيصال المياه والكهرباء – تعاني من سوء الخدمات والبنى التحتية اللازمة بالحدّ الأدنى لعودة أهاليها – بحسب آراء من التقيناهم. بالمقابل هناك الكثير من المناطق خارج الخدمة بالكامل لم يتمّ ترميمها، ليترك القرار لمن رغب بالعودة، ولكن قرار العودة ليس سهلاً ويستحيل لدى نسبة كبيرة من المواطنين، إذ أكد البعض ارتفاع التكلفة بشكل يفوق قدرتهم لترميم مساكنهم مع ارتفاع أسعار مواد البناء والنقل، ويبقى تعويلهم على تدخل الحكومة لضبط الأسعار أو تقديم تسهيلات لشراء عقارات أملهم الوحيد.

بعد عن الواقع

يبدو أن وزارة الأشغال العامة والإسكان الواجهة الحكومية لتأمين المساكن، لم تواكب التغيّرات السريعة الحاصلة في سوق العقارات والتغييرات الديموغرافية الناجمة عن الأزمة، والذي يتطلّب تدخلاً مباشراً بتشييد وحدات سكنية ومساكن جديدة بأسعار مناسبة تلائم القدرات الشرائية لزيادة العرض وبالتالي ضبط قانون السوق، وعدم ترك الميدان لتجار العقارات للتحكم به وطرح أرقام عشوائية، بل اقتصر دورها على تنفيذ ما تبرمه من خطط سنوية قد يطالها التأخير أو التأجيل، على الرغم من تأكيدها على تأمين مسكن لكل سوري “شعار المؤتمر الوطني الأول” منذ العام المنصرم، إلا أن واقع الحال يشي بعدم قدرتها على ترجمته.

قطاع البيانات

معاون وزير الأشغال العامة والإسكان مازن اللحام أكد أن ظروف الأزمة وتذبذب سعر الصرف، وبالتالي أسعار الأرض ومواد البناء، لعبت دوراً أساسياً في تأخير إنجاز بعض المشاريع، سواء من الشركات الإنشائية أو من قبل المواطنين المكتتبين على المساكن، إلا أنها ورغم ذلك لا تزال حريصة على تقديم المساكن بسعر التكلفة وتوفير فرصة التقسيط لفترة تقارب الـ25 عاماً. كما بيّن أن الوزارة مستمرة بترجمة نتائج المؤتمر الوطني للإسكان المنعقد خلال العام الماضي على أرض الواقع، إذ تمّ إنشاء برامج تنفيذية ووضع خطط لتنفيذها، أهمها قرب الانتهاء من قطاع البيانات بالتعاون مع المكتب المركزي للإحصاء، والذي يعدّ الركيزة الأساسية لإحصاء الاحتياج السكاني ورصد عدد المساكن المدمّرة والاعتماد عليها برسم استراتيجية العمل المطلوبة، بالتوازي مع إيجاد حلول وتطبيق آليات عمل لمعالجة إشكالية التمويل بالتعاون مع المصارف العامة والخاصة وتفعيل الاقتراض من أجل السكن، مؤكداً أنه خلال الفترة القادمة سيتمّ الاتفاق على آلية عمل لتمويل الشركات المختصة بإنشاء هذه المشاريع والمواطنين المكتتبين على المساكن بمختلف شرائحهم لتسهيل عمليات استلام المساكن ودفع الأقساط المترتبة عليهم، معتبراً أنها إحدى الخطوات على مسار الحلول المجدية، ولاسيما أن معظم المكتتبين واجهوا إشكالية ارتفاع الأسعار والدفعات المستحقة لدى الاستلام. ولم يغفل اللحام عن التأكيد مراراً على حرص الوزارة لمعالجة الإشكاليات المتجدّدة نتيجة الظروف الراهنة وارتفاع أسعار مواد البناء والتكلفة على الشركة المنفذة والمكتتب معاً، ومنها عدم فصل أي مكتتب رغم تأخر البعض عن تسديد أقساط مسكنه.

الحصة الأكبر للخاص

وعلى الرغم من أن الوزارة هي المعنية بالدرجة الأولى بتأمين السكن، إلا أنها جزء من حلقة متكاملة تتشارك معها وزارة الإدارة المحلية والمصارف العامة لتنفيذ خططها وتطلعاتها في دعم هذا القطاع، كما أشار إلى أن حصة المؤسسة العامة للإسكان وقطاع التعاون السكني من الخطة الإسكانية على مستوى القطر لا تتجاوز الـ22%، إذ تنفّذ المؤسسة العامة للإسكان بحدود 7%، ونحو 3% للجهات الحكومية الأخرى، وقطاع التعاون السكني ينفّذ نحو 12%، لتبقى النسبة الأكبر للقطاع الخاص، وبالتالي فإن الحكومة لا يمكنها التصدي لقطاع السكن وحدها ضمن العديد من الأولويات الملحة في الوقت الراهن.

تسهيلات مدروسة

يبقى الأمل معقوداً على مشاريع التطوير العقاري، كونه الجناح الحامل لقطاع السكن باعتباره قطاعاً خاصاً بالتعاون مع القطاع الحكومي لتشييد مساكن متعددة تلبي حاجة كافة الشرائح، وبحسب بيانات هيئة التطوير العقاري هناك 26 مشروعاً محدثاً للتطوير العقاري، إضافة إلى ثلاثة مشاريع قيد الإحداث، بحسب مديرها الدكتور أحمد الحمصي، من شأنها المساهمة في سدّ الثغرة والحاجة في قطاع العقارات، منها ثمانية مشاريع خاصة سوف تعلن قريباً بعد تهيئة البيئة التشريعية لها. وبيّن الحمصي أن مقترح القانون المنتظر تجاوز عدة عقبات لتأسيس منطقة تطوير عقاري، حيث أتيح لمالكي العقار الراغب بإحداث منطقة تطوير عقاري ولا يمتلك الملاءة المالية الكافية أو الخبرة الفنية التقدم للهيئة لدراسة مشروعه، ويتمّ لاحقاً بعد الموافقة وضع المخطط التنفيذي والتوجيهي، ومن ثم تعرض على الهيئة ويصدر قرار الإحداث، ليتم فيما بعد اختيار شركة التطوير العقاري بمدة محدّدة لا تتجاوز العام الواحد، إلى جانب عدة مزايا تشجع شركات التطوير العقاري وتضمن حقوق المكتتبين، كما تمّ التركيز على تأمين السكن الاجتماعي ذي المساحات الصغيرة التي تلائم الأسر الناشئة، بالتوازي مع تطوير القانون رقم 25 لعام 2011 الناظم للعلاقة بين المطوّر العقاري والمكتتب بوساطة المصرف الوسيط، والذي من شأنه تقديم يد العون للمكتتب بحيث يبسّط قيمة القسط المطلوب ويمدّد المدة المتاحة للتسديد من جهة وتوظيف السيولة الموجودة في المصارف، كما يسهل المقترح الجديد عملية بيع المساكن بعد وضع المخططات الهندسية من قبل شركات التطوير، بعدما كانت غير متاحة في القانون الحالي وتشكّل عقبة بوجه المطور العقاري.

البعث

شارك