مئات أطنان بذار الشوندر الموردة “منتهية الصلاحية”.. والاعتراف بالفشل في إيجاد مخرج ينهي الملف!

من الطبيعي جداً عندما تستورد أي جهة حكومية سلعاً أو مواد يجب عليها حكماً أن تستثمرها بالشكل الأمثل، لكن أن يحصل العكس، فهذا أمر يدعو إلى شكوك ترتقي إلى الدرجة القطعية بوجود خلل ما، وبالتالي تكون الخسارة مضاعفة لجهة استنزاف القطع الأجنبي وعدم الاستفادة من المادة ذاتها، والشواهد في هذا المضمار حاضرة نستطلع منها ما هو مخزّن في مستودعات المؤسّسة العامة لإكثار البذار بحلب من بذار الشوندر السكري المنتهية الصلاحية أو “المنخفض الإنبات”، كما يحلو أن يطلق عليه أهل الكار والاختصاص، ويأتي فتح هذا الملف ليس من باب التشفي أو التجنّي على أحد، وإنما ليتحمّل المخطئ أو المقصّر مسؤولياته أياً كانت.

جرأة

الملفت في الأمر هو عدم تحفّظ أو تخوّف مدير المؤسسة العامة لإكثار البذار المهندس بسام السليمان من تسليط وطرح الملف على الإعلام، حيث كشف لـ”البعث” وعبر اتصال هاتفي معه عن وجود مئات الأطنان من بذار الشوندر السكري المنتهي الصلاحية أو “المنخفض الإنبات” في مستودعات المؤسّسة منذ زمن ليس ببعيد، موضحاً أنه في العام 2013 تمّ استيراد مئات الأطنان من تلك البذار، حيث استمرت هذه البذار مخزّنة لسنوات طويلة في مستودعات المؤسّسة بحلب، ومن ثم تمّ نقلها إلى مستودعات المؤسسة العامة للسكر بحمص، ومع استمرار التخزين الطويل لتلك البذار، أدى ذلك إلى انخفاض فعاليتها، مشيراً إلى أنه في العام 2016 تمّ وضع عدة حلول لمعالجة الملف، تمثّلت ببيع البذار للفلاحين بأسعار رمزية، حتى وصل الأمر إلى عرضها على الفلاحين مجاناً، كما أن من الحلول اللجوء إلى عرض هذه البذار للبيع الخارجي، لكن مع الأسف كل الحلول لم تلقَ النجاح في ذلك الوقت، والسبب -كما يقول سليمان- هو توقف غالبية معامل السكر في ذلك الحين، مشيراً إلى أن المؤسّسة خاطبت الجهات الوصائية عدة مرات خلال السنوات الماضية من أجل فتح تحقيق في الموضوع، أو إيجاد مخرج ينهي هذا الملف، بحيث يتمّ تحديد مسؤولية كل طرف ساهم في تراجع إنتاجية هذه البذار الموردة.

منتهية الصلاحية؟

ويشير التقرير الصادر عن المؤسسة – إلى أنه في العام 2013 تمّ تحديد حاجة القطر من بذار الشوندر السكري بنوعيه، حيث تصل كمية متعدّد الأجنة إلى حدود 165413 كغ، وكمية وحيد الجنين إلى 14971 وحدة بذرية، حيث إن الكمية بمجموعها بإمكانها أن تنتج عند زراعتها نحو 1.3 مليون طن من الشوندر السكري، وهي الكمية التي تستطيع معامل السكر استيعابها. ويوضح التقرير أنه بالفعل تمّ استيراد الكميات المذكورة، وذلك وفقاً للمواصفات الفنية المحدّدة والمعتمدة في القطر، إلا أنه ونتيجة للظروف التي فرضتها الحرب من تخريب وتدمير طالا البنى التحتية والمنشآت الحيوية، فقد توقفت جميع معامل السكر التابعة لوزارة الصناعة عن الإنتاج، ما أدى إلى تراجع زراعة الشوندر بشكل كبير، وبالتالي اضطرت المؤسسة في ذلك الوقت إلى تدوير كميات كبيرة من البذار المستورد. ولفت التقرير إلى أن البذار مادة حيّة وإن تدويرها من عام لآخر يؤدي إلى تراجع مواصفاتها وعدم قدرتها على الإنبات، وهذا ما حصل لتلك البذار المدوّرة!.

إجراءات التصريف

ويشير التقرير إلى أن المؤسّسة اتخذت العديد من الإجراءات لتصريف هذه الكميات، إلا أنها واجهت صعوبة كبيرة في تنفيذ ذلك لارتباط زراعة هذا المحصول بعمل معامل السكر، كون إنتاج السكر هو الآلية الوحيدة لتسويق المحصول، ولعلّ أبرز هذه الإجراءات بثّ إعلانات تلفزيونية خلال الأعوام السابقة لحثّ الفلاحين ومزارعي الشوندر على الزراعة واستلام حاجتهم من البذار من المؤسّسة، مع إجراء إعلان داخلي وخارجي لبيع البذار المدوّرة، حيث تمّت إعادة الإعلان لعدة مرات لكن دون جدوى، كما أنه تمّ تعديل كمية البذار المخصّصة لزراعة الدونم بما يتوافق مع نسب الإنبات، واقترحت المؤسّسة أن يتمّ توزيع البذار المتوفر مجاناً للفلاحين، مع الطلب بإيجاد آلية لتعويض المؤسسة عن قيمة الرصيد المتبقي لديها، كما طالبت المؤسسة بضرورة توحيد ملف محصول الشوندر السكري، إلا أن جميع هذه الإجراءات لم تأتِ بالنتيجة المرجوة منها، وذلك لارتباط زراعة هذا المحصول كما تمّ ذكره بمعامل السكر.

الوزير مشغول!

ولمعرفة المزيد عن الموضوع حاولت “البعث” التواصل مع وزير الزراعة المهندس محمد حسان قطنا من خلال مكتب السكرتاريا، لكن الحظ لم يسعفنا بلقائه لانشغاله في اجتماعات الوزارة، الأمر الذي دفعنا للتوجّه إلى مكتب معاون الوزير الدكتور لؤي أصلان الذي اعتذر بلباقة عن الحديث، نتيجة عدم معرفته بحيثيات الموضوع بشكل كامل، مفضلاً أن يتمّ الحديث مع مدير عام مؤسسة إكثار البذار نظراً لخصوصية الموضوع، مكتفياً بالإشارة إلى وجود تنسيق حالياً مع وزارة الصناعة من أجل تأمين متطلبات زراعة 8 آلاف هكتار من الشوندر السكري في منطقة الغاب.

إنتاج منخفض

مدير عام مؤسّسة السكر المهندس سعد الدين العلي أشار إلى أن تدهور محصول الشوندر خلال السنوات الماضية سببه بذور منخفضة الإنتاج، إضافة إلى خروج الأراضي التي كانت تُزرع بهذا المحصول والمنتشرة في محافظات إدلب وحلب والغاب والرقة ودير الزور، ولهذه الأسباب -حسب رأيه- تراجعت زراعة الشوندر السكري وليس لخروج معامل السكر في المحافظات عن الخدمة كما يدّعي البعض، موضحاً لـ”البعث” أنه تمّ الاتفاق مع وزارة الزراعة في العام 2013 على إنتاج 266 ألف طن من الشوندر السكري كحدّ أدنى، حيث إن هذه الكمية تكفي لتشغيل معمل سكر سلحب، لكن هذه الكمية المطلوبة لتشغيل المعمل لم تحقّق في الإنتاج المتفق عليه، فقد وصل الإنتاج في ذلك العام إلى 115 ألف طن فقط، في حين وصل إنتاج العام الذي يليه إلى نحو 42 ألف طن، ومع ذلك تمّ تشغيل المعمل، فيما توقف المعمل عن التشغيل في العام 2015 نتيجة ضعف الكميات المسوّقة إلى المعمل، حيث لم يصل الإنتاج في العام 2016 إلى أكثر من 7 آلاف طن، بينما وصل في العام 2011 إلى نحو 1.750 مليون طن، مؤكداً ضرورة توحيد جهات الإشراف على زراعة الشوندر، وتفعيل الزراعة التعاقدية وتحديد كميات الإنتاج من المحصول.

تشكيل لجنة

مديرة الإرشاد الزراعي الدكتورة انتصار الجباوي أشارت إلى أنه كان من الأجدى أن يتمّ زراعة بذار الشوندر المدورة كبذور شوندر علفي، لأنها منخفضة الإنبات. وبحسب رأي الجباوي، هذا هو الحلّ الأنسب لتصريف تلك البذور، وبيّنت أن الوزارة شكلت لجنة خلال السنوات الماضية، مهمتها النظر بالبذار المدورة، لكن أعضاء اللجنة لم يتوصلوا إلى حلّ يمكن من خلاله تصريف تلك البذور، كما أشارت إلى أبرز الصعوبات التي أدّت إلى توقف المحصول، من حيث تغيّر ظروف زراعة الشوندر بشكل كبير خلال سنوات الأزمة والظروف الأمنية في بعض المناطق، فمعظم الأراضي التي كانت تُزرع بمساحات واسعة منه تقع في المناطق الساخنة، ما أدى إلى تقطع الطرق الزراعية، وعدم قدرة المزارعين على الوصول إلى حقولهم، وسرقة معظم مضخات المياه وشبكات الري، وخروجها من الخدمة، ونزوح سكان المناطق الزراعية (اليد العاملة) إلى مناطق آمنة، وتوقف شركات السكر عن العمل باستثناء شركة سكر تل سلحب.

البعث

شارك